Al Jazirah NewsPaper Monday  21/01/2008 G Issue 12898
الأثنين 13 محرم 1429   العدد  12898

حديث عن حديث (1)
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

لمؤسسة عبدالحميد شومان مكانة في قلوب المخلصين من أمتنا العربية، نشأة مباركة وعطاء مستمر. ومن وجوه هذا العطاء وجه حضاري ثقافي مضيء من قسماته صندوق عبدالحميد شومان لدعم البحث العلمي،

وجائزة عبدالحميد شومان للباحثين العرب الشبان، وجائزة عبدالحميد شومان لأدب الأطفال، وجائزة عبدالحميد شومان للترجمة، وجائزة عبدالحميد شومان لمعلِّمي العلوم في المدارس الأساسية والثانوية الأردنية.

ومن قسمات ذلك الوجه الحضاري الثقافي المضيء تكريم من يستحقون التكريم من مفكري أمتنا وعلمائها الأجلاء أمثال الدكتور إحسان عباس - رحمه الله- والدكتور عبدالعزيز الدوري، أدام الله ثوب الصحة والعافية عليه.

وفي منتدى مؤسسة عبدالحميد شومان بمدينة عمّان الجميلة مكتبة يسعد الباحث بما فيها من ثروة معرفية غنية، ويسعد الزائر لها بما يراه من كثرة القراء فيها؛ رجالاً ونساء، كباراً وشباباً. وكل ذلك مدعاة للسرور، ودافع للمرء بأن يرجو الله -سبحانه- أن يبارك لمن أنعم عليهم، فأبدوا من شكرهم له على ما أنعم به بما ينفع أمتهم وأوطانهم.

ولقد سعدت غاية السعادة بدعوة كريمة من تلك المؤسسة الخيِّرة للمشاركة في فعاليات منتدى عبدالحميد شومان الثقافي بمحاضرة تشتمل على شيء من الشعر وما يخطر في الذهن من تعبير عن حال أمتنا العربية بين الأمس واليوم. وحدِّد الموعد في مساء يوم الاثنين الماضي، الرابع عشر من هذا الشهر. فلبيت الدعوة شاكراً ومقدِّراً.

من حظي أنه تزامن ذهابي إلى عمّان لإلقاء تلك المشاركة ووجودي فيها، مع رؤية مظاهر الترحيب بالرئيس الأمريكي، وهي المظاهر التي عجز الصهاينة أن يبدعوا فيها ويتفنَّنوا كما أبدع غيرهم ممن زارهم وتفنَّنوا. وربما كان مرد ذلك أنه عند الصهاينة راعي محل؛ وبالتالي لا يحتاج مضيِّفوه أن يكلفوا أنفسهم لإظهار مودَّتهم وتقديرهم له. لكن وجودي في عمان تزامن -أيضاً- مع تكثيف قادة الكيان الصهيوني لجرائمهم ضد الفلسطينيين ليس في غزة فحسب، بل وفي الضفة الغربية المحتلة أيضاً. ورأيت عن قرب -جغرافياً وصلة شعبية- ملامح الغضب والاستياء تجاه ما هو حادث ومرتكب.

رأيت تلك الملامح في أكثر الصحف الأردنية، كما رأيته في مطالبة من طالب من أعضاء مجلس النواب الأردني بأن يسحب السفير من الكيان الصهيوني، وأن يستدعى سفير هذا الكيان والسفير الأمريكي أمام المجلس ليسمعا مباشرة أصوات الاحتجاج والاستنكار.

وتبادر إلى ذهني وأنا أقرأ ما كتب عن هذه المسألة بالذات قول الشاعر الشعبي: (والله ما اسمع هرجكم لو تلجُّون). ولو كان الاحتجاج والاستنكار يكفيان وحدهما لكانت قضية فلسطين قد حُلَّت حلاً عادلا منذ احتجاج الملك عبدالعزيز واستنكاره لجرائم الصهاينة في عهده. تغمده الله بواسع رحمته ورضوانه. وتبادر إلى ذهني، أيضا، ذلك المثل القائل: (الشيوخ أبخص)؛ وهو مثل من بين ما يحمله من المعاني أن الحاكم قد يرى ما لا يرى المحكوم، وأنه ليس بالضرورة أن يكون كل ما يجري ويحدث من الأمر المفهوم.

أما بعد:

فقد شرِّفت بأن عهد إلى أخي الكريم الأستاذ الدكتور صلاح جرار -نائب رئيس الجامعة الأردنية- أن يقدَّمني إلى من حضروا اللقاء المسائي الأدبي في المنتدى، وإدارة ذلك اللقاء. وكنت مدركاً أن ما سأقوله ليس فيه جديد؛ بل يكاد ينطبق عليه تمام الانطباق قول الشاعر العربي القديم:

ما أرانا نقول إلا معاراً

أو معاداً من قولنا مكرورا

لكني مع ذلك أحسست -وأنا أتحدث- أن هناك تجاوباً واضحاً مع ما كنت أقوله على علَّاته. وكان عنوان الحديث: (مشاعر مواطن تحوَّل أمله إلى ألم).

وتركز مضمون هذا الحديث على تعبيري عن مواقفي تجاه بعض قضايا أمتنا منذ نصف قرن تعبيراً شعرياً.

بدأت حديثي بشكري الجزيل لمؤسسة عبدالحميد شومان لإتاحتها الفرصة لي كي أسعد وأتشرَّف بالمثول أمام الحضور الكرام من ذوي الفكر وعشاق الأدب كي أبوح بما أشعر به تجاه قضايا أمتنا؛ وفي طليعتها قضية فلسطين التي هي أم هذه القضايا وأهمها تأثّراً وتأثيراً. وأوضحت أن ما سأقوله -وإن بدا ذاتياً- من المرجح جداً أنه يصوِّر مشاعر كثير من أبناء الجيل الذي أنتمي إليه وبناته. ثم قلت:

عندما كنت طفلاً في المدرسة الابتدائية كان من بين الأناشيد التي كنا ننشدها، وننتشي طرباً وحماسة بإنشادها، أنشودة (بلاد العرب أوطاني) المشهورة بكل ما تدل عليه من مضامين وحدوية. ولذلك نشأت -كما نشأ كثير من أقراني- والتطلُّع إلى فجر الوحدة العربية يمتلك المشاعر.

ثم أشرت إلى أن للأردن الجميل بمن فيه وما فيه مكانة خاصة في نفسي، وأني من وحي هذه المكانة كتبت قصيدة في إحدى زياراتي له من أبياتها:

لا تسأل الخافق المفتون هل بقيت

شغافه دون أن ينتابها العطب؟

سل (الخرابيش) عن أسرار فتنتها

إذ كان قلب عرار نحوها يثب(1)

لكن ما نال بَصْرياً على كِبرٍ

قد نالني وبياض المفرق السبب(2)

دعني وذا فالأماني حلَّ موكبها

وطاب في المنتدى للوافد الأرب

أتيت أحمل من نجدٍ أصالتها

رفاقي الشيح والقيصوم والرُّطَب

وطائف من صبا أذكت نسائمه

غمامة بالشذا الفوَّاح تنسكب

وروعة من مغان فوق تربتها

تدفَّّق الحرف شعراً وازدهى الأدب

وجئت أستنطق التاريخ في سَلَعٍ

وكل ما دوَّنت بتراؤها عجب(3)

وأجتلي في ثرى اليرموك ملحمة

كتائب النصر فيها سادةٌ عُرُب

باعوا لنصرة دين الله أنفسهم

وبالتيقُّن من تمكينه اعتصبوا

وابن الوليد إذا ما كرَّ مقتحماً

صفوف قيصر فرَّ الجحفل اللجب

أولئك القوم فخري.. عزَّتي.. حسبي

نعم الفخار ونعم العزُّ والحسب

وجئت ألثم من عمّان مبسمها

إذ شاقني من رؤاها ثوبها القشب

تلالها السبعة استولت على خلدي

فراح يتلو لساني بعض ما يجب

________________

(1) عرار: لقب اتخذه لنفسه الشاعر الأردني المشهور مصطفى التل و(الخرابيش): مكان كان يرتاده ذلك الشاعر ليقضي وقتاً ممتعاً بين أهله. وله قصيدة طويلة فيه عنوانها: (بين الخرابيش)، مطلعها:

ليت الوقوف بوادي السير إجباري

وليت جارك يا وادي الشتا جاري

(2) بَصْري: المراد الشاعر بصري الوضيحي صاحب القصيدة التي منها:

التايه اللِّي جاب بصري يقنِّه

نقَّض جروح العود والعود قاضي

(3) سَلَع: اسم قديم للبتراء المشهورة تاريخياً وأثرياً.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد