الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فإن الحج عبادة عظيمة لها أحكام من أركان وواجبات وسنن التي يجب على المسلم أن يعرفها، وأن يسأل عنها إن لم يعرفها قال تعالى: {مَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (7) سورة الأنبياء.
ليعبدوا الله على بصيرة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خصوص الحج: (لتأخذوا عني مناسككم) (رواه مسلم).
وقبل الدخول في الموضوع هناك تقسيمات للمحظورات في الشريعة نوجزها فيما يأتي:
الأول: أن المحظورات في الشريعة على قسمين:
1 - محظورات يجب اجتنابها في كل زمان وفي كل مكان في أشهر الحج وفي غيرها وفي البقاع المقدسة وفي غيرها.
2 - هناك محظورات مخصوصة بزمن أو مكان أو بهما ومن ذلك محظورات الإحرام.
الثاني: أن هذه المحظورات على قسمين:
1 - محظورات لها زواجر وجوابر.
2 - محظورات ليس فيها إلا التوبة والاستغفار.
هذا في الدنيا، أما في الآخرة ثواباً وعقاباً فإلى الله عز وجل إن شاء عاقب عدلاً منه، وإن شاء عفا تفضلاً ورحمةً عدا الشرك به عز وجل.
الثالث: أن هذه المحظورات على قسمين أيضاً:
1 - إن قام عذر بالحاج أو المعتمر فله فعل هذا المحظور وعليه الفدية، ولا إثم عليه.
2 - إن فعل الحاج ذلك متعمداً من غير عذر ولا حاجة فعليه الفدية، ويأثم على ذلك.
الرابع: تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
* القسم الأول: محظورات على الذكور والإناث، وهي بالاستقراء من الأدلة الشرعية ثمانية:
1 - حلق الشعر من جميع بدنه بلا عذر:
لقوله تعالى : {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (196) سورة البقرة. ولإجماع العلماء على ذلك.
وقص الشعر في حكم الحلق بدلالة النص، وإنما عبر في النص بالحلق، لأنه الغالب، ويقاس النتف والقلع على الحلق، لأنهما في معناه فحظر حلق الشعر وما أُلْحِقَ به لمنافاة ذلك للإحرام، لكون المحرم أشعث تفلاً، أخرج أبو داود والترمذي وغيرهما أن رجلاً قال: من الحاج يا رسول الله؟ قل: (الشعث التفل).
2 - تقليم الأظافر أو قصها من يد أو رجل بلا عذر:
ذكره ابن المنذر إجماعاً، وقال الموفق: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره)، والمعنى الذي لوحظ في حظر إزالة الشعر موجود في تقليم الأظافر، فكل منهما يحصل به الترفه.
3 - الطيب:
فلا يجوز للمحرم أن يطيب بدنه أو ثوبه أو شيئاً منهما، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما- في المحرم: (لا يلبس ثوباً مسه زعفران ولا ورس) ولقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته راحلته بعرفة:(غسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه) أي: (لا تغطوه) وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم يعلى بن أمية - رضي الله عنه- بغسل الطيب (متفق عليه)، وقد نقل الإجماع غير واحد على تحريم ذلك على الحاج أو المعتمر.
4 - عقد النكاح:
فلا يجوز للمحرم أن يتزوج امرأة ولا أن يعقد لها النكاح بولاية ولا بوكالة، ودليل ذلك حديث عثمان - رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) (رواه مسلم).
5 - الجماع:
فيحرم على المحرم الجماع باتفاق العلماء، والجماع أشد المحظورات حظراً: لأنه يؤدي إلى فساد النسك. ودليل ذلك قوله تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (197) سورة البقرة.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: الرفث: الجماع. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الرفث اسم للجماع قولاً وعملاً.
6 - المباشرة دون الفرج:
فيحرم على المحرم المباشرة دون الفرج بتقبيل أو ضم أو نحوهما، والدليل على ذلك قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (197) سورة البقرة. والرفث الجماع ومقدماته، تحريماً للشيء وللوسائل المؤدية إليه.
7 - قتل صيد البر واصطياده:
فلا يجوز للمحرم أن يقتل صيداً برياً مأكولاً، وكذلك الحكم لو تلف الصيد في يده بمباشرة أو سبب، لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (96) سورة المائدة، وقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (95) سورة المائدة.
8 - لبس القفازين:
فيحرم على الذكر والأنثى لبس القفازين في حال الإحرام، أما تحريم ذلك على الذكر فلأنه لباس مفصل على قدر اليدين، فهو من المخيط الذي نهي عنه.
وأما لبس القفازين للأنثى فلا يجوز كذلك لما رواه البخاري: (لا تتنقب المرأة ولا تلبس القفازين).
* القسم الثاني: المحرم على الذكور دون الإناث، وهما محظوران:
1 - تغطية الرأس:
فيحرم على الرجل المحرم ستر رأسه بملاصق، لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته راحلته بعرفة: (غسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه) أي: (لا تغطوه) (رواه مسلم) ونقل الإجماع على تحريمه كثير من العلماء. فأما غير الملاصق فلا بأس به، مثل سقف الخيمة والبيت والشمسية، ومثله في هذا الوقت سقف السيارة لقول أم حصين - رضي الله عنها-: (حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف على راحلته ومعه بلال وأسامة، أحدهما يقود راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس النبي صلى الله عليه وسلم يظلله من الشمس) (رواه مسلم).
2 - لبس المخيط:
في بدنه أو بعضه، والمخيط هو: ما عمل على قدره أو بعضه، من قميص وعمامة وسراويل وفنايل وخفاف وغيرها، مما هو في معنى ما ذكر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال: (لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف ولا ثوباً مسه زعفران ولا ورس) (متفق عليه).
لكن لمن لم يجد الإزار أو لم يجد ثمنه أن يلبس السراويل، أو لم يجد النعلين أو ثمنهما أن يلبس الخفين ولا شيء عليه، لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات يقول: (من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين) (متفق عليه).
* القسم الثالث: المحرم على الإناث:
ستر الوجه بما فصل على قدره
فيحرم على المرأة ذلك في حال الإحرام، لكن إذا مر بها الرجال الأجانب فيجب عليها تغطية وجهها بغطاء الرأس، لقول عائشة - رضي الله عنها-: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا أي: قابلونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا) (أخرجه أبو داود) ويدخل في التحريم لبسها للنقاب أو البرقع لما رواه البخاري: (لا تتنقب المرأة ولا تلبس القفازين).
وليعلم الحاج والمعتمر أن هناك تفصيلات كثيرة ينبغي أن يسألوا عن أحكامها حتى تكون أقوالهم وأفعالهم موافقة للقرآن الكريم والسنة المطهرة، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنهم صالح الأعمال، وأن ييسر على حجاج بيت الله الحرام حجهم، وأن يتقبله منهم إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وأجمعين..
عضو هيئة كبار العلماء
وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء