قرأت المقال الذي نشرته العزيزة (جريدة الجزيرة) في يوم السبت الموافق 6-12-1428هـ تحت عنوان (رب ارحمهما كما رمياني صغيرا) لك يا أبا حنين وفيه مشاعر نحسبها صادقة إلى كل ما تختلج به مشاعر اليتيم نعم يا أخي اسميك كما اسمي كل من هم في الدور الاجتماعية وغيرها ممن وجدوا في ظروف غامضة بلا أم ولا أب أيتام وليس غير اليتيم، فاليتيم قد فقد أباه أما هؤلاء فقد فقدوهما جميعاً وفي وقت واحد فقدوا كل الأهل فلا أم ولا أب ولا خال ولا خالة ولا عم - أيتام - نعم أنهم أيتام للحكمة المشروعية في ديننا الإسلامي والشارع الحكيم الذي خص مربي اليتيم بالأجر ورفقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة لأنه لا والد له فكيف بمن لا أهل له. ولله في خلقه شؤون وهو الحكيم وما يدريك ماذا يخبئ لك القدر ولذريتك من كريم فضله وجميل إحسانه وما يدريك ماذا أعد الله الكريم للصابرين المتقين منكم والله يا أخي أرحم بعباده من الأم بولديها.
أما أي ظروف أخرى وأحكام هي في علم الغيب لا يعلمها إلا الله فليس لنا ولا لك الخوض فيها أو تتبعها لأنه ليس باليد حيلة: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، ولا يتحمل المرء ذنوب غيره والله الرحيم يقبل توبة العبد المنيب الصادق مهما ارتكب فكيف بالله الرحمن الرحيم بمن لا ذنب له أصلاً يقول جل وعلا: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} «18» سورة فاطر، ويقول جل وعلا: {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} «15» سورة الإسراء. فكل إنسان مسؤول عن نفسه محاسب عن عمله هو لا عمل أو خطأ غيره، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } «49» سورة الكهف.
لقد مَنّ الله علي يا أخي الكريم في فترة من فترات حياتي وشرفني جل وعلا أن عملت في دار التربية الاجتماعية للبنات بالرياض كانت من أجمل سنين عمري حيث تعرفت على البنات الصابرات هناك وأجمل المشاعر الصادقة رأيتها منهن، يتيمات وفي حكم اليتيمات لكنهن أصدق وأذكى وأعمق فكراً من كثير من البنات اللاتي لم يتربين في الدور الاجتماعية، لا ينكرون المعروف ولا تهن عليهن العشرة ومن شقت منهن حياتها سواء طالبة طموحة أو موهوبة أو زوجة كانت كالشجرة الشامخة التي تحتمل قسوة العيش والجفاف الذي قد تعيشه ولكنها تهدي للآخرين الثمر الطيب ويستظل الناس بظلها، نعم أنها المعاناة تصنع الأبطال، والتجربة تصنع القوة لمن وعى وأراد أن يستفيد من تجاربه، وتجارب الآخرين.
انظر يا أخي لرحمتك ببنتك - نسأل الله أن يجعلها من الصالحات الموفقات في الدنيا والآخرة - وخوفك عليها وحرصك وتفكيرك باليوم الذي تكبر فيه وتلتحق بالمدرسة وهذا طبيعي أن تقلق عليها - الله يحفظك لها ووالدتها -، ومع ذلك الله تعالى أرحم بها منك ومن والدتها ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى المرأة وهي تحتضن طفلها وتلقمه ثديها، قال: (أرأيتم هذه المرأة أكانت واضعة طفلها في النار؟! قالوا: لا! فقال: لله أرحم بعباده من هذه الأم بوليدها!!) والله تعالى الرازق الكريم الواهب النعم مبتلي المؤمنين بالمحن يقول: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} «62» سورة النمل، ألم يكن الإنسان في أصل خلقه فرداً وحيداً وبفضل الله عمّر الأرض وامتدت ذريته إلى اليوم وإلى ما شاء الله.
نعم أيها الأخ الصابر يا من سألت الله الجنة وتحاول سلك طرقها.. الجنة محفوفة بالمكاره ومصائب ويبتلى المرء على قدر إيمانه فمن رضي له الرضا ومن سخط فعليه السخط، نعم أنه الدنيا خلق الله فيها الناس شعوباً وقبائل لا لينافسوا أو يتباغضوا أو ليشعر أحدهم أنه أفضل من الآخر ولكن {لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
أنها التقوى.. يا أبا حنين.. التقوى من اتقى الله وقاه ومن وقاه كفاه كل شر والله قادر على أن يكفيك ما أهمك.. لا تحمل هم يا أخي ولا تفكر في المستقبل كثيراً خصوصا فيما ليس هو بيدك، بل ركز واعمل واسعى وزوجتك وادعوا الله جل وعلا معاً في أوقات الاستجابة خصوصا كالثلث الأخير من الليل وبين الأذان والإقامة وفي السجود - فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد -، بأن يصلح ذريتكم ويجعلها في طاعة الله وسبب دخولكما الجنة هذا ما عليك ومسؤوليتك الأبوية أمام الله أن تفعل أسباب التربية الصالحة ولا تدخل على بيتك ما يفسد أفراده من قنوات أو وسائل مفسدة وتحري الرزق الحلال هذه مسؤوليتك أما غير ذلك فأقول لك يا أخي صادقة لا تكلف نفسك ما لا تطيق وترهقها بما لا تحتمل فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.. ليس بيدك أن ليس لك أهل ليس بيدك وليس ذنبك ولست مذنبا وأن ربيت بنتك على الصلاح وعلى حفظ كتاب الله فالصالح بار يرضى بقدر الله ويسعد بما قسم له ولا أخالك إلا تربيها كذلك وقد لمست في مقالك حسن خلقك وسمو نفسك وسيسهل الله أمرك وسأذكرك فكن على يقين والنصر مع الصبر لا حرمك الله هذا البيت السعيد أيها الأب الحنون ولا أجر القوامة الصالحة وبارك الله لك في زوجتك ووفقكما لما يحب ويرضى آمين.
هياء الدكان