Al Jazirah NewsPaper Sunday  23/12/2007 G Issue 12869
الرأي
الأحد 14 ذو الحجة 1428   العدد  12869
نسكافيه بحليب الإبل..!
محمد بن صالح الفايز

عندما نبحث عن التميز والإبداع في كثير من الكليات والجامعات سواء من أبحاث أو ابتكارات واختراعات.. فإننا لن نجد إلا النزر اليسير، رغم ما يُصرف ويُرصد لذلك من ميزانيات ضخمة تصل إلى عشرات الملايين كل عام..!

تذكرت ذلك وأنا أطالع عبر وسائل الإعلام إنجازاً لإحدى الكليات في مملكتنا العزيزة.

فها هي كلية التقنية الزراعية في بريدة تشحذ همم غيرها من الكليات والجامعات عبر إنجاز وسبق جديد يُسجل بأحرف من نور في سجل التميز، والمتمثل في تنفيذها لتجربتين جديدتين: الأولى بتحويل حليب الإبل إلى بودرة، والثانية بتحويل القهوة السائلة (المحلية) مضافاً إليها الهيل إلى بودرة جاهزة للاستخدام في أي وقت بواسطة جهاز مجفف رش.

وسأقتصر حديثي على الجانب المتعلق بحليب الإبل للفوائد العظيمة المترتبة على ذلك، فدعونا نقف قليلاً لنلقي الضوء على هذا الإنجاز:

فمجرد فكرة تحويل حليب الإبل إلى بودرة تعد بحق فكرة رائدة حيث ستكون صالحة للاستعمال لفترات طويلة ربما تصل لسنوات..!

فكم نسمع ونقرأ عن منافع الإبل وعظمة هذه المخلوقات وفوائدها للبشر، فبدءاً بالقرآن الكريم حيث أمرنا الله سبحانه بالتفكر، وإطالة النظر إليها بقوله تعالى {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}.

ثم هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة وحديث العرنيين المشهورة حيث أرشد إلى استخدام حليبها وأبوالها في علاجهم مما أصابهم من داء، فكان ذلك سبباً بعد الله في شفائهم.

ورغم التقدم الطبي في العصر الحديث، فما زال الكثير من أبناء البادية والحاضرة وملاك الإبل يستخدمون لحومها وحليبها وأبوالها في علاج كثير من الأمراض المستعصية كأمراض السرطان والكبد الوبائي وغيرهما...، وقد شفيت حالات كثيرة على أيديهم بفضل الله.

والجميل في هذه التجربة الجديدة أن ذلك سييسر بقاء الحليب لفترات طويلة وستكون متوفرة للغذاء أو الدواء في كل زمان ومكان!. فأما الغذاء فإن ذلك سيحدث طفرة نوعية في عالم الغذاء!!

فمن يدري فربما نرى أشكالاً جديدة ذات مذاق مختلف كالشوكولاته... والنسكافيه بحليب الإبل..! والبسكويت والمعجنات والحلويات على اختلاف أشكالها وألوانها.

وأما في عالم الدواء فإن المجال سيكون أوسع وأرحب لاكتشافات جديدة بدءاً من حليب الأطفال وانتهاءً عند كثير من الأمراض المستعصية، لفوائده العلمية التي أثبتتها بعض التجارب والدراسات... كمؤتمر تطوير رعاية الإبل الذي استضافته كلية الأغذية والزراعة بجامعة الإمارات العربية في عام 2006 وشارك فيه (30) دولة يمثلها نخبة من العلماء والباحثين وقد أعلن المؤتمر عن اكتشاف أجسام مضادة مستخرجة من الإبل لعلاج سرطان القولون والزهايمر.. بعد أن تمت التجربة على عدد من الحيوانات من خلال حقنها ببكتريا وجراثيم من أصل بشري وأعطت نتائج مشجعة لعلاج سرطان القولون بنسبة مئة بالمئة!. وقد تم رصد 30 مليون يورو لإنتاج العقار الطبي الجديد بمشاركة 60 باحثاً.

مع العلم أن هذه المؤتمرات والدراسات بحثت في لحوم وحليب الإبل ولم تبحث في البودرة المستخلصة من حليب الإبل، ومعلوم أن التجفيف يعطي نتائج أفضل من نتائج المواد السائلة، ويمكن إضافة مواد أخرى عليه لتكتمل الفائدة المرجوة منه.

وهنا يأتي دور الجامعات المتخصصة ومراكز البحوث ومؤسسات البحث العلمي عبر التوسع في أبحاث ودراسة فوائد هذه البودرة وقيمتها الغذائية والدوائية من قبل الباحثين المختصين والأكاديميين مستقبلاً، ودعم هذه الأبحاث مادياً ومعنوياً من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وشركات ومصانع الحليب والألبان ومشتقاتها.

وكذلك دور شركات تصنيع الأدوية كالدوائية وغيرها في دعم أبحاث الدواء وإجراء التجارب عليها لمعرفة فوائدها الطبية ومدى تميزها في علاج كثير من الأمراض.

ويشجع فرص نجاح مثل هذه التجارب كثرة أعداد الإبل في العالم حيث تبلغ حوالي 25 مليون رأس، وتحتل المملكة المرتبة الرابعة على مستوى الدول العربية في تعداد الإبل حيث يبلغ أعدادها حوالي مليون رأس أي ما نسبته 4% من إجمالي الإبل في العالم.

ويمكن كذلك الإفادة من التجربة في دول الخليج العربي والدول العربية، التي لديها أعداد كبيرة من الإبل.

وفي حالة نجاح هذا المشروع فسيستفيد منه بالدرجة الأولى ملاك الإبل فبدلاً من رمي الفائض من الحليب لتعذر وسائل حفظه أو عدم حلبها حتى جف ضرعها لعدم الحاجة إلى ذلك، فستكون مصدراً لرزقهم ودخلاً إضافياً لهم.

وأخيراً أهمس في أذن ملاك الإبل - من الحاضرة والبادية - بالتفكير الجاد باستبدال مهرجانات (مزايين الإبل) التي تقيمها القبائل كل عام بمسابقات ذات مردود إيجابي عليهم وعلى البشرية أجمع، كأبحاث الجودة في الإبل بحيث يتم تخصيص جوائز قيمة لذلك، وأن تتبنى القبائل دعم بعض المشاريع والأبحاث المتمثلة في طرق الاستفادة من ألبانها ولحومها وشحومها وأبوالها وأوبارها والمحافظة على أنواعها وزيادة إنتاجها، وربط ذلك بمراكز البحوث والجامعات والمؤسسات العلمية المتخصصة فهم المستفيد الأكبر من ذلك، وأعرف الناس بطرق تربيتها وممن يهتمون بالحفاظ على سلالاتها على مر التاريخ.



mohamad133@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد