Al Jazirah NewsPaper Friday  15/02/2008 G Issue 12923
الجمعة 08 صفر 1429   العدد  12923
د. رقية نياز.. أستاذ الدعوة بجامعة البنات بالرياض لالجزيرة):
الأسرة الأساس في استراتيجية مواجهة الفكر الإرهابي والتكفيري

الرياض - خاص ب(الجزيرة):

طالبت الدكتورة رقية بنت نصر الله محمد نياز أستاذ الدعوة المشارك بجامعة البنات بالرياض بوضع استراتيجية شاملة لمواجهة الفكر التكفيري والإرهابي، مؤكدة أن الشباب هو المستهدف من هذه الاستراتيجية، لأن الجماعات الإرهابية تحاول تجنيده، واستغلاله في التدمير والتخريب.

وأضافت: إن استراتيجية المواجهة تبدأ من الأسرة، فالمدرسة، ثم وسائل الإعلام، فالخطباء والأئمة والدعاة.. جاء ذلك في الحوار مع د. رقية بنت نياز.. وفيما يلي نصه:

* كيف ترين خطر الإرهاب على الأمن والاستقرار؟

- الإرهاب والتطرف ذا خطر كبير على أمن البلاد واستقرارها وعلى أمن المجتمع بكل مقوماته، وقد أرجعه كثير من الباحثين إلى الانحراف الفكري والذي يعد من أهم الدوافع والأسباب للعنف والإرهاب. ولذلك لابد من وضع استراتيجية شاملة لمواجهة هذا الغلو والتصدي لهذه القضية المهمة، من خلال استراتيجية تبدأ من الأسرة فالمدرسة فوسائل الإعلام والدعاة والخطباء والأئمة.

* وما هي أهمية هذه الاستراتيجية؟ وكيف يمكن تطبيقها؟

- طرح هذه الاستراتيجية التي تنبع في الأساس من خطورة مشكلة الإرهاب باعتبارها ظاهرة إجرامية تهدد الأمن بمفهومه الشامل خصوصا مع انتشار الأعمال الإرهابية بصورها المختلفة في معظم دول العالم، ليس فقط على مستوى مملكتنا الغالية، ثم يتم تعزيز هذه الأهمية بمكانة مؤسسات التنشئة الاجتماعية وبخاصة المؤسسات الدينية ممثلة في المسجد والدعاة والخطباء والأئمة، والمؤسسات التربوية ممثلة في الأسرة (الأب والأم) والمؤسسات التعليمية ممثلة في مدارس التعليم العام والجامعات وأهمية دورها في تكوين شخصية الفرد وميوله واتجاهاته وسلوكه.

* يقولون: التعرف على الداء الطريق الصحيح لوصف الدواء، فكيف يمكن تحديد جميع الأسباب المؤدية للانحراف الفكري والتطرف لمواجهتها؟

- الكشف عن أسباب الإرهاب وأسباب الانحراف الفكري المؤدي إليه ودور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تحقيق الأمن الفكري، أمر مهم لبناء استراتيجية وطنية شاملة لتحقيق الأمن الفكري في مواجهة الإرهاب مع مراعاة أهمية الاطلاع على الدراسات السابقة التي تناولت هذا الموضوع سواء كانت دراسات تتعلق بالأمن الفكري ومهدداته أو دراسات متعلقة بدور مؤسسات التنشئة الاجتماعية أو دراسات متعلقة بالإرهاب وسبل مكافحته، كما أنه لا بد لي أن أنوه بأهمية أن يتم إجراء مسح شامل لأفراد المجتمع يشترك في هذا المسح فئات المجتمع المعنية والمهتمة بهذا الجانب وذلك بحكم خبراتهم العلمية والعملية ومعايشتهم لما تشهده المملكة والعالم من بعض الانحرافات الفكرية وقدرتهم على تشخيص الوضع القائم وإبداء الرأي حيال هذا الموضوع.

* وماذا عن ركائز هذه الاستراتيجية؟

- ركائز هذه الاستراتيجية يجب أولا أن تناط مسؤوليتها بجهة محددة وتخصص لها ميزانية تستجيب لبرامجها المتعددة، وتندرج في خطط التنمية بوصفها تعالج إحدى الصعاب الأساسية التي تسيء لثوابتنا ومبادئنا وتهدد منجزاتنا ومكتسباتنا التنموية، كما أنها تعد مطلبا ضروريا لإرساء قواعد الأمن الوطني، وإنني أعتقد أن مجلس الأمن الوطني الذي يقوم بأمانته صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، قد يكون الجهة المناسبة التي تضطلع بهذه المسؤولية من خلال القيام بدور إشرافي محاسبي على مختلف المؤسسات المجتمعية فيما يتعلق بتمويل وتنفيذ وتقويم البرامج المتعددة ذات الصلة بمعالجة الإرهاب من حيث رصد شبكاته الداخلية والخارجية وسد منابعه وتجفيف مصادر دعمه المالي وإلغاء روافده الفكرية المتطرفة وبتر أصوله العقدية المنحرفة.

إن خير استراتيجية في مكافحة هذا الداء هو ما أنزله الله تعالى في كتابه العزيز، وما سجله خير البرية - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- في سيرته العطرة قولا وعملا، أمرا ونهيا، كما أكد على ذلك شيخ الإسلام (ابن تيمية) في بيانه لقوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} حيث قال رحمه الله: إذا ترك الناس بعض ما أنزل الله وقعت بينهم العداوة والبغضاء، إذ لم يبق جامع مشترك من الحق يجتمعون عليه، بل ليس معهم من الحق إلا ما وافقوا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما ما ابتدعوه فكله ضلالة.

* أليست التنمية الأسرية هي الأساس في المواجهة؟

- ركائز الاستراتيجية يجب أن تركز على التنمية الأسرية، ومعالجة القضايا الثقافية، والتربوية، والاقتصادية، والاجتماعية المرتبطة بها بما يعزز الوعي والترابط الأسري ويكفل سبل العيش والحياة الكريمة لأفرادها، إذ إن تدني الوعي أو التفكك الأسري وما يصحبه من عوز مادي يهيئ أرضا خصبة لتوليد بعض المنحرفين الذين يسهل التغرير بهم في ممارسة الأعمال الخارجة عن القانون على وجه العموم أو ربما يسهل تجنيدهم في منظومة العمل الإرهابي على وجه الخصوص.. خصوصاً لدى فئة المراهقين واليفع مما يتطلب إيجاد برامج خاصة بهذه الفئة.

* وماذا عن إصلاح المنظومة التعليمية؟

- يجب أن تتضمن ركائز الاستراتيجية إصلاح المنظومة التعليمية ولا سيما ما يتعلق باختيار كوادرها القيادية وهيئاتها التدريسية وتطوير برامجها ومناهجها الدراسية ولوائحها وصلاحيتها الإدارية في إطار مفهوم التربية للمواطنة إضافة إلى تعزيز الثقافة التنظيمية في المؤسسات التعليمية التي تنبذ الفكر المتطرف وترفض الغلو والتعصب أو الإقصاء أو التهميش وتدعو إلى الحوار واحترام الرأي في إطار الوسطية والاعتدال لشريعتنا الإسلامية السمحة.

* الدور الكبير الذي تقوم به المؤسسات الدينية في بناء وتطبيق هذه الاستراتيجية، كيف يتحقق؟

- هنا أود التأكيد على أهمية أن تنال المؤسسات الدينية نصيبا من ركائز الاستراتيجية حيث تركز على الدور المحوري للعلماء وأئمة المساجد في تبصير جميع شرائح المجتمع بمزاعم وافتراءات الفكر التكفيري بأسلوب مقنع ومشوق، ومدى أهمية تأهيل وتدريب وتطوير قدرات الأئمة والدعاة بمنهج إسلامي أصيل بعيد عن غطاء التأويلات التحريفية للإسلام والتي يسوق لها بعض من ينادي بإدراج المسلمين في العولمة الثقافية التي تذكر من بعضهم تصريحا أو تلميحا بقصد أو بدون قصد خصوصاً وأن هذه العبارات والإشارات قد تضر بالأمة.. وإنني لأود الإشارة إلى أهمية تغيير لغة الخطاب الديني والتعامل مع مشكلات المجتمع وفقا للتطورات الحديثة التي أدخلت عليه.

* وما هو دور المؤسسات الإعلامية؟

- دور المؤسسات الإعلامية التي يجب أن تتضمنها ركائز الاستراتيجية بوصف هذه المؤسسات أداة تربوية جماهيرية ذات تأثير واسع النطاق، وبما يعزز الشفافية والمصداقية وتتيح تعدد الآراء ووجهات النظر مع توظيف قنوات الإعلام وتقنية الاتصال بما يحقق أهداف الاستراتيجية في مواجهة الإرهاب والغلو والتطرف.

* البعض يرى أن للمستوى الاقتصادي دوره في مواجهة الإرهاب؟

- المنظور الاقتصادي جانب مهم جدا بين ركائز هذه الاستراتيجية ومعالجة البطالة في أوساط الشباب والعمل على إيجاد فرص عمل مناسبة لهم.. كذلك فإن كبح جماح الفقر يعد من أهم العناصر التي تساعد على مواجهة الظاهرة، حيث أصبحت البطالة والفقر هما الخطران الذين يهددان مجتمعنا.. وأحب أن أشيد في الوقت نفسه بالجهود التي تقوم بها حكومتنا الرشيدة أيدها الله في مواجهة ذلك، ووضع خطة عاجلة للسنوات الخمس القادمة لمعالجتها والعمل على رفع مستوى معيشة الأفراد وذلك عن طريق زيادة الدخل وتوفير فرص العمل وغرس الثقة في نفوس الأفراد والقدرة على تحقيق طموحاتهم، وأخيرا أحب أن أشير إلى ركيزة مهمة في هذه الاستراتيجية تتعلق بضرورة حماية المجتمع من التمييع الثقافي العولمي ذلك أن بعض من يغذي الإرهاب طائفة من أولئك المطالبين والساعين إلى تمييع الدين وبذل الأسباب المؤدية إلى فساد المجتمع وتغريبه من دعوة إلى سفور المرأة وابتذالها وتقديس للكافر ورفع لشأنه، فلا يجد هذا الشاب المندفع من يردع تلك الطائفة، فتتلقفه أيدي العابثين من أصحاب الأفكار الغالية والمواقف المتطرفة، وهذا كما ذكره عدد غفير من الذين رجعوا إلى طريق الصواب بعد نصحهم ومناقشتهم.

* وما كيفية تفعيل دور كل فرد من أفراد المجتمع في المواجهة؟

- لابد أن نعترف جميعا بأن مواجهة الغلو والإرهاب والتطرف عن طريق الجهات الأمنية لا تكفي وحدها وبالرغم من النجاحات المتميزة التي حققتها في التصدي لهذه الظاهرة والذين يكن لهم المجتمع كل التقدير والاعتزاز للتضحيات الكبيرة التي يقدمونها، وفي مقدمتها بذل أرواحهم كشهداء للواجب -تغمدهم الله بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جناته- وإنني هنا لا بد أن أشير إلى أهمية تضافر جميع الجهود وعلى رأس هؤلاء أهل الحل والعقد ومسند هذا قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}.

وكذلك المؤسسات المجتمعية والمواطنون فردا فردا جنبا إلى جنب مع المؤسسة الأمنية وفي مقدمتها المؤسسات الأسرية والتعليمية والدينية والدعوية والإعلامية والترفيهية والاجتماعية والبلدية بوصف تلك المؤسسات ذات تأثير كبير على التنشئة الاجتماعية للناشئة من أبناء هذا الوطن.

إننا نعيش في بيئة مليئة بالفتن والأخطار وسرعة إيقاع الحياة وزيادة مشاغل الآباء والأمهات عن أبنائهم وتركهم الساعات الطوال.. فالأب يعمل والأم تعمل والأبناء في واد آخر كل له فكره الخاص الذي يروق له... إنني هنا أطالب بدور اجتماعي فاعل لمواجهة ظاهرة الغلو والتطرف والإرهاب وهو دور طالما تحدث عنه علماء الاجتماع كثيرا ولكنه يظل مهما في سبيل مواجهة هذه الظاهرة، كما أنادي أيضا بدور المواطن وذلك بالإبلاغ عن وجود مثل هذه الفئات الضالة لأن دور المواطن في هذا الموضوع بالذات هو أمر حيوي.

* وهل للمواطن دور في تحقيق استراتيجية مواجهة الإرهاب؟

- للمواطن دور مهم في ذلك، ولا بد أن يفعل دوره في المجتمع من خلال:

أولاً: تنمية الروح الإسلامية السمحة والأخلاق الفاضلة وحب الوطن حيث إن الإسلام دين يحث على الإيجابية.

ثانياً: التنويع في الثقافة التعليمية ضمن أطر الشريعة الإسلامية السمحة.

ثالثاً: إحياء المبدأ الإسلامي الأصيل حول قيم المودة والعشرة الحسنة مع الأقرباء والغرباء على حد سواء.

رابعاً: التركيز على مقاصد ديننا الإسلامي مثل أن الدين يسر لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وعن أبي موسى قال قلت: (يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟) قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده) ومن هذا القبيل تعظيم دماء الناس وحرمة إراقتها والاعتصام بالتماسك وعدم التفرق، لقد ضيق بعض المسلمين سعة الإسلام وفي شأنهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هلك المتنطعون) قالها ثلاثا أي هلك الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم صحيح مسلم.

خامساً: فتح قنوات الحوار الثنائي والجماعي بين الوالدين والأبناء في فترات منتظمة.

سادساً: العناية بدور تحفيظ القرآن الكريم لأنها المحاضن التربوية القائمة على النهج الإلهي القويم العالم مما يصلح الأفراد والمجتمعات، وهذا امتثال لقوله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.

سابعاً: التأكيد على حب ارتياد المساجد وحلقة العلم الشرعي ومصاحبة أهل الخير والصلاح لأن المرء على دين خليله.

ثامناً: ملء الفراغ بأنشطة نافعة ومتنوعة حسب ميول الأطفال والمراهقين والشباب.

تاسعاً: تفعيل دور هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع والاعتراف بالدور الحيوي لهم في مكافحة هذا الفكر المظلم من خلال قيامهم بعمل ندوات ومحاضرات مستمرة لمعالجة هذه القضايا ومن خلال الكشف عن أوكار وخلايا وشبكات تجمعات الشباب المنحرف وأماكن الفساد التي قد تثير بعض الشباب الملتزم أو المتشدد وتسبب اضطراباً لهم، بل قد ترفع من غضبه على مجتمعه، وقد يسوقه إلى الفكر المنحرف في معالجة هذه القضايا بدلا من الأخذ بتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة.

عاشراً: تبصير الناشئة بأساليب المكر والخداع التي يستخدمها أصحاب الغلو والتطرف.

الحادي عشر: الاستفادة من كتب أصول التربية في تثقيف الشباب وتوجيههم لأنها تقدم ثمرة العلوم النفسية والاجتماعية والتاريخية في موضوع التنشئة الصحيحة والشخصية المتزنة وأساسيات التغيير والتعبير.

الثاني عشر: الإيمان الواعي بأهمية الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر كآلية للتعايش والانفتاح مع مؤسسات المجتمع المدني كافة.

الثالث عشر: التعامل الشرعي العادل مع المتطرفين والمهتمين بهذا الفكر في سجنهم، والتحقيق معهم ونصحهم ومعاقبتهم، ومتابعتهم مع إعطائهم فرصة لإصلاح أنفسهم والعودة إلى الجادة السليمة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد