في بداية المرحلة المتوسطة من الدراسة، كنت في مدينة (دوما) التي تبعد عن (دمشق) عاصمة (سورية) حوالي خمسة عشر كيلو مترا، وكان أبي رحمه الله يعمل جنديا خيالاً - له حصانه - في مركز درك (شرطة الأرياف) تلك المدينة... |
كنت أكبر الأولاد، وكانت أسرتنا تضم في تلك الأيام الوالدين رحمهما الله، وكاتب هذه السطور، وأختي (خالدة) التي توفيت فيما بعد في الثانية عشرة من العمر رحمها الله، وأخي الدكتور زياد (وزير الأوقاف السابق)، وأخي صلاح الدين، وأختي براءة التي ولدت في (دوما)... |
في ذلك الوقت، أي في عام ألف وتسع مائة واثنين وخمسين اشترى لنا الوالد عليه رحمة الله جهاز (راديو) ألمانياً من طراز (ويغا) ففرحنا به فرحا شديداً، فقد كان في حينه وسيلة حديثة من وسائل الثقافة الراقية، والمعرفة المفيدة، واللهو البريء، والمتعة التي لا يملها الإنسان... |
وكان من الطبيعي أن أتعلق بهذا الجهاز أكثر من غيري من أفراد الأسرة لا سيما وأنني كنت متفوقاً في كل دروسي والحمد لله، وخاصة في مادة (الاستظهار) التي كان يطلب منا فيها أن نحفظ عن (ظهر قلب) كثيراً من القصائد الشعرية، والمختارات النثرية، ونقوم بعد ذلك بإلقائها على الطلاب، فنراعي في ذلك مخارج حروف الكلمات، ومواطن الوقوف الصحيحة للجمل، ونعطي للقصيدة أو القطعة الأدبية عند الإلقاء ما تستحقه من الحماسة أو الهدوء أو التأمل أو الإثارة أو غير ذلك.. أقول: لقد تعلقت بهذا الجهاز، فقد وجدت فيه طلبتي، من مذيعين ومذيعات، يختارون بعناية، من أصحاب الكفايات والقدرات، فيتولون قراءة نشرات الأخبار والأحاديث المختلفة، ويقدمون من برامج الدين والفكر والأدب والشعر، والسياسة والاقتصاد والاجتماع الشيء الكثير الذي لفت نظري، وشد انتباهي... |
كان يدير (الإذاعة السورية) التي كانت تدعى في تلك الأيام، ويردد اسمها بين كل فقرة إذاعية وأخرى (محطة الإذاعة السورية اللاسلكية من دمشق) كان يدير تلك الإذاعة إداري فذ وصحافي عبقري متميز هو الأستاذ (أحمد عسة) عليه رحمة الله - مؤلف كتاب (معجزة فوق الرمال) الذي تحدث فيه عن المملكة ونهضتها العظيمة وتطورها الكبير وعن مؤسسها الموحد الباني الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه. |
وكان في الإذاعة السورية، وقتذاك عدد من المذيعين والمذيعات، يتمتعون بالأصوات المميزة، والأداء المتقن، والإحساس البالغ بالكلمة التي يقرؤونها.. وكان في طليعتهم الأمير (يحيى الشهابي) عليه رحمة الله الذي تميز بقراءته للشعر من خلال برنامجه الأسبوعي الذي استمر أكثر من خمسة عقود (في روضة الشعر العربي)، وصار (الأمير) فيما بعد مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون، وكان معه في تلك الفترة من المذيعين والمذيعات؛ الأستاذ (توفيق حسن) والذي صار في وقت من الأوقات مديراً لإذاعة (حلب)، والدكتور (صباح القباني) وهو (شقيق الشاعر الكبير نزار قباني عليه رحمة الله) والدكتور (صباح) أمد الله في عمره هو أول مدير للتلفزيون السوري الذي أنشئ في الثالث والعشرين من شهر تموز (يوليو) من عام ألف وتسع مائة وستين أيام الوحدة السورية المصرية. وقد بدأت شخصيا العمل في التلفزيون تلك الأيام.. ومن المذيعين البارزين في فترة (الإذاعة السورية اللاسلكية من دمشق) كما كان يقال، الأستاذ (عصام حماد) وهو من أبناء (فلسطين) الحبيبة.. |
وكان يوجد بالإضافة إلى هؤلاء المذيعين البارزين عدد من المذيعات البارزات المميزات، أذكر منهن السيدة (عبلة الخوري) والسيدة (فاطمة البديري) - زوجة الأستاذ عصام حماد - والسيدة (إحسان المحمودي).. |
|
وأحيل الوالد عليه رحمة الله إلى التقاعد فعادت الأسرة إلى (دمشق) مسقط رأسي، واستقر بنا المقام في بيت شعبي صغير في سفح جبل (قاسيون) في منطقة وسط تقع بين (جامع الرفاعي) في الشمال، هذا الجامع الذي أسسه وبناه سماحة الشيخ (ملا رمضان) البوطي عليه رحمة الله وقد كان أحد أعلام العلماء في (سورية) علما وورعا وتربية، وهو والد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أمد الله في عمره، ومتعه بالصحة والعافية، وهو كما هو معروف أحد أعلام علماء العالم الإسلامي اليوم. |
وأما من جهة الجنوب فقريب من بيتنا ذاك يقع (جامع أبو النور) الذي أسسه سماحة الشيخ (محمد أمين كفتارو) عليه رحمة الله العالم العربي الفاضل ووسعه وطوره تطويراً كبيراً سماحة الشيخ (أحمد كفتارو) عليه رحمة الله، العالم المربي الحكيم أحد أعلام علماء هذا العصر، المفتي العام السابق في (سورية) فتحول بفضل الله ثم بجهوده إلى مجمع علمي كبير يضم بالإضافة إلى المصلى الواسع وملحقاته عدداً من الكليات الجامعية التي تدرس الشريعة وأصولها، واللغة العربية وفنونها، وأساليب الدعوة الإسلامية، وتمنح خريجها من البنين والبنات شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وعدداً آخر من المعاهد العلمية للمرحلتين المتوسطة والثانوية، والتي يدرس فيها عدد كبير من الطلاب والطالبات من سورية والعالم العربي والعالم الإسلامي، ومن الدول غير الإسلامية في أمريكا وآسيا وأوروبا وإفريقيا وأستراليا والصين واليابان تحتضن جاليات إسلامية.. |
ويستمر هذا المجتمع (مجمع الشيخ أحمد كفتارو العلمي) في عطائه ونمائه وآثاره الإيجابية الخبرة الآن برعاية الله أولاً، ثم برعاية فضيلة الشيخ (صلاح الدين كفتارو) - ابن سماحة الشيخ أحمد عليه رحمة الله - المدير العام للمجمع، الموهوب النشط الواعي الحكيم، ويعاونه في شؤون الدعوة إلى الله، بالحكمة والموعظة الحسنة، والحوار بالتي هي أحسن عدد من الدعاة البارزين الأكفياء من الرجال والنساء.. |
|
ولأنه تربطني بالشيخ (أحمد) المفتي العام السابق عليه رحمة الله قرابة، ولأن جامع (أبو النور) كان على مقربة من البيت الذي استقرت فيه الأسرة بعد عودتنا من (دوما)، فقد اتصلت بالشيخ عليه رحمة الله، وباشرت الاستماع إلى دروسه ومحاضراته التي كان يلقيها ويقررها في جامع (أبو النور) بل تعلقت بها وداومت على حضورها، وما هي إلا فترة ليست بالطويلة، حتى رغبت في لقائه، لأطلب منه طلبا مستغربا! فقصدت عمي عبدالحميد (أبو صالح) عليه رحمة الله وهو واحد من تلامذته المقربين، وتلامذة أبيه من قبله الشيخ (محمد أمين) عليه رحمة الله، فيسر لي أمر اللقاء.. وبعد أن رحب الشيخ بنا استهل عمي الحديث بقوله: يا شيخنا، هذا ابن أخي (زهير) يريد أن تسمح له بأداء خطبة الجمعة! وكنت في ذلك الوقت في الثالثة عشرة من العمر! فتهلل وجه الشيخ عليه رحمة الله فرحاً وسروراً وبهجة وقال لي: هل أعددت الخطبة التي ستلقيها؟ قلت: نعم وأخرجت من جيبي الأوراق التي تضمنت تلك الخطبة وناولتها إلى الشيخ، وكان موضوعها يدور حول (الجهاد)، فقرأها الشيخ على مهل وأبدى إعجابه الشديد بها، وأثنى علي كثيرا، ثم قال لي: بارك الله فيك وفي أمثالك، وأسأل الله سبحانه أن ينفع بك الإسلام والمسلمين.. |
|
لقد كانت خطبة الجمعة التي بدأت ارتقاء منبرها وأنا في الثالث عشرة من العمر بفضل الله أولاً، ثم بتشجيع الشيخ أحمد كفتارو ورعايته رحمه الله.. كانت خطبة الجمعة هذه هي البوابة الرئيسية التي دخلت منها بقوة وثقة إلى ميدان الإعلام بعد حوالي عشر سنوات، وكانت كذلك سببا رئيسيا لأن يزداد تعلقي بالإذاعة، وتتبعي للمذيعين وأخبارهم وما يقدمونه من برامج، وتتبعي لكبار المتحدثين الذين يتحدثون من الإذاعة.. |
لقد تعرفت على الشيخ (علي الطنطاوي) عليه رحمة الله، هذا الأديب الكبير، والمفكر العظيم، والعالم الموسوعي الفذ أول ما تعرفت عليه من خلال حديثه الأسبوعي الذي كان يقدمه من (الإذاعة السورية) في كل يوم جمعة بعد الصلاة، وكان من برنامجي الأسبوعي الدائم تلك الأيام أن أنصت إلى حديث الشيخ (الطنطاوي) الذي تقدمه الإذاعة فأجد فيه الفكر النير، والعبارة الشيقة، والقصة المؤثرة، ثم أهرول إلى جامع (أبو النور) فأجلس في عداد المستمعين إلى درس الشيخ (كفتارو) الذي كان يقرره يوم الجمعة أيضا بعد الصلاة، لأجد فيه العلم النافع، والحكمة العالية، والموعظة الحسنة أنهيت المرحلة المتوسطة من الدراسة، وبدأت المرحلة الثانوية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي تقريبا وفي ذلك الوقت انضم إلى (الإذاعة السورية) جيل جديد من المذيعين والمذيعات منهم (فؤاد شحادة) و(عادل خياطة) عليهما رحمة الله و(عبدالهادي البكار) و(سهيل الصغير) أمد الله في عمرهما، ومن المذيعات (عواطف الحفار) و(هيام الطباع) و(لمياء الشماع) و(فردوس حيدر)... |
وكانت (محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية) وهي إذاعة موجهة كانت ترتبط بصورة غير مباشرة بوزارة الخارجية البريطانية، تبث برامجها من جزيرة (قبرص) إلى منطقة الشرق الأوسط، وكانت تلك الإذاعة تسمع بوضوح في سورية، وكنت بحكم اهتمامي بالنشاط الإذاعي عموما أتابع كثيرا من البرامج والنشرات الإخبارية التي يقدمها عدد من المذيعين العرب المتميزين كالأستاذ (صبحي أبو لغد) والأستاذ (عبدالمجيد أبو لبن)، والأستاذ (غانم الدجاني).. |
وفي نفس الوقت كانت إذاعة (القاهرة) من الإذاعات المسموعة بوضوح في سورية، وكنت أتابع أخبار الساعة الثامنة والنصف مساءً التي يقرؤها على الغالب واحد من هؤلاء النجوم؛ (حسني الحديدي) أو (جلال معوض) أو (أحمد فراج) أو (صلاح زكي) أو (فاروق خورشيد) أو (صلاح خليفة) أو (سميرة الكيلاني) أو (تماضر توفيق) أو (سامية صادق) أو (صفية المهندس) أو (همت مصطفى) أو غيرهم... |
|
في هذه الفترة تقريبا ارتفع صوت (إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية من عمان) على أثر تقوية مرسلات البث الإذاعي في (الأردن) وأصبحنا نسمع إذاعة (عمان) وكأنها في صفائها وقوة بثتها كأنها إذاعة محلية قوية تنطلق من سورية، وكان يديرها في ذلك الوقت إذاعي قدير يتمتع بصوت قوي وأداء متميز هو الأستاذ (صلاح أبو زيد) الذي صار فيما بعد وزيراً للإعلام.. |
وصار يتوالى على قراءة نشرة أخبار الظهيرة التي تقدم في الساعة الثانية ظهراً يومياً عدد من المذيعين المقتدرين الكبار النادرين من الرجال والنساء هم، (محمود الشاهد) و(عمر الخطيب) و(إبراهيم الذهبي) و(سليمان المشيني) و(عائشة التيجاني) و(هند التونسي) و(كوثر النشاشيبي) ثم انضم إليهم بعد فترة قصيرة الأستاذ الشاعر (حيدر محمود) الذي أصبح وزيراً للثقافة فيما بعد وسفيراً لبلاده في أكثر من دولة أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والسعادة. |
هؤلاء المذيعون والمذيعات تميزوا جميعهم ودون استثناء بأصوات قوية صافية جميلة، وأداء معبر راق، وتمكن في اللغة العربية، وفهم للنصوص التي يقرؤونها، وحضور منقطع النظير حيال الموضوعات التي يتحدثون عنها، وقدرة على ارتجال الكلام في المناسبات التي يشاركون فيها.. ومن عجب أن يتوفر في بلد كالأردن الشقيق هذا العدد من المذيعين والمذيعات الذين يتميزون بالكفاءة العالية والاقتدار الكبير، في وقت واحد، وعدد سكانه لا يزيدون في ذلك الوقت عن المليون نسمة إلا قليلاً.. إن السبب يعود في نظري لوجود الأستاذ (صلاح أبو زيد) وهو الإعلامي الإداري الفذ في سدة القيادة في إذاعة (عمّان).. وهذا الرجل يذكرنا بإعلامي عبقري فذ آخر تحدثت عنه هو الأستاذ (أحمد عسّة) كان على رأس الإذاعة السورية إذاعة (دمشق) تلك الأيام.. ويذكرنا كذلك بالأستاذ (محمد توفيق الغصين) الذي كان يدير في تلك الفترة محطة (الشرق الأدنى للإذاعة العربية).. |
|
بدأت معرفتي إذن بالدكتور (عمر الخطيب) رحمه الله، من خلال مايكروفون إذاعة (عمان)، وبعبارة ثانية فقد عرفته وتابعته قبل أن يعرفني.. كانت النشرة الإخبارية التي يقرؤها (عمر) عليه رحمة الله تتميز بأسلوب خاص، وطريقة فريدة، فبالإضافة إلى قوة الصوت ووضوحه وجماله، والاضطلاع بمخارج الحروف ومعرفة أماكن الوقوف، ومتانة اللغة العربية، كان أسلوبه يتميز بشيء من التكلف المقبول الذي يزيد في أداء الكلام فخامة وترفعاً إن صح هذا التعبير.. |
وكان يقدم الدكتور (الخطيب) عليه رحمة الله في تلك الفترة برنامج مسابقات مميز، سبقه إلى مثله الإذاعي المصري النجم (طاهر أبو زيد) ولحقه في برنامج آخر شبيه الإعلامي السوري النجم الزميل (خلدون المالح) أمد الله في عمره... وكانت برامج هؤلاء النجوم الثلاثة تقدم بأسماء مختلفة؛ هي (أنت وحظك) و(أوائل الطلبة) و(فكر تربح) وكنت أحرص على متابعتها كلها... |
علمت فيما بعد أن الدكتور (عمر الخطيب) هو من مواليد قرية (عين كارم) في الضفة الغربية وهي قرية قريبة من (القدس) على ما علمت والتي أسأل الله أن يحررها من أرجاس بني صهيون، ويعيدها عزيزة كريمة بالعروبة والإسلام.. ويبدو أن هذه القرية قرية (عين كارم) قد أنجبت للأمة عدداً من العباقرة الأفذاذ غير الدكتور (عمر) عليه رحمة الله، فقد أنجبت فيما أنجبت الدكتور (إسحق الفرحان) أحد خبراء التربية والتعليم في العالم العربي، والوزير السابق، وأحد قيادات العمل الإسلامي في الأردن، أمد الله في عمره. |
كذلك فقد علمت أن الدكتور(عمر) عليه رحمة الله بدأ عمله في الإذاعة الأردنية بعدما تخرج في الجامعة الأمريكية في بيروت، ولذلك فإنني أقدر أنه يكبرني بحوالي ست سنوات، فقد تابعته أول ما تابعته وهو مذيع وأنا لا أزال في الصف الثاني أو الثالث الثانوي، وهذا يعني أن عمره عند وفاته يرحمه الله، كان حوالي خمسة وسبعين عاما.. |
وقد تزوج من زميلته المذيعة الكبيرة السيدة (هند التونسي) في أثناء عملهما معاً في الإذاعة وأنجب منها عدة بنات كريمات أسأل الله لهن أن ينبتهن النبات الحسن في ظل أمهن الكريمة.. ثم تزوج زوجة كريمة ثانية، أنجب منها ابنه (عزام) بينما كان يناديه أصحابه - أصحاب عمر - وأنا واحد منهم ب(أبي إسماعيل) إحياءً وتذكيراً باسم أبيه (إسماعيل) عليهما رحمات الله... |
|
تحصلت على الثانوية العامة، القسم العلمي، فرع الرياضيات عام ألف وتسع مائة وثمانية وخمسين عام الوحدة بين سوريا ومصر ودخلت كلية الطب في جامعة دمشق، وبعد الدراسة فيها مدة سنتين، وجدت أنني لا أستطيع الاستمرار في دراسة هذا التخصص لضرورة التفرغ له، وحاجتي الماسة إلى العمل والكسب، ولم أتمكن بنتيجة الأمر من الجمع بين دراسة الطب والعمل، فتركت (كلية الطب) ودخلت كلية الحقوق (القانون) عام ألف وتسع مائة وستين، وفي هذا العام أنشئ وقام (التلفزيون) في كل من (دمشق) و(القاهرة) وفي يوم واحد هو اليوم الثالث والعشرين من شهر تموز (يوليو) ذكرى الثورة المصرية، وبعد شهور من بدء البث التلفزيوني، أعلن في (دمشق) عن مسابقة لاختيار عدد من المذيعين والمذيعات من حملة الشهادة الثانوية أو الجامعية أو حملة الماجستير أو الدكتوراه.. |
كنت أنتظر بفارغ الصبر حصول مثل هذه المسابقة، فتقدمت إليها، وقد بلغ عدد المتسابقين فيها ست مائة وستة وخمسين متسابقاً ومتسابقة، كان عليهم أن يجتازوا ثلاث مراحل من الاختبارات؛ المرحلة الأولى هي (المرحلة التحريرية) وقد اجتازها حوالي مائة وخمسين متسابقا ومتسابقة فقط، ثم المرحلة الشفهية وقد اجتازها حوالي ثلاثين متسابقا ومتسابقة فقط، ثم المرحلة الأخيرة وهي المرحلة العملية، حيث يختبر صوت المتسابق وصورته على كاميرا التلفزيون، وقدرته على قراءة النصوص وخاصة النصوص غير المشكولة التأكد من سلامة أدائه وصحة مخارج حروفه، وتمكنه من قواعد اللغة العربية، فضلاً عن قدرته على ارتجال الكلام المناسب، وحضوره الذهني، وقد اجتاز هذه المرحلة الأخيرة العملية من الاختبارات مذيع واحد فقط هو كاتب هذه السطور وأربع مذيعات هن؛ (غادة الشماع) و(ليلى أبو شعر) و(أنطوانيت كلش) و(نهلة صدقي)... |
أما لجنة الاختبار فقد كانت برئاسة الدكتور محمد عبدالقادر حاتم وزير الإعلام المركزي وعضوية الأمير (يحيى الشهابي) والدكتور (صباح القباني) والأستاذ (سعيد القضماني) وهؤلاء الأعضاء من الإقليم الشمالي (سورية) أما أعضاء الإقليم الجنوبي (مصر) في هذه اللجنة، فقد كانوا الأستاذ (محمد أمين حماد) والأستاذ (عبدالحميد يونس) والأستاذ (عدلي حشاد) وجميع من ذكرت من أعضاء لجنة الاختبار هذه هم قيادات الإذاعة والتلفزيون والصحافة في مصر وسورية في ذلك الوقت. |
|
بدأت العمل في (التلفزيون) تحت رعاية مديره العبقري الفنان الدكتور (صباح القباني) يوم السادس عشر من شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام ألف وتسع مائة وستين، وكنت بذلك أول مذيع جديد بدأ عمله في (التلفزيون) تلك الأيام، فقد عمل فيه عدد من المذيعين منذ افتتاحه قبل بضعة أشهر كالأستاذ (عادل خياطة) والأستاذ (فؤاد شحادة) عليهما رحمة الله، والأستاذ (سامي جانو) والأستاذ (خلدون المالح) والأستاذ (عبدالهادي المبارك) أمد الله في أعمارهم لكنهم كانوا من مذيعي الإذاعة قبل ذلك الذين يعرف الناس أصواتهم... |
|
وبعد عام من بدء عملي في (التلفزيون) تقريباً كلفت أيضاً بالعمل في الإذاعة، وبقيت على هذه الحال حوالي سنتين إلى أن قامت حركة الثامن من آذار (مارس) من عام ألف وتسع مائة وثلاثة وستين، وعند قيام هذه الحركة كنت واحداً من ثلاثة أشخاص يديرون الإذاعة، ويعملون على نهضتها وارتقائها وتطوير برامجها منذ أكثر من أربعة أشهر.. كان مدير الإذاعة آنذاك هو الأستاذ (صبحي المحاسب) أمد الله في حياته وكان مثقفاً واعياً فناناً، محسوباً على الأستاذ (أكرم الحوراني) رحمه الله في خطه السياسي، وكان يساعده في إدارة البرامج التمثيلية والمنوعة والموسيقية الشاعر ابن شاعر العربية الكبير (بدوي الجبل) الزميل الأستاذ منير الأحمد عليهما رحمات الله، وكان (منير) محسوباً على خط الأحزاب الوطنية التقليدية كالحزب (الوطني) الذي كان (شكري القويلي) يرحمه الله زعيماً له، وحزب (الشعب) الذي كان يتزعمه السيد (رشدي الكيخيا) رحمه الله، وكنت أنا أساعده في إدارة البرامج الدينية والثقافية والتربوية، وكنت ومنذ نعومة الأظفار وما زلت بفضل الله من التيار الإسلامي الوسطي المعتدل الحديث.. |
|
كان من الطبيعي أن تعمد حركة الثامن من آذار (مارس)، وقد كانت حركة تمثل عدداً من الضباط الناصريين والشيوعيين والبعثيين، الذين يمثلون منابر مختلفة يجمع بينها إلى حد كبير الاتجاه العلماني اليساري، كان من الطبيعي أن تعمد إلى إعفاء مدير الإذاعة الأستاذ (صبحي المحاسب) من منصبه، وأن لا ترضى عن معاونيه الأساسيين (منير الأحمد) عليه رحمة الله، وكاتب هذه السطور، وأن تضيق علينا، وأن تحرجنا بمحاولات تكليفنا بإعداد وتقديم برامج إذاعية أو تلفزيونية غير مقنعة لنا، وقد أوقفت عن العمل في الإذاعة والتلفزيون عدة أشهر وأوقف برنامجي (مجالس الإيمان) التلفزيوني الذي كان يبث مباشرة على الهواء، ثم عدت إلى العمل بعدما رفعت الأمر إلى مكتب (تفتيش الدولة) الذي أنصفني، وحاولت البقاء في ميدان البرامج الثقافية والتربوية، لكن رغبة المسؤولين كانت تقتضي ضرورة مشاركتي في إعداد وتقديم البرامج السياسية التي كانت تمثل وجهة نظر السلطة الحاكمة في تلك الفترة والتي استمرت فيما بعد حوالي سبع سنوات من التطرف والعلمانية واليسارية والبعد عن الإسلام، إلى أن جاء الرئيس (حافظ الأسد) عليه رحمة الله وقام بحركته التصحيحية، فقوم كثيراً من الاعوجاج، وصحح كثيراً من الأخطاء، وأعاد الأمور إلى نصابها الصحيح.. |
وانتهى الصراع بيني وبين المسؤولين في الإذاعة بفصلي من العمل في اليوم السادس من شهر أيار (مايو) من عام ألف وتسع مائة وأربعة وستين، ومن العجيب أن هذا اليوم يصادف في (سورية) ما يسمى ب(عيد الشهداء)! |
|
سبقني إلى (جدة) للعمل في (الإذاعة السعودية) الزميل (منير الأحمد) عليه رحمة الله بعدة أشهر، ووصلت إليها في اليوم الحادي والعشرين من شهر محرم من عام ألف وثلاث مائة وأربعة وثمانين للهجرة الموافق للأول من شهر حزيران (يونية) من عام ألف وتسع مائة وأربعة وستين للميلاد، بعد تنسيق مع الأستاذ (عباس فائق غزاوي) عليه رحمة الله مدير عام الإذاعة السعودية في ذلك الوقت الذي كان قد زار (دمشق) قبل حوالي سنة من وصولي إلى (جدة) والتقيت به، ودعاني إلى العمل في المملكة، ورحب بي أجمل ترحيب.. |
|
في مكتب الأستاذ (عبدالله حمزة راجح) أمد الله في عمره بمبنى إذاعة (جدة) القديم وفي طريق المطار القديم في حي (الكندرة) - على ما أظن - وكان (عبدالله) في حينها هو (المراقب العام للبرامج) التقيت لأول مرة؛ بالزميل الأستاذ - ولم يكن دكتوراً بعد - (عمر الخطيب) عليه رحمة الله، وجها لوجه، ولم أكن قد التقيت به من قبل، التقيت به بصحبة الزميل (منير الأحمد) عليهما رحمات الله، الذي قام بتعريفنا ببعضنا فسررت بلقائه وسر بلقائي وتبادلنا أطراف الحديث، وقد فهمت منه أنه - أن عمر - قد تم التعاقد معه والمجيء إلى (جدة) قبلي بعدة شهور، وربما أنه قد وصل (جدة) في وقت قريب من وصول الزميل (منير الأحمد)، وقد جاء معه عدد من المذيعين الأردنيين والفلسطينيين، الزملاء؛ (غالب الحديدي) و(محمد أمين) و(أديب ناصر)، ووصل كذلك في تلك الفترة المذيع الكبير الأستاذ (منير شماء) متعه الله بالصحة والسعادة قادماً من إذاعة (لندن) والزميل المخرج اللبناني الكبير الشاعر الأستاذ (سعيد الهندي) عليه رحمة الله.. |
كان (عمر الخطيب) عليه رحمة الله يعمل في إذاعة (جدة) خبيراً للبرامج ويقرأ كذلك عدداً من نشرات الأخبار الرئيسية في الأسبوع كنشرة ما بعد الظهر ونشرة ما بعد العشاء، ولم تمر فترة طويلة حتى صار الزميل (منير الأحمد) عليه رحمة الله رئيساً أو عميداً (فخرياً) للإخوة المتعاقدين القادمين من (سورية) والزميل (عمر الخطيب) عليه رحمة الله رئيساً أو عميداً (فخرياً) للإخوة المتعاقدين القادمين من (الأردن) و(فلسطين) وربما كان الزميل (سعيد الهندي) عميد الإخوة اللبنانيين، أما الإخوة المصريين فلم يكن لهم عميد لأنه لم يكن في ذلك الوقت مصري متعاقد في الإذاعة نظراً للعلاقات التي لم تكن على ما يرام بين المملكة وبين مصر. |
|
كانت الاستعدادات جارية على قدم وساق في ذلك العام عام ألف وثلاث مائة وأربعة وثمانين لافتتاح إذاعة (الرياض)، وقبل الموعد المقرر لافتتاحها بأكثر من شهرين، طرحت فكرة الانتقال إلى (الرياض) على الزملاء في الإذاعة، فاختار الانتقال من نفسه العدد القليل منهم، ومن هذا القليل كان الزميل (منير الأحمد) عليه رحمة الله، وكنت أنا كذلك وكان معنا آخرون.. |
ولقد كتب الله أن تفتح (إذاعة الرياض) في اليوم الأول من شهر رمضان من عام ألف وثلاث مائة وأربعة وثمانين، وكان على رأس (وزارة الإعلام) في ذلك الوقت الوزير العبقري الفذ الشيخ (جميل الحجيلان) متعه الله بالصحة التامة، وأمده بالعمر الطويل، ولشدة اهتمامه بهذا الأمر فقد كان له مكتب في مبنى (إذاعة الرياض) التي تم افتتاحها فيه، أقصد المبنى القديم والمبنى المجاور له في شارع (الفرزدق)، وكان معاليه يتابع بنفسه من خلال اجتماعات يومية سبقت موعد الافتتاح جميع الاستعدادات والترتيبات الإدارية والبرامجية والفنية مع جميع المسؤولين والعاملين في الإذاعة.. |
كان الأستاذ (عباس فائق غزاوي) هو المدير العام للإذاعة التي كانت تضم إذاعة (جدة)، وإذاعة (صوت الإسلام) من مكة المكرمة التي صار اسمها فيما بعد إذاعة (نداء الإسلام) وإذاعة (الرياض) التي التحقت بأختيها السابقتين... |
|
لقد تشرف بافتتاح إذاعة (الرياض) والمشاركة في هذا الحدث الإعلامي الكبير الذي تم بفضل الله أولاً، ثم بتوجيه جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز طيب الله ثراه، عدد من الرجال الأبطال الذين ستفخر بهم أجيال أمتهم من بعدهم أذكر منهم الزملاء، الأستاذ (خميس حسن سويدان) مراقب عام البرامج، والأستاذ (محمد عبدالرحمن الشعلان) مساعد المراقب العام للبرامج، والدكتور (عبدالرحمن الشبيلي) مساعد المراقب العام للبرامج، والأستاذ (عبدالله هليل فالح الحربي) مدير الأخبار والمهندس (محمد موسى المجددي) مدير التشغيل والاستوديوهات والأستاذ (محمد مصطفى الخواجة) مدير إدارة الترجمة والوكالات والأستاذ (صدقة محلاوي) مدير إدارة الاستماع، والأستاذ (صبحي المحاسب) مدير قسم التنسيق - مدير إذاعة دمشق السابق - والأستاذ (سعيد الهندي) مدير قسم الإخراج والأستاذ (محمد المنصور) مدير قسم الأحاديث والثقافة العامة، والأستاذ (منير الأحمد) مدير قسم المنوعات، والأستاذ (إبراهيم الضيويحي) مدير مكتبة التسجيلات والأستاذ (محمود أبو عبيد) مدير قسم الأركان والبرامج الخاصة - وهو من الأردن الشقيق. |
أذكر كذلك أن الزملاء المذيعين الذين تشرفوا بافتتاح إذاعة (الرياض) وقاموا بأعباء الفترة التي تلت ذلك وخاصة في مجال قراءة النشرات الإخبارية، وتنفيذ الفترات الإذاعية، وتقديم البرامج. |
فكانوا بالإضافة إلى بعض هذه الأسماء السابقة المعروفة، كان منهم كاتب هذه السطور الذي قدم من جملة ما قدم في ذلك الحين برنامج (تحية الإفطار) اليومي في شهر رمضان، وقدم برنامجاً آخر أسبوعياً هو برنامج (رَوْح وريحان)، ومنهم الزملاء الدكتور (محمد كامل خطاب) والدكتور (علي محمد النجعي) والأستاذ (فهد الهاجري) والأستاذ (عبدالرحمن منصور الزامل) والدكتور (عبدالرحمن الفلاييني)... وقد انضم إليهم فيما بعد الأستاذ (محمد علي كريم) من العراق، والأستاذ (سيف الدين الدسوقي) من السودان والأستاذ (أيوب طه) من الأردن، وقد عمل معنا في تلك الفترة واحد من عازفي (الناي) العباقرة السوريين هو الأستاذ (عبدالسلام سفر).. |
كذلك فقد عمل في إذاعة (الرياض) وخاصة في الفترات الأولى بعد قيامها عدد آخر من الرجال الأكفياء سواء في قطاع البرامج أو الأخبار أو الترجمة أو الاستوديوهات أو صيانة الأجهزة أو مكتبة التسجيلات أو الإذاعة الخارجية أو غيرها أذكر منهم الزملاء الأستاذ (عبدالمحسن الخلف) والأستاذ (محمد الدعيج) والمهندس (حسين بخش) والأستاذ (عبدالرحمن المقرن) والأستاذ (سعود الضويحي) والأستاذ (محمد علي داغستاني) والأستاذ (سامي أبو الفرج) والأستاذ (علي الحلوي) والأستاذ (راشد الجهني) والأستاذ (حمد الصبي) والأستاذ (محمد عيد الشيباني) والأستاذ (مكي العشماوي) والأستاذ (صدقة حريري) والأستاذ (محمد المرضي) والأستاذ (مهدي الريمي) والأستاذ (مبارك بن ثني) والأستاذ (جميل فراش) والأستاذ (مطر الغامدي) والأستاذ (ناصر الطحيني) والأستاذ (عبدالله عريف الحربي) والأستاذ (عطا الله الطعيمي) والأستاذ (عبدالعزيز عمر جعفر) الذي كان مدير مكتب المراقب العام للبرامج.. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يطيل في عمر الأحياء ممن ذكرت ويمدهم بالصحة والقوة والعافية، وأن يغفر لمن سبقونا إلى لقائه الكريم وعسى أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته.. |
ولعل من نافلة القول أن أبين أن كثيراً ممن ذكرت من أسماء الزملاء الكرام السابقين صاروا فيما بعد أعضاء في (مجلس الشورى) أو وصلوا إلى منصب (وكيل الوزارة) أو منصب (المدير العام) أو غير ذلك في (وزارة الإعلام) أو في غيرها.. |
تشرف بافتتاح إذاعة الرياض أيضا المذيع الفلسطيني الكبير الأستاذ (منير شماء)، وكان له قصب السبق في تأسيس إدارة البرنامج الإنجليزي الذي انطلق من إذاعة الرياض لأول مرة.. |
|
وإن نسيت فلا أنسى شاعر الأغنية الكبير الزميل الأستاذ (مسلم البرازي) الذي أسأل الله له العمر الطويل والعافية التامة.. لقد كان لأناشيده المعبرة ولأغانيه الجميلة التي انطلقت مع افتتاح إذاعة الرياض تأثيرها الخاص لدى المستمع في المملكة ودويها الكبير لدى كل عربي حر وكل مسلم صادق، ولن تنسى أجيال تلك الفترة ولا الأجيال التي تلتها، لن تنسى نشيد (فيصلنا يا فيصلنا) الذي غناه المطرب الكبير (طارق عبدالحكيم) ونشيد (سلمك الله يابوعبدالله) الذي غناه المطرب الكبير (وديع الصافي) ونشيد (فيصل هو الحد الفاصل) الذي غناه المطرب الكبير (فهد بلان) ونشيد (أبو تركي وأخو نوره) ونشيد (من ست مائة مليون) ونشيد (العدل أساس الملك هنا وهو الميزان والفهد وعبدالله لنا أمن وأمان) التي أدتها (المجموعة) لن تنسى هذه الأجيال نشيد (أصل العروبة) والذي يقول مطلعه: |
أصل العروبة من هنا |
من نجدنا وحجازنا |
والله جل جلاله |
ختم الرسالة من هنا |
ونشيد (قومي) الذي يقول مطلعه: |
قومي في العرب هم الأول |
ولأجل الخالق ما فعلوا |
من (مكة) أشرق دينهم |
ومن (الدرعية) قد عدلوا |
ونشيد (إلى فلسطين الحبيبة).. |
هذه الأناشيد والأغاني الكثيرة الكثيرة والتي لحن أكثرها الملحن الكبير الأستاذ (محمد محسن) عليه رحمة الله، والذي وافاه الأجل المحتوم قبل عدة شهور، وأنا أشهد أنني ما صادفت ولا التقيت بملحن كبير في مستواه، يعمل في مجال الموسيقى والفن، يلتزم بصلاته مثل التزامه، ويحرص على أداء واجباته الدينية مثل حرصه، ويعتز بقيمه الإسلامية مثل اعتزازه.. عاش رحمه الله عف اللسان طيب النفس، طاهر الذيل.. ولا يجوز أن يموت مثل هذا الفنان العبقري الزكي ولا يدري به أحد، وأن يغيب عن الدنيا ولا يذكره ذاكر، ولا يشكره شاعر، ولا يتحدث عن أعماله متحدث.. |
أما (مسلم البرازي) فموهبة عبقرية فذة في مجاله، وقد أعطى مما عنده الشيء الكثير، وقد كان لوزارة الإعلام دورها الفاعل في الاستفادة من هذه العبقرية، والإفادة من هذا التفوق والعطاء وخاصة في عهد الوزيرين الرائدين الكبيرين الشيخ (جميل الحجيلان) والشيخ (إبراهيم العنقري) عليه رحمة الله وأحسب بل أ جزم أنه لا تزال في كنانة هذا الرجل كنانة (مسلم) الكثير الكثير من السهام الثاقبة المسومة، سهام الحق والصدق والإيمان، يدافع بها عن وطننا الغالي وينافح بها عن أمتنا المجيدة، وينتصر بها للإسلام والمسلمين، فهل من مشجع يشجعه على إطلاقها، ويحفزه على رميها، ويحرضه على تسديدها إلى أهدافها المرجوة.. |
وهل من منقذ لهذا الرجل من وحدته.. ومن كربته.. ومن عزلته.. وهل من محرك لهذه الطاقة الفذة النادرة قبل فوات الأوان.. وهل من منشط لهذه العبقرية قبل أن نندم فلا ينفعنا الندم... |
|
ومن المناسب أن أذكر أنه انتقل معي من (جدة) برنامج (في ظلال القرآن) الذي كتب مادته شهيد الإسلام الأستاذ (سيد قطب) عليه رحمة الله.. لقد كان برنامجاً يومياً مدته لا تزيد عن ربع ساعة، وقد قدم بعض حلقاته الأولى قبل أن آتي إلى إذاعة (جدة) الزميل الأستاذ (عبدالرحمن قصاب) ذكره الله بالخير، لكنني بعدما استلمته منه تابعت تسجيله إلى أن أتممت هذا التفسير العظيم لكتاب الله الكريم، وقد زادت الحلقات المسجلة منه من قبلي على ألف وأربع مائة حلقة أظن أن إذاعة (الرياض) لا زالت تحتفظ بها كلها، وقد قامت بإهداء نسخ منها إلى عدد من الإذاعات الشقيقة بناء على طلبها وقامت هذه الإذاعة ببثها على الناس، ومن هذه الإذاعات، إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، وإذاعة الجمهورية التونسية، وعدد من إذاعة دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها.. |
وعلى الرغم من أنني كنت مكلفا بقراءة نصوص هذا البرنامج من الكتاب الموجود بين أيدي الناس فقط، فقد كنت أمضي الساعة والساعتين والثلاث أحيانا في تحضير الحلقة الواحدة التي لا تزيد مدتها عن ربع ساعة.. كنت أمضي هذا الوقت كله في (شكل) الكلمات، وتقطيع الجمل بحيث تكون الوقفات مناسبة، واستخراج معاني بعض الكلمات من المعجم، والتثبت من صحة أو دقة بعض (الأعلام) أو القصص الواردة في تفسير بعض الآيات، وحذف بعض الكلمات أو إضافتها، بما يزيد العبارة وضوحا، أو غير ذلك، حتى يخيل للسامع الذي يتابعني من خلال عرض حلقات هذا البرنامج من الإذاعة، حتى يخيل إليه كأنني أنا كاتبه لا قارئه فقط... |
ولعل من الأسباب الرئيسية التي جعل كثيراً من الناس يتابعونه، ويطلبون إعادة إذاعته، وتطلبه كذلك إذاعات عربية أخرى شقيقة، أن كاتبه عليه رحمة الله إنسان إسلامي موسوعي الثقافة، قد استوعب معظم التفاسير القرآنية التي سبقته، وأخلص في عمله لله، وكتبه أو كتب أكثره وهو في السجن، حيث كان عليه رحمات الله في خلوة مع نفسه، وخلوة مع ربه العليم العظيم، العزيز الحكيم، ذي الجلال والإكرام. |
|
أنا ما نسيت يا قارئي العزيز أنني في الطريق إلى الحديث عن زميل عبقري فذ هو (عمر الخطيب) عليه رحمة الله وأن القلم هو الذي جمع بناصية الحديث إلى مسارب أخرى، وميادين مختلفة.. أنا في طريقي إليه، ولن تصرفني الصوارف ولن تشغلني العوارض عن تحقيق الهدف الأصلي الذي أسعى إليه، ولذلك فسأحدثك عن الأمر الذي توجهت بسببه إلى (بيروت) حيث كان في انتظاري معالي وزير الإعلام الشيخ (جميل الحجيلان) ومعه الزميل (عمر الخطيب) عليه رحمة الله للتداول في إنتاج أول فيلم سينمائي وثائقي ينتج عن (الحج) تحت عنوان (الطريق إلى عرفات).. سأحدثك في هذا المشوار بل هذه المهمة المشتركة التي استمرت فترة غير قصيرة عن (عمر الخطيب) الإنسان والصديق والقيمة الروحية.. ثم هل شارك (عمر الخطيب) كضيف من ضيوف برنامج (مجالس الإيمان) وما هو تقييمه لهذا البرنامج؟.. |
ثم ما مدى اهتمام أجهزة (الاستخبارات العربية)... نعم (الاستخبارات العربية) أو بعضها على الأقل ببرنامجه الفذ المميز (بنك المعلومات)؟ |
وهل غنّى (عمر الخطيب) عليه رحمة الله في يوم من الأيام؟ ثم ما قصة الرؤيا التي رآها أحدهم، ورأى فيها (عمر الخطيب) عليه رحمة الله بعد مماته بأيام، تدل على نهاية لهذا الرجل تبشر بالخير بإذن الله، وأن مغفرة الله ورحمته سيكون له منهما نصيب إن شاء الله. |
فإلى اللقاء في القسم الثاني والأخير من هذا الموضوع. |
للاتصال وإبداء الرأي: |
|