وجدت الوظيفة العامة منذ زمن بعيد وإن أخذت مسميات مختلفة في المجتمعات المدنية والحضرية السابقة، فكل مجتمع مدني يلزمه أفراد يقومون بأدوار مهمة في إدارة وتنظيم شؤون تلك المجتمعات، وكانت الوظائف في الزمن القديم محدودة ولا تخضع لأنظمة محكمة تحدد مهامها وخصائها بشكل دقيق وإنما تخضع في الغالب لآراء القادة في تلك المجتمعات. وقد ارتبطت مهام الوظائف في تلك الأزمنة بنشاطات هذه المجتمعات ارتباطا وثيقا. ولاشك أن مفهوم الوظيفة العامة قد تبلور في العصور الحديثة أي عند تطور علم الإدارة وتشعبها في جميع المجالات، وأصبح الموظف العام يرتبط ارتباطا تنظيميا بالوظيفة العامة من حيث الواجبات والحقوق، ومع التسليم بأن الافراد مختلفون في القدرات والمهارات إلا أن الكفاءة والجدارة في العمل تأتي من أهم الشروط الواجب توفرها بالموظف العام. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المبدأ حيث قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}} (26) سورة القصص. ويشير مفهوم الوظيفة العامة إلى أن الوظيفة حكومية، كما يشير مفهوم الموظف العام بأن الموظف يعمل لدى الحكومة أو أحد أجهزة الدولة، وقد أصبحت الوظيفة العامة في الوقت الحاضر حقا مكتسباً من حقوق المواطنين تكفله الدساتير الوطنية وأنظمة الحكم، وتأخذ الوظيفة العامة شكلاً هرميا داخل الجهاز الذي تديره الدولة، كما أن الوظيفة العامة تنمو وتتطور حسب الفترات الزمنية المختلفة وما يصاحبها من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وإدارية وغيرها. وتعرف الوظيفة العامة بأنها مجموعة الواجبات والمسؤوليات التي تلقى على عاتق الموظف بموجب الأنظمة واللوائح أو عن طريق التفويض مقابل تمتعه بالحقوق والمزايا الوظيفية، وتصنف الوظيفة العامة بحيث توضع في مجموعات تتفرع إلى فئات لكي يسهل التعامل معها من حيث الواجبات والمسؤوليات والمزايا وغيرها، وقد خضعت الوظائف العامة في المملكة إلى ثلاث عمليات تصنيف منذ عام 1364هـ حتى الآن حيث تم أخيرا تطبيق طريقة (التقويم بالعوامل والنقاط) في خطة التصنيف الثالثة بعد دراسات أجرتها وزارة الخدمة المدنية ما بين أعوام 1405 -1410هـ. ويعرف الموظف العام بأنه كل شخص يساهم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام، ومن أهم الشروط الواجب توفرها في الموظف العام في المملكة أن يكون حسن السيرة والسلوك ولم يسبق عليه إقامة حد شرعي أو ارتكب جريمة مخلة بالشرف. وقد حددت الأنظمة الوظائف التي لا يمكن أن يقبل فيها مثل هذا الموظف، كما اشترطت الأنظمة مرور فترة زمنية محددة على ارتكاب الجريمة للوظائف الأخرى للتأكد من أن الشخص قد أصبح مؤهلا للوظيفة من عدمه. وقد حددت الأنظمة السن الأدنى للموظف العام بالمملكة بثماني عشرة سنة وسن التقاعد بستين سنة، ويجوز تمديد خدمة الموظف العام خمس سنوات بقرار من الوزير المختص وخمس سنوات أخرى بقرار من المقام السامي، ويجب على الموظف العام في المملكة أن يلتزم بالزي السعودي خلال ممارسته مهامه الوظيفية ماعدا بعض الوظائف التي لها طبيعة عمل خاصة كمهنة الطب مثلا. ونظرا للتطور المستمر الذي تعيشه المملكة منذ تأسيسها فقد كانت الحاجة ماسة إلى تحديث الأنظمة واللوائح التي تنظم الوظيفة العامة وشاغليها، لذا صدر نظام الموظفين عام 1377هـ ثم صدر نظام الخدمة المدنية عام 1397هـ، كما أنشئت وزارة الخدمة المدنية لتتولى شؤون الوظيفة العامة وما تتطلبه من التعيين والتنسيق والتفسير وإصدار الأنظمة واللوائح، إضافة إلى ذلك فقد أنشئ مجلس الخدمة المدنية الذي يرأسه خادم الحرمين الشريفين، وأنشئ مجلس القوى العاملة ليتولى دراسة الاحتياجات من القوى العاملة وتخطيطها ورسم سياسة توزيعها. وتجدر الإشارة إلى أن الموظف العام لا يسمح له بالجمع بين وظيفتين في آن واحد، كما لا يسمح له بتكليف شخص آخر يقوم بأداء مهامه الوظيفية نيابة عنه مهما كانت الظروف، فالوظيفة العامة عينية تقتصر على الموظف نفسه، كما أن الموظف العام ينمو ويتقدم شيئا فشيئا حسب قدراته ومهاراته ونتائجه في تقويم الأداء الوظيفي، حيث يقيم أداؤه سنويا وفق نموذج معد لهذا الغرض. ولا يسمح للموظف العام بممارسة التجارة العامة إلا في بعض الأمور التي لا تتطلب تفرغا كاملا قد يعيقه من تأدية مهامه الوظيفية أو تؤثر على موضوعيته في الأداء أو في اتخاذ القرار، ومن الأعمال التجارية المسموح بها للموظف العام بيع وشراء العقارات وتأجيرها، وبيع الإنتاج الفكري والعلمي والزراعي، وبيع وشراء الأسهم والاكتتاب في الشركات المساهمة وغيرها، علما بأن هناك بعض الوظائف التي يسمح لأصحابها في ممارسة المهنة خارج الوظيفة العامة كالطب والمحاسبة والقانون وغيرها سواء لدى القطاع الخاص أو عن طريق مكاتب خاصة لهؤلاء الموظفين، كما أن هناك مرونة في السماح للموظفين دون المرتبة السادسة في ممارسة أعمال تجارية مناسبة.