Al Jazirah NewsPaper Wednesday  23/01/2008 G Issue 12900
الاربعاء 15 محرم 1429   العدد  12900
الرياضيات.... واللحظة الفارقة (1)!
بقلم الدكتور زيد المحيميد

قابلت مؤخراً أستاذاً جامعيا متخصصاً في الرياضيات من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وأخذ يتكلم بحسرة وألم عن انخفاض كبير لمستوى طلاب الجامعة في مادة الرياضيات خلال العشر سنوات الماضية..

.. وهذا الانخفاض له ما يبرره - على حد قوله - في ضوء التساهل الكبير في التعليم العام في قبول معلمين مستوياتهم العلمية متدنية للغاية وخاصة في الرياضيات ناهيك عن عدم الاهتمام من الطلاب في هذه المادة، والفجوة الواضحة بين التعليم العام والعالي، والحاجة الماسة في عصرنا الحاضر إلى مبادرات جادة لإصلاح مسيرة التربية والتعليم عموماً وفي الرياضيات خصوصاً، وبعد أن تذكرت أن هذه الجامعة العريقة لا تقبل إلا طلاباً متميزين وهذا وضعهم الأكاديمي فقد بدأت أتساءل: فكيف الحال في الجامعات الأخرى والكليات والمعاهد!؟، ومن هذا المنطلق ولعوامل أخرى فلو طرحنا على عدد من الطلاب المتخرجين حديثاً من المرحلة الثانوية وبشكل عشوائي من مختلف مناطق المملكة مجموعة من الأسئلة والاستفسارات لتكشف حجم المخزون المعرفي والوجداني لهم بالنسبة لمادة الرياضيات بحيث تتضمن تلك الاستفسارات على نواحي علمية متعددة منها:

* هل يطبق الطالب معلوماته الرياضية في حل بعض المشاكل الحياتية؟ أي البعد الحياتي في تعليم الرياضيات.

* مدى معرفته في بعض النظم الرياضية الأساسية مثل (نظم الأعداد، بعض النظم الجبرية، والهندسية، وبعض مبادئ الاشتقاق، والنهايات، وتحليل البيانات والاحتمالات....)، وذلك بقصد إمكانية مواصلة التخصص بالرياضيات، أو فهم تطبيقاتها في المجالات الأخرى كالكمبيوتر، والهندسة، وفي مجالات عديدة من المعرفة وفي التقدم التكنولوجي.......

* درجة مرونته باستخدام قواعد المنطق في اشتقاق عبارات (نظريات ونتائج) جديدة من النظريات السابقة، وذلك بقصد فهم النظم الرياضية الأساسية والتدريب على حل المشكلات الرياضية، وكذلك احتمال ممارسته للتفكير المنطقي في مواقف أخرى لا تتصل بدراسة الرياضيات (أنظر كتاب قضايا في تعليم الرياضيات للدكتور فايز مينا).

* تحديد قدراتهم على الانتفاع من رصيدهم الرياضي في تنمية قدراتهم الإبتكارية والإبداعية.

* هل يقدر الجوانب الجمالية في الرياضيات؟.

* هل لديهم معلومات عن بعض العلماء من المسلمين أو الغربيين الذين أسهموا بشكل مباشر في تطوير الرياضيات؟.

* تعريف بعض المصطلحات الرياضية الهامة والأساسية في الرياضيات والإحصاء..

* هل لديهم دافعية وميول نحو دراسة الرياضيات بشكل متخصص أو مكثف؟!.

* هل قاموا برحلة علمية في المرحلة الثانوية بحيث أنهم قاموا بتطبيق دراستهم الرياضية في واقع الحياة والبيئة المحيطة إلى حد كبير؟...

* من قاموا بتدريسهم في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وهل هم من خريجي كلية (المعلمين)، وهل قاموا بتغطية كافة المنهاج والأسئلة؟...

* هل يستطيع استخدام التقنيات الحديثة لحل بعض المسائل الرياضية مثل(التمثيلات العددية، والبيانية والرمزية)؟.

* هل المعلم هيأ بيئة صفية محفزة على التفكير من خلال الأسئلة التي تتخطى حدود الحفظ والاسترجاع، ومشجعة على الاستدلال والتواصل الرياضي وحل المشكلات؟.

عزيز القارئ الكريم ستكون النتائج الأولية - في نظري - مخجلة للغاية بل وخطيرة، وأنا كمختص في الرياضيات التطبيقية لن أصدم من نتيجتها لأنني في حقيقة الأمر متوقع ما ستؤول إليه لعلمي السابق بمناهج التعليم العام في الرياضيات والعلوم ولقد طرحت عد مقالات في هذا الجانب (جريدة الجزيرة): انحباس العلوم والرياضيات، العدد (12674،12687،12698)، جمعية (المعرفة لصناعة علماء المستقبل)، العدد(12718،12779)، ومما يعزز ما ذهبت إليه التقرير الحديث والذي صدر من مؤسسة مكنيزي الاستشارية العالمية، فقد أشار التقرير إلى أن ترتيب السعودية في نتائج المرحلة المتوسطة في مادة الرياضيات كان في نهاية القائمة متساوياً مع دول إفريقية فقيرة مثل غانا وبتسوانا، والسؤال الأهم الا يعي المسؤولون في التعليم العام هذا التقرير وخاصة أن مستقبل أجيالنا القادمة مرهون فقط في التعليم، وخلال العشرين سنة الماضية أثبتت التجارب مرارا وتكرارا أن التعليم هو السبيل الوحيد للنهوض في جميع المجالات، وتحولت دول كثيرة إلى مصاف الدول المتقدمة ككوريا وسنغافورا وماليزيا وايرلندا، وفنلندا وغيرهم..، وكان أساس نهوضهم الاستثمار في التعليم والتعليم والتعليم.

قد أحسنت صنعاً جامعة الملك سعود عندما اعتمد معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور عبدا لله العثمان إنشاء (مركز لتطوير العلوم والرياضيات) في بادرة نوعية تشهدها الجامعة ضمن عدد من المبادرات العلمية الرائدة...وذكر الدكتور فهد الشايع مدير المشروع أن هذا المركز يتطلع إلى تحقيق عدد من الأهداف النوعية أهمها: المساهمة الايجابية في تطوير تعليم العلوم والرياضيات في المملكة من خلال برامج وطنية معتبرة...، والقيام بدور فاعل لتدريب معلمي الرياضيات في التعليم العام.....(جريدة الرياض، 14 شوال 1428 هـ، العدد 14368)، ولنجاح أداء المركز - في نظري - أرى التركيز في المرحلة الأولى على التعليم العام فهم صلب العملية التعليمية من خلال العديد من الأعمال المنهجية المدروسة منها تكوين عدة لجان متخصصة من مختلف الأقسام الموجودة في الجامعة سواء أكانت هندسة أو علوم لتبحث مع المركز جميع المواضيع في الرياضيات والعلوم والتي لها علاقة بتك التخصصات الجامعية والتي من المفترض إدخال أساسيات لها في مناهج التعليم العام في المرحلة الثانوية حيث إن تلك المواضيع لم تكن ضمن محتوى تلك المناهج أو كما لم يتم التطرق إليها إلا بشكل بسيط على أحسن حال، مما يستلزم إحداث أكبر قدر ممكن من التكامل بين المحتوى العلمي في التعليم العام والجامعي في الرياضيات والعلوم، وطبعاً التنسيق مع وزارة التربية والتعليم وبشكل عاجل، وهذا المركز ممن الممكن أن يكون بداية ما أسميه (اللحظة الفارقة للتطور في الرياضيات والعلوم) في المملكة، ومحاولة إيجاد منظومة متكاملة لحل جميع الصعوبات والعوائق الموجودة في التعليم العام والعالي!، وينبغي على المسؤولين في المركز أن يعلموا بأن النتيجة النهائية لهذا المشروع الوطني ليست بأيديهم، إنما عليهم أن يسعوا ويعملوا، أما الباقي فمن عند الله عز وجل، وفي المقال القادم سأورد بعض المواضيع المهمة والتي أرى أنها ضرورية لتعليمها للطلاب في المرحلة الثانوية.(يتبع).

كاتب وأكاديمي سعودي


zeidlolo@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد