ما أثرى لغة الضاد وأجملها...

ترددت على مسامعي هذه العبارة كثيراً على ألسنة صغار للتو يلثغون أبجديات المعرفة...

كان تحديداً عندما يدرسون الكلمة بمعانيها المختلفة...

من بينها كلمة (عين)... وهي عند السماع تتصدر ذاكرة البصر مدلولها، فتشير الأصابع إليها في الرأس:

هذه، إنها عيني التي أرى بها المدى والفضاء...

وسرعان ما تلتقط لهن المعلمة من ذاكرتها معنى آخر للفظ ذاته: إنها عين النبع تتدفق المياه من الجوف... فالأرض مصدر ومورد...

والعين كذلك كل شخص يأتيك بما تحتاج إليه من خبر: يطمئنك عن غائب، يحذرك من عاد، ينبهك لآبق...

وتنبري أسئلة الصغار حول طبق العين يلتقطن منه حروفا ثلاثة لمعان تتفاوت وكلها في النهاية تجتمع لبهجة الإنسان...

يبهج حين يكون صاديا فيجد النبع فيرتوي...

يبهج حين يكون مشوقا فيصافح من يحب... وما يحب...

يبهج حين يكون غافلاً فيعلم ما يجهل...

*** والعطش ليس الحرمان من سقيا الماء...

إنه العطش من العلم والحب والمعرفة والإخلاص والخلق و و و كل ما يكون في وجود نبعه ما يسدد فيرتوي...

*** والشوق ليس الحرمان من رؤية من يحب...

إنه الشوق للعلم وللصحة وللأمان وللرفقة الطيبة وللصديق الصالح وللوطن الآمن وللنجاح والتوفيق بل للإيمان التام واليقين الصادق والعفو والعافية... ويكون في مثوله ما يقر عين القلب التي ترى...

*** والغفلة ليست عن خاصة الإنسان...

إنها الغفلة عن حقه وعن رعايته وعن أمانته في نفسه ورعيته من ابن يحمل اسمه وزوجة تنضوي تحت جناحه وعمل تسند مسؤوليته له و جار يؤتمن على حرماته ووطن يشارك في شؤونه كلها...

وإن لم يكن في كلها ففي الذي يخصه منها... ويكون في معرفة ما يجهل... تسديدا لحرص... وتحفيزا لحمية... وتوفيرا لعدة... وعملا على قوة... وتخطيطا لحماية...

العين ليست مادة في أعضاء الجسد وجزء في رأس بشري...

العين أيضا روح يقظة وبصيرة واعية وعقل مفكر وقلب شجاع ونفس معطاءة...

العين في الإنسان جزء في رأسه تعمل بكل دلالاتها تلك من أجل بيته ومقر عمله وشارع حيِّه ومجتمع معاشه

للأهل والنفس والجيرة والمجتمع...

وعين القلب والعقل والعلم والرعاية تعمل له ولكل العيون بما فيها تربة الأرض وسماء الفضاء...

تلك الأولى عيون الجماعات في الأوطان...

وتلك الأخرى عيون الرعاة فيها...

في الغد وبعد أسبوع من الآن تحتفي رئاسة الاستخبارات العامة السعودية في مؤتمر علمي عالمي بموضوع علمي محور العصر (تقنية المعلومات والأمن الوطني) ببلوغها خمسين عاماً في رسالة عين الوطن... تلك التي تمتد لتصنع علاقات حية ووطيدة مع إنسان الكون الأبعد.. ليكون الوطن في العين... عين القلب وعين العقل...