وقفت طويلاً على معاناة أحد الأقارب الذي كان يشكو من المرض الخبيث وهي تجربة بالطبع مليئة بالقلق والآلام كما لا يخفى على أحد، فبالإضافة إلى المتاعب الجسدية المبرحة يكتنف جملة من الآلام النفسية الصعبة، قابلت هذا القريب برفقة شقيقه عند مجيئهما إلى الرياض لإجراء فحوصاته الدورية وأخذ العلاج إلا أنني لاحظت انقباضا وضيقا واضحا على وجهيهما وبعد السلام عليهما حاولت أن أعرف سبب عدم الارتياح البادي عليهما فكان وقع الخبر علي مفاجئا وصعبا ولم أستوعب وقعه للوهلة الأولى حيث إني علمت أن الأخ الآخر قد أجرى فحصا روتينيا في المستشفى وتفاجأ بوجود المرض الخبيث في جسده أيضا الأمر الذي ولد لديه متاعب نفسية لا تحتمل كانت واضحة تماما على وجهه من الارتباك والفزع وعلامات التوتر فحاولت جهدي أن أخفف من وقع هذا الإحساس المرير عليهما بتمرير احساس آخر أكثر تفاؤلا وإقبالا على الحياة وأن المرض يجب ألا يهز في داخلنا محفزات الأمل وقوة التشبث بالحياة وأن الطب بات يسجل في عالم اليوم انتصارات مهمة جدا على كثير من الأمراض فتساءلا فكيف السبيل إلى هذه الرعاية الطبية المتقدمة التي لا توجد إلا بالمراكز الطبية العالمية، فهونت عليهما الأمر وللتو تذكرت أمير الإنسانية وصاحب الأيدي الحانية التي لطالما مسحت الأحزان والضيق عن كثير من الناس.. تذكرت سلطان الخير.. وأخبرتهما أنني سأقصد بابه مساء هذا اليوم وهو الذي لم يرد محتاجا جاء ينشد وقفاته المشهودة، فرأيت علامات الارتياح والسكينة والطمأنينة عليهما.. وفي المساء قصدت سكرتارية سموه الخاصة وكان أن استقبلني أحد مسؤولي السكرتارية الخاصة والواقع أن انشراح وجهه والابتسامة التي سبقت مصافحته لي عبرت لدي عن طيب شمائله وكرم أخلاقه.. لقد كان استقباله ودفء ترحيبه تلخيصا عميقا على دقة وبعد نظر سمو سيدي الأمير سلطان بن عبدالعزيز في حسن اختياره لموظفيه لأن الاهتمام الذي منحني إياه الأستاذ عبدالعزيز بن محمد العودة، كان يعكس تماما ثقافة التعامل الإنساني المستمدة من ديننا العظيم، والتي لطالما حرص سموه الكريم على أن يكون طابع الإنسانية منهجا وأسلوبا سائدا بين موظفيه.
على أنني لم أستغرب هذا التعامل الراقي الذي أسبغه علي الأستاذ عبدالعزيز العودة إذ علمت أنه نجل معالي الشيخ الجليل والمربي الفاضل محمد بن عبدالله العودة، الرئيس العام الأسبق لتعليم البنات وهو من عرفنا عنه أخلاقه الناصعة ومواقفه التي امتدت إلى كثير من الناس مذللا صعابهم ومقدما وقفاته ومبادراته وتوجيهاته السديدة، وما سمعنا ممن عرفوه عن قرب عن سيرته الناصعة التي اكتست بكل خير وقصدت كل معروف.
إن الإحساس الطيب الذي داخل المريضين وأنا أنقل لهما مدى تفهم الأخ عبد العزيز العودة لحالتهما وحرصه الشديد على توصيل صوتهما وبيان حالتهما لأمير الخير ورجل الإنسانية سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز كان يترجم لديهما شعورا جديدا بالتعاطي الإيجابي مع الحياة، ونبذ اليأس والإحباط ومعانقة الأمل.. وكانت مشاعري باستعادتهما لثقتهما وإقبالهما على الانخراط في جمال حاضرهما وعودتهما لتجديد الإحساس بالحياة عظيمة.. ورددت بيني وبين نفسي حديث رسولنا الكريم (إن لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس حببهم في الخير وحبب الخير إليهم إنهم الآمنون من عذاب يوم القيامة).