كانت الطفلة مع أبيها يمشيان على الشاطئِ الرملي قربَ بيتهما الساحلي، وكانت آثارُ العاصفة التي هبّتْ ليلة البارحة واضحة جداً.. آلافٌ وآلافٌ من حيوانات نجم البحر منتشرة على الشاطئِ الذهبيِّ.. رمى به الموجُ العاتي بعيداً عن المياه.. البعضُ منه ميّت، والبعضُ الآخرُ في رَمَقه الأخير.
أخذتْ الطفلة وبشكل جنوني بيدها الرقيقة إحدى نجماتِ البحرِ التي ما زالت حية وأعادتها إلى البحر، وثم اتجهت نحو الأخرى ورمتها أيضا في البحر، وبقت هكذا تُعيد ما استطاعت إلى البحر وهي تبكي؛ شفقة على مئاتِ الآلافِ منها.
بادرها أبوها قائلا: ابنتي العزيزة.. لن تستطيعي فِعل شيءٍ.. إن إنقاذ بعضها (حتى لو كانت بالعشرات) لن يُغيّر شيئاً من الواقعِ الأليمِ لهذه المأساة.!!
استدارت البنت صوب أبيها وقالت بكل ثقة: قد لا يعني للعالم شيئاً إنقاذي لهذه النجمة المسكينة، ولكنها تعني للنجمة نفسها الشيءَ الكثير، إنها تعني العمرَ كلهُ، والخلاصَ كلهُ، والدنيا كلها.
إن من الضروري أن تكون لدينا أولا هِمّة للبداية بالإصلاح.. ويقينٌ بأهمية تلك البداية الصغيرة.. وثقة بأن البداية ستعني الكثير والكثير لبعضنا على الأقل
ولرب عملٍ بسيط.. صغيرٍ.. لا نهتمُّ له.. ولا نُلقي له بالنا.. يرفعنا درجاتٍ عند الله.. ويزحزحنا عن النار.. ويدخلنا الجنة، ولتكن نظرتنا للعمل كنظرة تلك الطفلة الصغيرة، لا النظرة التشاؤمية اليائسة البائسة الضيقة للأمور.