|
هو الشيخ عمر بن حسن بن حسين بن علي بن حسين ابن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب. وهذا النسب الكريم بيت علم وفقه وعقيدة صحيحة نقلها الأبناء عن الآباء رحمهم الله جميعا.
|
وقد ولد الشيخ عمر بالرياض عام تسعة عشر وثلاثمائة وألف هجرية، وربي في بيت علم وصلاح، نشأ محبا للعلم راغبا في تحصيله، فدخل كُتَّاباً في مدينة الرياض وهو في سن التمييز، وكانت الكتاتيب في ذلك الوقت لا تتجاوز في تعليمها قراءة القرآن في المصحف وتعليم مبادئ الخط. فقرأ القرآن على يد مقرئ مشهور يدعى إبراهيم بن عيسى بن رضيان.
|
|
لما رأى فيه والده علامات الذكاء والفطنة وكل به والده مقرئا شهيرا بجودة القراءة وتجويدها، هو الشيخ البطيحي فصار يدرسه قواعد التجويد، ويلقنه القراءة الجيدة تطبيقا على تلك القواعد، ليحفظ القرآن الكريم على هذا النهج، فحفظ القرآن حفظا متقنا مجودا، وهو لم يبلغ العاشرة من عمره.
|
ثم شرع في طلب العلم، فصادف ذلك حافظة قوية وإدراكا جيدا، فعنى بالمتون فحفظ كتاب التوحيد وكشف الشبهات وآداب المشي إلى الصلاة والآجرومية والرحبية، فصار يقرأ هذه المتون المختصرة النافعة على والده في أثناء حفظه لها، فصار عنده في هذه العلوم الشرعية والدينية مبادئ طيبة، وهو في سن الصبا.
|
ثم شرع مع كبار الطلبة يقرأ على العلامة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، فقرأ عليه مجموعة التوحيد ثلاث مرات، كما قرأ عليه صحيح البخاري والترمذي وتهذيب السنن وعقيدة الطحاوي، فحصل له من ذلك خير كثير.
|
وبعد هذا زادت همته في العلم وتحصيله، فصار يتردد بين حلق الذكر في مدينة الرياض العامرة بالعلماء الكبار، وهكذا قرأ على والده الشيخ حسن النحو وكتبه، ومنها: ألفية ابن مالك وقطر الندى، وقرأ على الشيخ حمد بن فارس النحو أيضا، فقرأ ملحة الإعراب وشروحها، وفي الفقه زاد المستقنع وشرحه.
|
ومن أساتذته أخوه عبدالله بن حسن المولود في عام 1287هـ فهو يكبر الشيخ عمر باثنتين وثلاثين سنة. ومن أبناء الشيخ عبدالله الشيخ حسن وزير المعارف والتعليم العالي في زمانه والشيخ عبدالعزيز الذي عمل وزيرا للمعارف ورئيسا لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإماما في المسجد الحرام رحمهم الله جميعا.
|
كما قرأ على الشيخ سعد بن عتيق تفسير ابن كثير ومسند الإمام أحمد، ورد الشيخ عبدالله أبا بطين على داود بن جريس والفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية، فصار يرتاد مناهل هؤلاء الأئمة، فيأخذ عنها العلوم الشرعية والعقيدة السلفية والسلوك الطيب والنهج السليم والاستقامة والصلاح والتقى والوفاء، فانطبع ذلك في سلوكه واحتذاه طيلة حياته التي عمرها بالعلم النافع والعمل الصالح، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة.
|
وكان لديه حافظة قوية بحيث إنه يورد الرسائل الطوال من حفظه للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن وغيره من علماء الدعوة فلا يخرم منها حرفا، ويورد النصوص من الكتاب والسنة في مناسبتها فيطبقها في خطبته أو في حديثه كأن الكتاب أمام عينيه، شهد بذلك كل من عرفه أو استمع إليه.
|
وهو خطيب متميز، قوي الحجة، ومتحدث متمكن من نواصي الكلام، فلا يمل حديثه ولا يسأم من كلامه.
|
|
منذ شبابه وعلامة النجابة ظاهرة عليه، وكانت (الحسبة) في تاريخ المسلمين لا تولى إلا لذوي الغيرة الدينية والسياسة الشرعية، ولما رأى فيه الإمام عبدالرحمن الفيصل والد الملك عبدالعزيز أمارات الفطنة وعلامات النبوغ وشواهد الأمانة والغيرة على الدين عينه مسؤولا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الرياض مساعدة للشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف عام 1336هـ وعمره آنذاك لا يتجاوز السابعة عشرة سنة، فقام بهذه المهمة خير قيام، وخاف منه أهل الشر، وانقمع بسبب صرامته وحزمه أهل الفساد، ثم ولاه الملك عبدالعزيز هيئة الأمر بالمعروف بنجد والمنطقة الشرقية، وذلك عام 1354هـ، واستمر في هذا المنصب إلى وفاته، فكان عمله في الهيئة خمسين سنة، وكان في تلك الولاية دليل قاطع على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فقد حرص الإمام عبدالرحمن وابنه الملك عبدالعزيز على هذه الشعيرة وأسسا لها جهازاً قبل تأسيس كثير من قطاعات الدولة ومؤسساتها، وما ذلك إلا لإدراكهم - رحمهم الله - أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبب خيرية أمتنا وتميزها عن غيرها من الأمم، قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} (110) سورة آل عمران، فكانت تسمية الجهة التي تقوم بهذا العمل الجليل مأخوذة من القرآن الكريم وأنعم بها تسمية وشرفا.
|
|
للشيخ عمر بن حسن مجموع رسائل وأجوبة علمية وجهت إليه من بلدان نجد وغيرها تبلغ ثلاثة مجلدات.
|
أما الشعر فقد ضرب فيه بسهم؛ وكان له معرفة بالعروض، ولكن شعره مقصور على أغراض محدودة لا تكاد تخرج عن تهنئة أو رثاء أو نحوهما.
|
ومن شعره قصيدة رثاء في العلامة الشيخ عبدالله ابن الشيخ عبداللطيف تبلغ مائة بيت ومطلعها:
|
على الحبر بحر العلم شمس العوالم |
بدر الدجى فليبك كل العوالم |
بكا بدموع وكفها مترادف |
بعد هتون المدجنات السواجم |
وله قصيدة رثاء في والده العلامة الشيخ حسن تبلغ سبعين بيتاً ومطلعها:
|
على الحبر بحر العلم شيخي ووالدي |
وقطب رحا ذا الدين جم المحامد |
وله قصيدة تهنئة للملك عبدالعزيز - رحمه الله - بمناسبة دخوله الحرمين عام 1343هـ تبلغ أبياتها مائة واثني عشر بيتاً ومطلعها:
|
أنجم بدا في الأفق أم ذلك البدر |
أم البارق العالي أضاءت له المدر |
أم الشمس أضحت ليس من دون أفقها |
سحاب ولا غيم هناك ولا قتر |
بلى قد تبدى طالع السعد والمنى |
فضاء ضياء الدين وانفلق الفجر |
ومن هذه النماذج يتضح لنا أن شعر الشيخ عمر - رحمه الله - شعر العلماء الذي هو نظم جميل يقل فيه الخيال والصور الفنية، إلا أن العاطفة فيه صادقة قوية، والألفاظ جزلة مختارة.
|
|
كان مشهورا بالتقوى والورع، يحيي غالب الليل قراءة وتهجدا، ويتابع بين الحج والعمرة كل عام، ويلتقي كبار علماء الأمصار الوافدين للحج، ويقيم لهم المآدب، ويكرمهم، ويناقشهم في مهام الشرع، وأصول الدين وفروعه، ويقنعهم عند النزاع، بدلائل الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، لأن الله وهبه الإحاطة والشمول، وسعة الأفق، وجمع له بين الحفظ والفهم وسعة الاطلاع، وقوة الذاكرة، وسرعة البديهة في استحضار نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم من المفسرين والفقهاء وغيرهم. ولا يدرك ذلك من الشيخ إلا من قُدِّر له ارتياد مجالسه، والاستماع إلى ما يمليه حفظاً من النصوص والأحاديث، ومسائل الفقه وغير ذلك من أشعار العرب وشواهد اللغة، وأقوال المفسرين وغيرهم من أهل العلم.
|
وإلى جانب ذلك كان يتصف بكرم الأخلاق والتواضع الجم، وهو في ذلك على هدي علماء السلف الصالح وسمتهم.
|
وكان حازماً قوياً صارماً بالحق لا تأخذه فيه لومة لائم، فكان لذلك يهابه أهل الفجور والفسق، وهو إلى ذلك دائم التذكير والوعظ والتوجيه والإرشاد، وقد سمعت من والدي - حفظه الله - من مكانة الشيخ عمر وتقدير ولاة الأمر والعلماء له مواقف كثيرة، مما زاد هيبته في نفوس الناس وشجاعته في الحق.
|
وكان مأوى لأهل الخير والصلاح من المواطنين والغرباء فيجدون عنده سماحة النفس وحسن الخلق ولطف العشرة والتأييد والشفاعة لهم في أحوالهم وأعمالهم، فصارت له مكانة كبيرة، ومحبة قلبية مكينة.
|
والشيخ عمر إلى ذلك يعد من كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في زمانه، فكانت له الكلمة المسموعة والرأي الصائب والمشورة الصحيحة الصادقة.
|
|
كان رحمه الله يعاني من مرض الربو، يخف عليه ثم يعود، وكان لا يرفق بنفسه بل استمر في مجالسه ومقابلاته وأسفاره للحج والعمرة، كما أنه لا يَكِلُ أعماله ووظائفه إلى أحد، بل هو الذي يتولاها بنفسه. فألحّ عليه هذا المرض حتى أنهكه واشتدت وطأته عليه وهو في الطائف للاصطياف على عادته كل عام، فتوفى في ليلة الأحد الثالث والعشرين من شهر رمضان عام خمسة وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية، عن ستة وسبعين عاماً، وصلي عليه بعد صلاة الظهر في مسجد ابن عباس، وحضر الصلاة عليه جمع حاشد من المواطنين فيهم العلماء والأمراء والوزراء والأعيان، وعلى رأسهم الملك خالد بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير بن عبدالعزيز، وبعد الصلاة عليه نقل جثمانه في طائرة خاصة إلى مدينة الرياض، حيث أقيمت الصلاة عليه في جامع الرياض الكبير، ثم دُفن في مقبرة (العود) - رحمه الله تعالى -. وعمّ الأسى والحزن وصار الناس يعزي بعضهم بعضاً، لأن مصابه عام فيهم فكلهم أحس بفقده، وتبادلوا فيه رسائل العزاء، فهو من بقايا السلف الصالح، وأئمة الهدي والدين. وقد خلّف ستة أبناء هم: الشيخ حسن، والشيخ حسين، وعبدالله، وعبدالعزيز، وعبدالمجيد، وحمد، وفقهم الله وجعل فيهم الخير ليخلفوا أباهم ويحيوا ذكره، ويكون له منهم بعد موته عمل صالح بدعائهم له.
|
|
نشرت الصحف الكلمات والقصائد من العلماء والأدباء في رثاء الشيخ ومن ذلك قصيدة عبدالله بن خميس، ومنها قوله:
|
ألفته في صميم الأهل يفجعني |
لم يبق ثم أمان منه يطمعني |
لكنني حينما تشتد سطوته |
يثير موت أساطين الهدى شجني |
واليوم أبكي خلال المجد وارفة |
والعلم والفضل طرّاً في أبي حسن |
حبر تريك جلال العلم هيبته |
ويبهر المنتدى بالمنطق اللسن |
إذا تمثلت من آبائه علما |
فهو المثال الرضا من ذلك السّنن |
وإن أردت له في الجود منزلة |
فالعارض الهتن ابن العارض الهتن |
يا ليت شعري إذا غص النّديُّ بهم |
يستمطرون هدى القرآن والسّنن |
من لي به يخلب الألباب مرتجلاً |
من لي به في ندي القوم يُسمعني |
من للعقيدة يجلوها مطهرة |
من شائبات الهوى والمين والدرن |
إذا تراءى لقوم نيل منزلة |
فقدّسوها بلا منّ ولا ثمن |
وآثروها وناموا في قراراتها |
فبئس حظ لأرباب العلوم دنى |
العلم ما صانه حَبْرٌ وزينه |
بالصالحات عن الأوضار والمنن |
العلم قمةُ فضل زانها ولع |
بالمكرمات لحُرّ سيد فطن |
حُيّيت حياً وميتاً يا أبا حسن |
وجادك العفو كم أوليت من حسن |
رحم الله الإمام الفقيه الورع عمر بن حسن آل الشيخ وغفر له وألحقنا به في الصالحين.
|
عبدالعزيز بن صالح العسكر |
ص ب 190 الدلم 11992 |
|