Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/12/2007 G Issue 12864
الركن الخامس
الثلاثاء 09 ذو الحجة 1428   العدد  12864
خير الدعاء.. دعاء يوم عرفة
د. سليمان بن عبدالله أبا الخيل

يوم عرفة من أيام المسلمين المشهورة الذي يجتمع فيه حجاج بيت الله الحرام الذين جاؤوا من كل مكان على صعيد واحد لباسهم واحد، همهم وآلامهم وآمالهم متحدة، لا فرق فيهم بين الكبير والصغير ولا الغني والفقير، ولا القوي والضعيف.

يلتقون على المحبة والائتلاف، والتعاون على البر والتقوى، ويرجون ما عند الله سبحانه من المغفرة والرضوان، ولذلك فإنه إذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار الحاج من منى إلى عرفة فينزل بنمرة إلى الزوال إن تيسر له، وإلا فلا حرج عليه لأن النزول بنمرة سنة لا واجب، فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين، يجمع بينهما جمع تقديم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: (وأمر -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- بقبة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام العصر ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس).

والقصر والجمع في عرفة لأهل مكة وغيرهم وإنما كان الجمع جمع تقديم ليتفرغ الناس للدعاء، ويجتمعوا على إمامهم ثم يتفرقوا على منازلهم فالسنة للحاج أن يتفرغ في آخر يوم عرفة للدعاء والذكر والقراءة، فالدعاء يوم عرفة خير الدعاء قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).

وينبغي أن يكون الداعي مستقبلاً القبلة، وإن كان الجبل خلفه أو يمينه أو شماله، لأن السنة استقبال القبلة، ويرفع يديه فإن كان في إحداهما مانع رفع السليمة لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع الأخرى) رواه النسائي.

ولا يعتدي في دعائه بأن يسأل ما لا يجوز شرعاً، أو ما لا يمكن قدراً فقد قال الله تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} وليجتنب أكل الحرام فإنه من أكبر موانع الإجابة ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) الحديث وفيه: (ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك).

فقد استبعد النبي صلى الله عليه وسلم إجابة دعاء من يتغذى بالحرام، ويلبس الحرام، مع توافر أسباب القبول في حقه، وذلك لأنه يتغذى الحرام.

وعلى الحاج أن يحرص على الأذكار والأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنها من أجمع الأدعية وأنفعها فيقول: اللهم لك الحمد كالذي نقول، وخيراً مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي وإليك ربي مابي ولك ربي تراثي. اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح. اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي لا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنوبي، أسألك مسألة المساكين، وابتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه، وذل لك جسده، ورغم لك أنفه اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقياً، وكن بي رؤوفاً رحيماً يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، وشر بوائق الدهر. اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ومن درك الشقاء ومن سوء القضاء ومن شماتة الأعداء. اللهم إني أعوذ بك من المأتم والمغرم، ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر.

وإذا لم يحظ بالأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بما يعرف من الأدعية المباحة فإذا حصل له ملل وأراد أن يستجم بالتحدث مع رفقته بالأحاديث النافعة، أو مدارسة القرآن أو قراءة ما تيسر من الكتب المفيدة، خصوصاً ما يتعلق بكرم الله وجزيل هباته ليقوي جانب الرجاء في هذا اليوم كان حسناً ثم يعود إلى الدعاء والتضرع إلى الله، ويحرص على اغتنام آخر النهار بالدعاء.

وليعلم الحاج وغيره أن يوم عرفة يوم عظيم يباهي الله سبحانه بعباده ملائكته ويقول: (آتوني شعثاً غبراً) فيغفر لمن يشاء منهم، ولذلك لابد من الحرص على الدعاء والإلحاح فيه وعدم استبطاء الإجابة، لأن الدعاء الذي لا يستجاب في الدنيا فإنه يدخر في الآخرة فتكون عاقبته أفضل وأكمل مما لو عجل في الدنيا، والذي يجب الاعتناء به والتنبه إليه قبل ذلك هو أن يكون العمل أياً كان خالصاً صواباً، خالصاً لله، صواباً على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد