Al Jazirah NewsPaper Monday  24/12/2007 G Issue 12870
الركن الخامس
الأثنين 15 ذو الحجة 1428   العدد  12870
بشرى الحج
د. زيد بن محمد الرماني

إن هناك علاقة لطيفة بين البُشرى والعبادات التي افترضها الله - عز وجل - على المؤمنين. فلقد عُني الإسلام بأمر الصلاة عناية فائقة، وحض عليها، ورغب بمحاسنها، فهي مفتاح من مفاتيح الجنان، ومن خير الأعمال بعد شهادة الإيمان، وأول ما يحاسب عليه العبد بعد مفارقة الأهل والخلان، عندما يقابل ملائكة الملك الديان.

وقد جعل الله تعالى الصلاة صفة كريمة وحلية مباركة للمتقين المسلمين به، والمستسلمين له {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (سورة البقرة/ 2)، فهؤلاء لهم رتبة مرموقة يوم القيامة، ومكانة محمودة، لأنهم من فريق المفلحين {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة البقرة/ 5).

وفي السنة النبوية دعوة مرغبة إلى أداء الصلاة في جماعة في سائر الأوقات، وخصوصاً في صلاة الصبح والعشاء، حيث جاءتهم البشرى بذلك، فعن بريدة ابن الحصين الأسلمي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (بشروا المشائين في الظُلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) أخرجه أبو داود في سننه.

والزكاة ركن مهم من أركان الإسلام، ودعامة من دعائم الإسلام، أداؤها عنوان على العمل بطاعة الله - عز وجل -، {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة الحشر/ 9) فلما سمع المسلمون الأوائل هذه الدعوة المباركة {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (سورة الحج/ 78)، إلى الإنفاق فاضت أيديهم بالمعروف طلباً لرضوان الله سبحانه.

وقد حض الإسلام على الصدقة لما فيها من الخير العميم والثواب العظيم {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة البقرة/ 274).

يقول تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ استطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً...} (سورة آل عمران/ 97). إنّ الحج رحلة كريمة يتوجه فيها المسلم إلى البلد الأمين مكة ليؤدي هذه العبادة التي فرضها الله - عز وجل -.

وقد فرض الله سبحانه الحج على كل مسلم يملك الاستطاعة، والحج فريضة يؤديها المسلم في العمر مرة، حينما تتوافر الاستطاعة من الصحة وإمكان السفر، وأمن الطريق.. والحج مؤتمر المسلمين السنوي العام، يتلاقون فيه عند البيت العظيم الذي صدرت لهم الدعوة منه، ذلك البيت الذي جعله الله أول بيت في الأرض لعبادته. لذا، فإن من يؤدي هذه الفريضة، فإن له أحسن الجزاء.

وفي الحج، منافع عظيمة في الدنيا والآخرة، منها الخير العميم من الله سبحانه للمؤمنين الذين يعظمون حرماته، ويبتعدون عن محارمه {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} (سورة الحج/ 30).

وفي أداء فريضة الحج غذاء روحي كبير، تمتلئ فيه جوانح المسلم خشية وتقوى لله، وعزماً على أداء طاعته، إذ تنمو فيه عاطفة الحب الصحيح لله - عز وجل - ولرسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم -.

وكذلك في الحج تأتلف مشاعر الاخوة الصحيحة في كل مكان ويعود الحاج من رحلته هذه وهو أصفى قلباً وأقوى عزيمة على الخير، لأنه قد حظي بالنقاء ونال البشارة بالقبول، لأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

وقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحاج الذي أدى هذه الفريضة كاملة دون عوج في الأعمال والأقوال أنه مقبول عند الله تعالى، قد غُفر له، كأنه وُلِدَ وليس عليه من ذنب، وفي ذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : (من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) صحيح مسلم، وفي الحج بشائر عديدة ونفحات إيمانية حريٌّ بالمسلم أن يغتنمها.

إنّ البشرى والاستبشار خُلُق كريم من الأخلاق الإسلامية التي حض عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، بل إن البشرى جزء من الهدي النبوي.

فالمؤمن الذي خالطت بشاشة الإيمان قلبه من شأنه أن يكون مبشراً بالخير في كل حين، ومبشراً بدعوة الحق في مكانها، ومستبشراً بين الناس. والبشرى تلقي الضوء على ما يقوم به المؤمن من عمل، لأنه على ثقة من قبول هذا العمل. وقد بيّن الله تعالى سرور وفرح الشهداء واستبشارهم عندما قال: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة آل عمران/ 170).

وللبشرى والاستبشار مكانة سامية في سُدّة الفضائل، فقد أخبر الله تعالى بأنه هو الذي يُبشر من يستحقون البشرى ليكونوا من أهل الاستبشار قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} (سورة التوبة/ 20 - 21).

ومما لا شك فيه أن أهل البشرى سيلقون نعيماً وملكاً كريماً عند مليك مقتدر، فهم ضاحكو الوجوه مستبشرون بالنعيم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ}(سورة عبس/ 38 - 39).

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد