Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/01/2008 G Issue 12882
الثقافية
السبت 27 ذو الحجة 1428   العدد  12882

غَزَلٌ مِن شِيرَاز
أوس الشمسان

 

شمس الدين محمد المعروف بخواجه حافظ الشيرازي هو شاعر شعراء القرن الثامن الهجري وشاعر شعراء إيران إلى يومنا هذا.

1 - وقد تكون هذه الغزلية أشهر غزلية لحافظ الشيرازي الذي اتصف شعره بالنظرة الفلسفية والصبغة الصوفية والرمزية المشبعة. وتلك سمات مطّردة في كل غزلياته حتى لقب حافظ بلسان الغيب وترجمان الأسرار. وصادف أن تكون هذه الغزلية هي الأولى ترتيباً في ديوانه. أما الغَزَل في الأدب الفارسي فهو جنس شعري يختلف عن القصيدة في موضوعه وعدد أبياته، فالغزل لا يتعلق إلا بموضوع الغزل أو التصوف أما القصيدة فتتعدى ذلك إلى المديح والهجاء والفلسفة والحكمة وغير ذلك.

2 - وأبيات الغزل في العادة سبعة وقد تزيد أحياننا إلى اثني عشر بيتاً ومن النادر أن تتجاوز ذلك. وفي الغزل يتغنى الشاعر بالشباب وأيامه، والعشق وآلامه، ويذكر البلبل الصداح. وفي نهاية الغزل اعتاد الشاعر الإيراني أن يذكر لقبه الشعري في البيت الأخير أو ما قبل الأخير، ويعرف هذا بالتخلص، فقلما نجد شاعراً إيرانياً لم ينتق لنفسه لقباً أو يلقب بواحد، وشاعرنا (حافظ) اسمه شمس الدين محمد، وقد لقب بهذا اللقب بعد أن ختم حفظ القرآن، وقد استحسن هذا اللقب فاختاره تخلصا في أشعاره فأصبح يورد كلمة حافظ في البيت الأخير أو ما قبل الأخير من غزلياته.

لقد كان لقائي الأول بهذه القصيدة في مطعم إيراني صغير في مدينة كالجري (Calgary) في كندا يدعى (كبابي حاتم)، فحين دخلت المطعم وقعت عيناي لحظَتها على لوح زجاجي ضخم خُطَّت عليه هذه الغزلية. وكان أشد ما لفت انتباهي فيها أن وجدت صدر البيت الأول بالعربية وعَجُزه بالفارسية:

ألا يا أيها الساقي أدر كأسا وناولها

كه عشق آسان نمود اول ولي افتاد مشكلها

وحين وصلت إلى البيت الأخير وجدت صدره بالفارسية وعجُزه بالعربية:

حضورى كرهمى خواهى از او غايب مشو حافظ

متى ما تلق من تهوى دع الدنيا وأهملها

وبهذا الدمج بين اللغتين تصبح الغزلية ملمعة؛ فالشعر الملمع هو ما اجتمعت فيه لغتان أو أكثر. وقد سُبق حافظ إلى هذا الأسلوب، وذلك لمكانة اللغة العربية في فارس في ذلك الوقت، وتعود هذه المكانة العالية لأمرين: أولهما قدسية اللغة العربية لارتباطها بالقرآن الكريم، وثانيهما صفتها العالمية إذ إنها لغة الثقافة في ذلك الزمن حيث كانت الحضارة الإسلامية تتقدم بخطى ثابتة وتقفز قفزات تاريخية وتشع نوراً إلى العالم في شتى ميادين المعرفة.

استدعيت النادل - الذي كان هو نفسه حاتم صاحب المطعم - وسألته عن هذه الأبيات؛ فقادنا الحديث إلى حافظ ومنه إلى العرب والفرس والحضارة الإسلامية والماضي والحاضر. وقد شدّني كثيراً ركن في المطعم جعله صاحبه كورقة سقطت من كتاب ألف ليلة وليلة، فقد فرش الركن بسجاد شيرازي بديع، ورتّب فيه أواني نحاسية ومشغولات فارسية رائعة، وتصدر المجلسَ القديم ديوانُ حافظ وقد وُضع بعناية على طاولة حليت بالصدف. تناولت الديوان وقلّبت صفحاته؛ فدُهشتُ من تمكن حافظ الشديد في غير موضع من تطويع العربية والفارسية ودمجهما معاً في شعره ببراعة بالغة. فقررت منذ ذاك الوقت أن أتولى مهمة شاقة وهي ترجمة غزله بغزل، وقد أعانني على هذا الأمر تلميعه غزلياته بالنظم العربي. فأرجو أن لا أكون قد أفسدتُ الغزلية بهذه التجربة وأعتذر لحافظ سلفاً عن هذا. وحين زوى غزليته الفارسية بشطرينِ عربيين لم أشأ أن أنثر درره دون نظم يبرز جمالها.

وبعد فترة من ترجمة الغزلية استهواني أن أقرأ في الأدب الفارسي فوقعت على ترجمات كثيرة لغزليات حافظ، كان من أجملها ترجمة الدكتور إبراهيم أمين الشواربي الذي قام بترجمة ديوان حافظ في كتاب من جزئين أسماه أغاني شيراز. وقد ترجم هذه الغزلية بغزلية منظومة على نفس الوزن والروي، وهي ترجمة في غاية الروعة والجمال تتواضع أمامها ترجمتي كثيرا. ولا غرابة أن يكون الشعر الجميل مادة مغرية للترجمة فيتناولها الشعراء والهواة.

الغزل

الا يا ايها الساقى ادر كاسا وناولها

كه عشق آسان نمود اول ولى افتاد مشكلها

به بوى نافه اى كاخر صبا زان طره بكشايد

زتاب جعد مشكينش چه خون افتاد در دلها

مرا در منزل جانان چه امن عيش چون هر دم

جرس فرياد مى? دارد كه بربنديد محملها

به مى سجاده رنكين كن كرت پير مغان كويد

كه سالك بى خبر نبود زراه و رسم منزلها

شب تاريك و بيم موج و كردابى چنين هايل

كجا دانند حال ما سبكباران ساحلها همه كارم

زخود كامى به بدنامى كشيد آخر

نهان كى ماند آن رازى كزاو سازند محفلها

حضورى كرهمىخواهى از او غايب مشو حافظ

متى ما تلق من تهوى دع الدنيا واهملها

ترجمة الغزل

أَلا يَا أَيهَا السَاقِي أَدِر كَأسًا ونَاوِلها

فَمَن تُوقعهُ نَفسٌ في شِرَاكِ العِشقِ يَعذِلْهَا

يفُوحُ الطِيبُ من جَعْدٍ بهِ رِيح ُ الصَّبا هَبَّت

وذَابَ المِسكُ في مَوجٍ مَضَى بالمهجَةِ الوَلْهَى

وَهَيهَاتَ الهَنا في مَنزِلِ الأحبَابِ والدَاعِي

بِجَرْسٍ صَمَّ أسمَاعِي «خُذ الأمتَاعَ واحمِلْهَا»

فَلَبِّ الشيخَ قُم لَوِّنْ سَجاجِيدَ التُّقَى بِالرَّا

حِ مَن يَرفَع عَصا التِّرحالِ مهمَا طَالَ يُنزِلْهَا

أمَن تَرمِي بِهِ الأموَاجُ في لَيلٍِ بلا قَمَرٍ

كمَن يُمسِي على الشُّطآنِ قَد ألهَاهُ ما أَلْهَى

فلا أجنِي بِعزِّ النفسِ إلا أقذَعَ الذِّكرَى

ولا الأسرَار تُخفِيهَا شِفَاهٌ إن تُنَقِّلْهَا

فَإن رُمتَ الحُضورَ اليومَ لا تُغفِلهُ يا حَافِظ

متَى ما تلقَ من تَهوَى دَع الدُّنيَا وأهمِلْهَا

1 إبراهيم أمين الشواربي، أغاني شيراز (المجلس الأعلى للثقافة/ القاهرة، ط1 1945م) 1: 1-2.

2 إدوارد جرانفيل براون، تاريخ الأدب في إيران، إبراهيم أمين الشواربي (المجلس الأعلى للثقافة/ القاهرة، ط1 2005م) 2: 38 .

aalshamsan@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد