Al Jazirah NewsPaper Wednesday  19/12/2007 G Issue 12865
الرأي
الاربعاء 10 ذو الحجة 1428   العدد  12865

ليس الجمال بأثواب تزيننا
عبدالفتاح أحمد الريس - تبوك

 

من الجوانب الحياتية التي أصبحت من المسلَّمات التي يحرص عليها كثير من الناس أشد الحرص، بل ويعتبرونها جزءاً لا يتجزأ من نسق حياتهم اليومية النظر إلى المرآة أينما وجدت في المنزل أو السيارة أو صالونات الحلاقة أو في أماكن التجميل بالنسبة للنساء، ولا سيما عند الخروج للعمل أوالمناسبات الخاصة أو العامة، وكل ذلك من أجل الظهور بالمظهر اللائق أو الحسن في الهيئة والشكل أو بما يتلاءم مع الذوق العام للمجتمع الذي يعيشون فيه، ومع أن هذا السلوك توجه حسن ما لم يتعارض مع مبادئ العقيدة الاسلامية وقيم المجتمع بعاداته وتقاليده الأصلية إلا أن هذا نعده جزءاً بسيطاً من أفعال سلوكية لازمة للإنسان في مضمار الأدب والخلق الرفيع الذي ينبغي أن يتحلى به كل إنسان ويتوج به نفسه أمام الآخرين. قال - صلى الله عليه وسلم-: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم..) هل هي سليمة ونظيفة وخالية من الأدران والرذيلة أو غيرها من الشوائب المخلة بالآداب والأخلاق الكريمة أم هي بخلاف ذلك حيث ترسب فيها الحقد والكراهية، وعشش فيها الحسد ودوافع السوء إلا من رحم الله، إن لم نكن كذلك فإن الجمال والزينة لا معنى لهما إذا لم يتوج بتلك الآداب ومكارم الأخلاق، كما في قول الشاعر:

ليس الجمال بأثواب تزيننا

إن الجمال جمال العلم والأدب

من جهة أخرى لابد من القول أيضا بأن هناك من يعمل كل ما في وسعه من أجل أن يظهر بوجه نظيف، وقد يلمع من كثرة الكريمات والمرطبات المستخدمة لهدف الحصول على الإشراقة الممكنة، أو يسعى جاداً لإزالة البثور أو النمش أو الشعر الزائد والذي غالبا ما يتم بمساعدة متخصصين، ولكنه في الوقت نفسه يغيب عن باله ما هو أهم لسلوكه واستقامته من أجل رضا الله وكسب الناس ونيل محبتهم، والتي يمكن تجسيدها بكثير من الأعمال الطيبة والسلوكيات المحببة إلى النفس؛ كطلاقة الوجه والابتسامة التي قال عنها - صلى الله عليه وسلم- إنها صدقة (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، ورد السلام والذي هو مدعاة لتوطيد دعائم أركان الود والمحبة والإخاء بين الناس، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم-: ( ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) بدلاً من العبوس والتكشير والتكبر والعظمة والزهو بالنفس وما شابه ذلك من ألوان التسلط وشدة البطش التي من غير الممكن رؤيتها بالمرآة العاكسة أو المصقولة وإنما من خلال السلوكيات الممارسة التي تحدث منا على أرض الواقع ويلاحظها الآخرون أو يشكون منها، والتي ما أحوجنا إليها ويؤدي إلى منفعة على هدى من روح الإسلام.

فالمسألة إذاً لا تتوقف عند حد الزينة والجمال في الشكل والهيئة والمنظر العام، وإنما أيضا ينبغي أن تشمل البواطن وما تكنه القلوب من مؤطرات جميلة للخلق الكريم فرداءة الثوب على سبيل المثال لا تتعدى لابسه بينما رداءة الأخلاق وسوء المعاملة تتجاوزه إلى الآخرين أو كما قيل: (من أضيق الناس طريقا وأقلهم صديقا؟ قال: من عاشر الناس بعبوس وجه واستطال عليهم بنفسه) وفي الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم-: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي) وفي هذا تحقيق أكبر للاستقامة والسلوك الحسن وهو ما نعتبره المرآة الحقيقة لانعكاسات السلوك بين خيرها وشرها وحسنها من قبحها ولعل في هذا القدر ما يوضح مدى أهمية السلوك والخلق الكريم في حياة المسلم، فيما تصبح الزينة والتجميل هي من المكملات الضرورية لهذه الحياة الجميلة إذا ما أردنا لصورتنا أن تكتمل على نحو صحيح، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} فما أجملنا، ونحن كذلك بين التوسط والاعتدال سواء في مثل هذا الأمر أو غيره من جوانب الحياة الأخرى وما أجملنا أيضا ونحن نسمو مع هذا كله بأخلاقنا الكريمة على سائر المخلوقات أينما وجدنا على هذه البسيطة وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد