Al Jazirah NewsPaper Monday  14/01/2008 G Issue 12891
مقـالات
الأثنين 06 محرم 1429   العدد  12891

رفقاً بزغب الحواصل
د. عبدالله الصالح العثيمين

 

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ

زغب الحواصل لا ماء ولا شجر؟

هذا البيت من قصيدة قصيرة رائعة قالها الحطيئة عظيم الشاعرية، ملتمساً من أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يُطلق سراحه

من سجنه الذي ألقي فيه لذنب ليس المجال هنا متَّسعاً لذكره وتفصيله. وتعبير (زغب الحواصل)؛ كناية عن الأطفال، من التعبيرات التي ما زالت عالقة في ذاكرتي المتآكلة منذ سمعت تلك القصيدة من الأستاذ محمد العبد رحمه الله، الذي كان يدرِّسنا الأدب العربي في السنة الأولى من المعهد العلمي في الرياض عام 1373هـ. وما تتناوله هذه المقالة - بالتأكيد - لا يتّفق مضمونه وحيثياته مع مضمون تلك القصيدة وحيثياتها. لكن المرء كلما تقدَّمت به سنوات العمر أصبح أكثر رأفة وأحدَّ عاطفة بالنسبة إلى الأطفال بالذات. وأذكر أني لم أستطع النوم - وأعتقد أن كثيرين كانوا مثلي - عندما رأيت جنود الصهاينة يطلقون النار على الطفل محمد الدرَّة، واثقين من رضا حلفائهم المتصهينين بذلك. وما زال منظر تلك الطفلة الفلسطينية يؤرّقني؛ وهي تتمزَّق حسرة من مشاهدة أسرتها كاملة قد حوَّلتها طائرات الصهاينة الحربية أمريكية الصنع إلى جثث جامدة على أحد شواطئ فلسطين.

ما تتناوله الحلقة هو مجرّد تأمُّل في توقيت ذهاب الأطفال بالذات إلى المدارس؛ ولاسيما في مدينة الرياض. وربما اقتنع بما سأقوله من يعنيهم القول بالدرجة الأولى، فتبنَّوا مضمونه. وربما لا يقتنعون، فأكون قد أبديت وجهة نظري، وهذا ما استحسنت البوح به.

الذي ينسجم مع منطق الطبيعة مراعاة زمني الليل والنهار، والتعامل في مسيرة الحياة وفق هذا المنطق. فالليل للسبات والنوم، والنهار للمعاش والعمل. وهذا أيضاً هو منطوق كلام رب العالمين في مُحكم كتابه العربي المبين. والمتّفق مع ذلك المنطق وهذا المنطوق أنْ يُتَّخذ شروق الشمس وغروبها حكماً فيصلاً في توقيت ساعات العمل وساعات الراحة. ولجعل ما يسمَّى بالتوقيت الزوالي توقيتاً رسمياً ما يبرِّره. فلا مشاحة فيما يصطلح عليه. لكن من الجدير بالتأمل والتفكير مراعاة شروق الشمس في تحديد عمل الناس؛ وبخاصة لأولئك الذين هم في سلك التعلُّم والتعليم، مدرِّسين وطلاباً. الناس الذين هم غير مرتبطين بالعمل الحكومي، ولا بالعمل لدى الشركات الخاصة؛ مثل المزارعين وعمال البناء ونحوهم، يراعون في توقيت انطلاقهم إلى العمل شروق الشمس. وأكثرهم ينطلقون إلى أعمالهم مبكرين قبل شروقها في زمن الصيف استفادة من ساعات البراد، ويذهبون إلى أعمالهم شتاء متأخرين عن الزمن الذي ينطلقون فيه إلى أعمالهم صيفاً؛ محاولة لاتقاء شدَّة البرد أثناء العمل. وهذا الأمر المنسجم مع منطق الزمن وطبيعة تتابع الليل والنهار مراعى في أكثر بلدان العالم؛ فهناك توقيت صيفي وآخر شتوي.

وفي وطننا العزيز - حفظه الله وحفظ أهله من كل مكروه - وقت الدوام الحكومي كأنه (ضربة لازب) صيفاً وشتاء. على أن الداعي الأكبر للتحدث عن هذا الموضوع في هذه المقالة ما هو مشاهد في هذه الأيام الشتوية من معاناة الطلبة والطالبات في التعليم العام؛ وبخاصة التلاميذ والتلميذات زغب الحواصل منهم ومنهن. فشروق الشمس لا يتمّ قبل الساعة السادسة والأربعين دقيقة؛ أي مع وصول الجميع إلى المدارس. ومن المعلوم أن هذا يقتضي إيقاظهم قبل ساعة تقريباً من ذهابهم إلى المدارس.

وقد تكون بعض مناطق المملكة قد راعت ذلك الأمر في المدن الصغيرة والقرى. لكن أكبر مدينة في وطننا العزيز يعاني زغب الحواصل فيها معاناة، جدير بمن في إمكانهم إزالتها أن يزيلوها أو يخفِّفوا منها؛ وذلك بجعل دوام المدارس يبدأ في الساعة السابعة والنصف في هذا الشهر على الأقل.

وأرى أن نصف ساعة كافٍ للتنسيق بين ذهاب المدرِّسين والمدرِّسات والطلاب والطالبات إلى المدارس، وذهاب بقية الموظفين الحكوميين إلى أمكنة وظائفهم. بل ربما كان هذا أنسب لأنه قد يجعل الموظف الحكومي الذي يذهب بأولاده أو بالمدرِّسة إلى المدرسة ينطلق مباشرة من عند تلك المدرسة إلى مقر عمله بدلاً من عودته إلى بيته، ثم المكوث فيه إلى أن يحين وقت ذهابه إلى العمل. وإن قال قائل: إن مكوثه في البيت بين عودته من إيصاله من أوصل إلى المدرسة وذهابه إلى العمل يتخلَّله تناول فطوره أجيب بالقول: ما المانع بأن يتناول الفطور قبل إيصاله مَن يريد إيصالهم، أو إيصالها، إلى المدرسة؟ بل الأنسب فعل ذلك لأنه يتيح له فرصة تناول فطوره مع أولئك الأولاد وتلك المدرِّسة.

ولأني بدأت المقالة بإيراد بيت فيه تعبير رائع عن الأطفال (زغب الحواصل) فقد يكون ختام هذه المقالة إيراد أبيات من أروع ما قرأت عن العاطفة تجاه الطفولة. وهي أبيات من قصيدة عنوانها (أشجان غريب) وجهها الشاعر السوري المبدع بدوي من سويسرا إلى حفيده:

وهل دلَّلت لي الغوطتان لبانة

أحب من النعمى وأغلى وأعذبا؟

وسيماً من الأطفال لولاه لم أخف

- على الشيب - أن أنأى وأن أتغرَّبا

تودّ النجوم الزهر لو أنها دُمىً

ليختار منها المترفات ويلعبا

وعندي كنوز من حنانٍ ورحمة

نعيمي أن يغرى بهن وينهبا

يجور وبعض الجور حلوٌ محبَّبٌ

ولم أرَ قبل الطفل ظلماً مُحبَّبا

ويغضب أحياناً ويرضى وحسبنا

من الصفو أن يرضى علينا ويغضبا

وإن ناله سُقمٌ تمنَّيت أنني

- فداء له - كنت السقيم المعذَّبا

ويوجز فيما يشتهي وكأنه

بإيجازه دلاًّ أعاد وأسهبا

يزفّ لنا الأعياد: عيداً إذا مشى

وعيداً إذا ناغى وعيداً إذا حبا

كزغب القطا لو أنه راح صادياً

سكبت له عيني وقلبي ليشربا

ينام على أشواق قلبي بمهده

حريراً من الوشي اليماني مذهبا

وأسدل أجفاني غطاء يظلُّه

ويا ليتها كانت أحنّ وأحدبا

أما كاتب هذه السطور فيقول: هكذا يكون الشعر؛ إبداعاً وعاطفةً وتعبيراً.

والسلام عليكم.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد