Al Jazirah NewsPaper Friday  11/01/2008 G Issue 12888
مدارات شعبية
الجمعة 03 محرم 1429   العدد  12888

قصيدة القهوة للقاضي والرهان المزعوم

 

الشاعر: محمد العبدالله القاضي من الشعراء الذين نالوا شهرة واسعة في زمنهم بحيث تجاوزت شهرته حدود منطقته ومجتمعه، وإضافة إلى شاعريته فهو شخصية اجتماعية مرموقة وذو ثقافة واطلاع كما أنه يتميز أيضاً بخطٍ جميل بمقاييس زمنه.

ولقد نالت قصيدته التي وصف فيها القهوة شهرة واسعة لما تميزت به من دقة متناهية بالوصف بأسلوب جذاب وتسلسل رائع بحيث أصبحت من أشهر ما قيل في القهوة ومطلعها:

يا مل قلب كل ما التم الأشفاق

من عام الأول به دواكيك وخفوق

وقد نسج بعض الرواة حول هذه القصيدة قصصاً وروايات متعددة كل على طريقته.

ومحور القصة أن رهاناً قد حصل بين القاضي وبعض أصحابه بأن يقول قصيدة في المجلس وينهيها بدون أن يتطرق للغزل إلى آخر القصة التي يتفنن بعضهم في حبك مجرياتها.

وفي اعتقادي أن القصة مختلفة ولا أساس لها من الصحة لأنه ليس من المعقول أن القاضي لا يستطيع ذلك وأن يخسر رهاناً لهذا السبب، فالقاضي وإن كان قد طرق باب الغزل إلا أنه لم يشتهر بذلك فقد طرق الكثير من أغراض الشعر المختلفة وأجاد فيها مثل الحكمة والمدح والرثاء وكذلك الفلك والنجوم.

الأمر الثاني أنه بدأ القصيدة المذكورة بالغزل حيث مهد لذلك في مطلعها ومن ثم قال في البيت الثاني.

كنه مع الدلال يجلب بالأسواق

وعامين عند معزل الوسط ما سوق

يجاهد جنود في سواهيج الأطراق

ويكشف له أسرار كتمها بصندوق

لاعن لك تذكار الأحباب واشتاق

بالك وطاف بخاطرك طاري الشوق

بعد ذلك انتقل لوصف القهوة ومن ثم ختمها بالغزل وهذا ما يضعف أو ينسف حكاية الرهان المزعوم الذي يردده بعض الرواة في كل مناسبة تكون القصيدة حاضرة فيها.

هذا إذا سلمنا أن الأبيات الغزلية التي في القصيدة من ضمنها وليست دخيلة، أما إذا كانت قد تداخلت معها لسبب أو لآخر ونتيجة لذلك انبثقت القصة وحبكت خيوطها تدريجياً حتى أصبحت وكأنها حقيقة فهذا أمر وارد أيضا، لأن التداخل قد يحصل بين القصائد المتشابهة وزناً وقافية ولعلنا نورد بعض القصائد التي تتشابه أو تتوافق بعض أبياتها مع قصيدة القاضي وهي لشعراء معاصرين للقاضي، فهذا زيد السلامة يقول من قصيدة له مطلعها:

باح العزاء يا ذيب قم دن الأوراق

قرطاس شامي صافي تقل غرنوق

حيث يقول من ضمنها:

قلبي مع الدلال يجلب بالأسواق

عامين عند معزل الوسط ماسوق

وهناك بيت مشابه لهذا أيضاً للشاعر عبدالعزيز الغصاص من قصيدة له حيث يقول:

الا انخضع ثم انهصر مدمج الساق

خطر على حجله من الثقل والضوق

أما الشاعر عبدالله بن جابر فله قصيدة مطلعها:

يا مل قلبٍ من هو البيض منعاق

في سجن دين عند الأحباب ما سوق

حيث يقول من مضنها:

والله لو يمشي شقاق بالأسواق

بين الملا ما يمطخ الخمس مخلوق

الا صفا لك ساعة مدمج الساق

اقطف زهر بستان صاحبك لو بوق

ومن المعروف أن تداخل بعض القصائد ناتج من الاعتماد على النقل الشفهي في الزمن السابق ومع تقادم الزمن وتناقل تلك القصائد بين الرواة من جيل إلى آخر قد يحدث مثل ذلك التداخل.

ولعلنا نورد أيضاً قصة أخرى تروي عن القاضي وهي أنه قيل له إن هناك شاباً لديه نبوغ في الشعر يدعى عبدالله بن جابر وأن القاضي حرص على رؤيته وعندما قابله فاجأه ببيت من الشعر حيث قال له القاضي:

هنوف ما تنوصف بوصوف

وان قضت الراس وش كنه

وأن ابن جابر أجابه على الفور:

كنه مهات تقود خشوف

ولا فحورية الجنة

فانبهر القاضي من سرعة بديهته وأصدر حكمه بشاعريته.

والواقع أن هذه القصة غير صحيحة أيضاً لأن كلا البيتين للشاعر المبدع ابن جابر، وهما من ضمن قصيدته التي مطلعها:

نح يالقميري على المرصوف

غين عن الشمس مكتنه

يالورق صفن صف صفوف

واصف وانوح معكنه

إلى آخر القصيدة:

كما أن هناك من يضيف لبعض القصائد بيتاً أو أكثر لسبب من الأسباب فيتناقله بعض الرواة ظناً منهم أنه من ضمن القصيدة مثل قصيدة القاضي التي مدح فيها طلال الرشيد التي:

مطلعها:

طلال لو قلبك حجر أو حديدي

أمداه من حامي وطيس الوغى ذاب

حيث أورد الرواية عبدالرحمن المرشدي من خلال تسجيل لتلك القصيدة أن مطلعها:

يا ليت حكمك عندنا يالرشيدي

ما كان توخذ زملنا من ورا الباب

والواقع أن هذا البيت ليس من ضمن القصيدة وإنما الحق بها فيما بعد ربما لهدف يتعلق بالوضع السائد آنذاك لأن القاضي لا يمكن أن يجعل هذا البيت مطلعا لقصيدته لأن لديه من الوعي والإدراك والحصافة ما يمنعه من ذلك كما أن البعض يلحق بها بيتاً آخر يقول:

يا شيخ أنا طالبك مية مجيدي

مع مشلح ياشيخ أنا مشلحي ذاب

وهذا البيت ألحق بها أيضاً من الطرف الآخر الذي لم تعجبه القصيدة فأضافه نكاية بالشاعر.

لأن القاضي الذي طلب من أمير عنيزة آنذاك أن يكون ضيوف البلد عنده في اليوم الثاني بعد الأمير لايمكن أن يقول ذلك البيت وهو صاحب الثروة والجاه والمكانة الاجتماعية المرموقة، ولكن بعض محترفي الرواية المتواجدين في الساحة يعتمدون في روايتهم على الطريقة التقليدية التي تقوم على الحفظ من خلال القراءة أو السماع بحيث يردد بعضهم كلمة حسب ما سمعت وقرأت أو كلمة (يقولون) فهم مجرد (ناقلين) لايعنون بالبحث والتحقيق بقدر ما يحرصون على الإثارة والتشويق.

صالح بن عبدالكريم المرزوقي


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد