الأصل في المهرجانات أو الكرنفالات أن تُقام للعامة ترويحاً لهم من عناء العام الجاد، فبعد أن تبلورت حقيقتها إلى تلك الأهداف الشعبية أصبحت نفوس الناس تتوق إلى تلك المواسم الاحتفالية لتزيح عن كواهلها ما ترسب من أعباء راكمتها جدية العمل طيلة العام..
تشكلت الصورة النهائية بتلك الاحتفالات وأصبحت شعبية مئة بالمائة، وهدف منظموها إلى التنافس على اجتذاب أكبر عدد ممكن من الناس بعيداً عن حصرها في شرائح أو طوائف معينة لتخلق أجواء من المرح والحرية في المشاركة أو الاستمتاع، لذلك تنافست كبرى الشركات والقطاعات الخاصة على الفوز بالرعاية أو الحصول على زاوية صغيرة تنفذ من خلالها إلى قلوب هؤلاء المحتشدين..
إن إقامة هذه المهرجانات في مواسمها الربيعية أو الصيفية تهدف بالدرجة الأولى إلى جذب المرتادين بانتقاء البرامج الهادفة بأسلوب كوميدي هازل، وعرض الأعمال المتنوِّعة والمنتجات المختلفة انتهازاً لفرصة هذا التجمع الموسمي.
والمفترض في تلك المهرجانات أن تتخفف من القيود وتتاح فيها فرصة التعبير عن الفرح والبهجة بشكل أوسع، لذلك لجأت الجهات الإشرافية إلى تكليف لجان متخصصة من المواطنين يكون من بينهم بعض الموظفين الذين هم أشبه ما يكونون بحلقة وصل بين تلك الجهات والمواطن المرتاد، وكذلك الوقوف الفعلي على المواد المنفذة في برامج هذه المهرجانات لئلا تخرج على الأعراف، ولئلا تتسم بالفوضوية الهادمة.
وقد شهدت محافظة الرس عدة مهرجانات على مدى ربع قرن إلا أنها لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وتراوحت نتائج تلك الاحتفالات منذ بدأت إلى اليوم بين التميّز والتألق والمستوى العادي الذي لم يحقق ما هدف إليه أولئك المنظمون أو تطلع المتابعين، وقد يعود ذلك إلى الأجواء العامة التي تنفذ فيها تلك المناشط، ففي وقت تتضافر فيه الجهود ويجتهد المنفذون للتنويع والإبداع تكون النسبة بارتفاع إلى الأعلى، وفي وقت تحول الظروف المواتية تهبط النسبة إلى درجة عادية يكون العطاء فيها متواضعاً واستجابة الناس وتفاعلهم متدنية، وقد يكون الدعم أحياناً عاملاً مهماً في مراوحة النسبة.
وعلى الرغم من أن هناك بعض المحاولات الجادة من بعض الشباب المتحمسين المخلصين في المحافظة لتذليل العقبات وكسر الحواجز التي تحول دون تنفيذ بعض البرامج الترفيهية، إلا أن ثقة مئة وأربعين ألف نسمة (140000) في المحافظة لم تجد من يكسبها بالمصداقية، أسوة بالمنظمين في نظائرها من المحافظات الأخرى، وذلك يعود إلى نوع البرامج المقدمة واجتهاد القائمين على إعدادها مما يؤدي إلى ضعفها وقصورها في الوصول إلى تطلعات الجمهور الذي يعد معياراً حقيقياً للحكم على النتائج النهائية للعمل، وأحياناً يكون اختيار البرامج بشكل قد ينأى عن الجانب الترفيهي الجاذب، وقد يكون صمت المسئولين وعدم مؤازرتهم لأولئك الشباب عامل إحباط وتخذيل.
هنا قد يضطر المنظّمون إلى الوقوع في شَرَك برامج سلبية ربما تكون ذات مخاطر جسدية، ناهيك عن الأضرار المادية، مثلما رأيناه لدى مهرجان التطعيس والتفحيط الذي عمد إليه المنظمون في محاولتهم الجذب المفتعل للشباب مما دفع الكثير منهم إلى المخاطرة بمركبات جديدة تكون نهايتها التلف التام أو الجزئي، إضافة إلى الإصابات التي يتعرض لها السائقون ومرافقوهم، وقد يطول الضرر بعض المتفرجين أيضاً.. وهذا كله نتيجة عدم التخطيط المدروس لمثل هذه البرامج، وقد يكون هدف المشاركين بعيداً عما رسمه المنظّمون دون أن تتضح لكل منهما النتائج المرجوة، وكل يصل إلى مبتغاه بطريقته الخاصة.
إن ما نرجوه في تلك المهرجانات أن تكون مرسومة بطريقة منظمة انطلاقاً من التوجيهات الرسمية بإشراف لجان سياحية تعي تماماً الأهداف الحقيقية لتلك المهرجانات، ولعلي أجمل أهم تلك الأهداف وآلية العمل فيما يلي:
- السعي إلى إيجاد برامج ترفيهية هادفة كالمسابقات الحركية والعقلية.
- الربط بين التراث والمعاصرة في وضع البرامج ومحتوياتها.
- صبغ تلك البرامج بصبغة الإثارة والجذب والتجدد والحيوية.
- الوقوف على رغبات المرتادين ومحاولة تحقيقها في تنويع البرامج حسب المشارب والتوجهات.
- إشراك المرتادين في تنفيذ البرامج بحيث تكون الفقرات مناسبة لجميع الأعمار والفئات ومتاحة للكل.
- استثمار البرامج السياحية في التعريف بالمعالم والآثار، وإقامة بعض المناشط المعتمدة في أحد هذه المعالم الأثرية.
- إتاحة الفرصة للشخصيات البارزة في تعريف نفسها وإدراجها في برامج الزيارات المنظمة للمرتادين.
- إقامة بعض المحاضرات والأمسيات الشعرية تلبية لاحتياجات الأذواق المختلفة.
- استغلال البرامج السياحية في التعريف بالحِرَف اليدوية وإيجاد أجنحة لأصحابها للعمل والعرض، ودعم البيع دون أخذ رسوم عليهم.
- تشجيع هواة التراث والمقتنيات الأثرية والصور وإفراد أجنحة عرض خاصة لهم، وإدراج زيارات للراغبين من المرتادين للمتاحف المميزة لدى بعض الهواة.
- عرض مصورات ثابتة ومتحركة عن معالم المحافظة في مراكز خاصة لذلك.
- تنفيذ بعض البرامج الفنية المتمثلة في الفنون الشعبية التراثية، كالعرضة السعودية والسامريات، وتشجيع فرق الفنون في عرض ما لديها لكي تتم المحافظة على هذا اللون من الاندثار.
- إيجاد مواقع لتقديم الخدمات الضرورية للمرتادين مع مراعاة المتابعة الجادة لمقدميها لكي لا يغالوا أو يبالغوا في الأسعار.
- الاستفادة من المقترحات والملاحظات التي يبديها الزوار والمرتادون وتوثيقها لتفعيلها لاحقاً كتغذية راجعة للعمل.
(*) عضو مجلس الإدارة في نادي القصيم الأدبي ورئيس اللجنة الثقافية الفرعية بالرس