أطلق على الإنسان الياباني الكائن الخفي. مثل الجن في المملكة تسمع بهم في كل مكان دون أن تراهم. نركب سياراتهم (اليابانيين وليس الجن) ونتبرد تحت مكيفاتهم ونتغنى بمسجلاتهم ونتفرج على أنفسنا في شاشاتهم دون أن نراهم أو نسمع أصواتهم. يتسللون في كل مكان يمكن أن يوجد فيه حضارة بل تعدوا ذلك إلى أن خرجوا مع الخارجين من الحضارة وأمنوا لهم وسائل بقائهم هناك. عندما دخل الأمريكان العراق تنادت الأصوات وتدافع المحللون يباركون لنا العراق الذي سيكون عما قريب يابان الشرق الأوسط الكبير والصغير معاً. فأمريكا صنعت من حطام إمبراطورية أمة عظيمة. حولت أمة مهزومة في غضون أربعين سنة إلى واحدة من أعظم الدول في التاريخ ومن شدة طيبة القلب الأمريكي سمحت أمريكا لليابان أن تنافسها في عقر دارها.

إن ما نعرفه عن اليابان هو ما نعرفه عن الجن. معلومات جمعناها من أفواه المشعوذين المستفيدين من الاتصال التجاري معهم. لم يخرج لنا جني واحد يقول لنا حقيقة وجودهم أو حقيقة تأثيرهم أو حقيقة قوتهم. عندما تقرأ الشعارات العامة: اليابان دولة ديمقراطية. اليابان دولة متقدمة. اليابان دولة راقية والحجة دائماً ماثلة أمامنا لا يمكن إنكارها. سوني وتايوتا ومتسوبيشي إلخ. أمام هذا الزخم الهائل من التكنولوجيا لم يسأل أحد عن المرأة في اليابان؟ عن حقيقة الديمقراطية في اليابان؟ عن تغلغل الخرافة في العقل الياباني؟ عن العنصرية في اليابان؟ من سيصدقك لو قلت إن المرأة في اليابان ما زالت أسيرة العادات القديمة التي تقدس الذكر على الأنثى. من سيصدقك لو قلت إن الديمقراطية في اليابان ليست سوى شعارات زائفة يديرها العسكرتاريا من بقايا إمبراطورية الخرافة. من سيصغى لك إذا قلت إن هذه الإمبراطورية وجدت قبل أن يأتي الأمريكان. بل من شدة الزن الأمريكي نسي الناس أن اليابان قبل الاحتلال الأمريكي كانت دولة عظمى. تصنع الطائرات والسيارات والإلكترونيات وحاملات الطائرات. دخلت مع أمريكا في حرب ضروس على مساحة المحيط الهادي بأسره، دامت حوالي خمس سنوات. من سيصدقك إذا قلت إن هذه الإمبراطورية الضخمة العالمية هي ثمرة ثقافة الإذعان المتوارثة لا ثقافة العمل وقيم الإنتاج. وليسامحني الله إذ أفشيت سراً بقولي إن ما قدمته أمريكا لليابان ليس سوى الفساد السياسي وسياسة الرشاوي وبيئة مدمرة وفردية مختنقة أو معدومة وشهوة استهلاك ودولة تعيش بلا قيادة حقيقية تتخذ قرارات. أما الديمقراطية فيكفي ما قاله عنها أحد الباحثين (ليست إلا أسطورة لا يمكن الدفاع عنها) وأن الذي يقود اليابان هم في الواقع حفنة من بقايا العهد البائد الذي قاد اليابان إلى مأساتها يتبادلون الحكم في بينهم دون تغيير أو حماسة من الشعب الياباني. لم يجد الياباني بعد الاحتلال الأمريكي سوى أن يدور حول الفراغ. كم قارئ سيذهل من هذه الحقائق ولكني أسأله ما هي حدود معرفتك واطلاعك عن اليابان؟.