Al Jazirah NewsPaper Saturday  16/02/2008 G Issue 12924
السبت 09 صفر 1429   العدد  12924
سياسة المستقبل
عبدالعزيز السماري

...هل يمكن لأمة أن ترسم مستقبلها إذا شاءت..؟ أو أن

تستطيع رؤية ملامح زمنها القادم، أم أن مستقبل أيامها لم يعد قابلاً للإصلاح، أو أحسن مما كان وصار ينحى في اتجاه الأسوأ ثم الأسوأ فالقافلة تجاوزت مراحل المراجعة أو القدرة على إحداث التغيير،

أي في اتجاه طريق اللا عودة، وأن الأمل لم يعد يلوح في سماء المستقبل كما كان في سالف الزمان.. حين كانت الظروف مهيأة على أرض الواقع لتحقيق الاستقرار الحقيقي..؟

منذ أوائل القرن الماضي، ودعوات الالتحاق بركب الحضارة في عالم العرب شرق المتوسط وجنوبه تتوالى منذ كتب رفاعة الطهطاوي كتابه الشهير (تخليص الإبريز في تلخيص باريز)، والذي تأسست فكرته على التحرك في التفاعل مع الحضارة الغربية وأخذ ما لا يتعارض مع مقاصد الإسلام ومبادئه.. كان هدفه هو (أن يوقظ سائر بلاد الشرق.. كي يبحثوا عن العلوم والفنون والصنائع وهي التي كان لها ببلاد الإفرنج ثابت شائع، والحق أحق أن يتبع)، كما وصف أولئك الذين يرفضون الأخذ بالعلوم الأوروبية، بأنهم (واهمون؛ لأن الحضارات دورات وأطوار، وهذه العلوم قد كانت إسلامية عندما كنا نعيش عصر نهضتنا فأخذتها عنا).

لكن الشيخ - رحمه الله - حصر الدعوة لنقل العلوم في الفنون والصنائع، ولم يذكر علوم النظم السياسية - إن صح التعبير - كأرفع وأهم فنون الإدارة، فبدون هذا العلم الاستراتيجي لا تستقيم الأمور، ومع تراكم نقل العلوم والفنون والصنائع يزداد حمل العربة، وتكثر شئونها، وتعظم إدارة تفاصيلها.

كُتب على عصور الدولة في تاريخ العالم العربي والإسلامي أن تكون مثل مراحل عمر الإنسان، في شبابه تظهر القوة على مظاهره، وفي اتخاذ قراراته، وفي اندفاعه في اتجاه الحياة، وإذا ظهرت ملامح الكهولة على محياه، تبدأ رحلة الأفول تدريجياً من الحياة الدنيا.

كذلك هو حال الدولة في عالم الشرق.. فالعجز يظهر على ملامحها وعلى قدراتها، وتزداد شيخوخة أكثر عندما ترفض قبول منطق التاريخ، وأن العقلانية هي سيدة الموقف، وأن نقل العلوم كل لا يتجزأ، وأن تحديث الأنظمة السياسية ضرورة كما هو الحال في الاقتصاد والتكنولوجيا وعالم الإدارة والصحة والزراعة، وغيرها من مجالات الحياة في المجتمع، وأن قبول مبدأ التطور ومواكبة تحديث العلوم الأخرى هو إكسير الحياة الأبدي للدولة، وأن الممانعة ضد التغيير وتطوير الأنظمة الإدارية وتحديث ميكانزيم القرار هو الإنذار ببدء التدهور في خلايا الجسد السياسي.

رحم الله الشيخ علي عبدالرازق؛ فقد أطلق في بداية القرن العشرين عياراً من الوزن الثقيل في وجه التاريخ العربي الإسلامي عندما أصدر كتابه الشهير (الإسلام وأصول الحكم)، ونادى بضرورة المضي في طريق تطوير أنظمة الحكم، والكف عن لطم الخدود ندماً على سقوط نظام الخلافة في تركيا؛ فنظام الخلافة لا يستطيع أن يصمد في وجه تطور الفكر الإنساني، لكن نداءه صار طريداً، وكان مصيره قاعات المحاكم؛ ليصبح الشيخ في موضع المرتد الذي تجب استتابته؛ وبهذا سقطت أول محاولة لرفع القدسية عن تقاليد النظام السياسي العربي أو الإسلامي، ثم إدراجها كأحد علوم وفنون الإنسان في الحياة.

تلقين الشعوب العربية القراءة المقدسة أو المثالية أو الوجه الحسن في تاريخ العرب والمسلمين هو الذي يقود المجتمع في الوقت الحاضر إلى التطرف الديني؛ فالتطرف الديني الذي تغذيه الشعوب أولاً يرمي باللائمة على الأنظمة العربية بمسؤولية التخلف الحضاري والفساد، وأن الحل هو في الرجوع إلى نهج القرون الأولى الرباني بكل ما تحفل به من قيم أو تقاليد للحكم السياسي.. ولعل غياب الثقافة العامة عن المناهج الدراسية وخلوها من فصول تتناول مراحل تطور الفكر السياسي في التاريخ هو أحد أسباب غياب الواقعية في الخلاف السياسي الجاري بين السلطة في الدول العربية وبين تيارات المعارضة؛ فالحل لديهم يكون دائماً جذرياً، وأن الفوضى وإعادة البناء من جديد هو سبيل الخلاص من حالة الكهولة السياسية.

مصطلح (السياسة) مفردة عربية خالصة، وفيه جزء من الإشكالية، وأجزاء من الحل، والمفردة جاءت من: ساس الخيل؛ أي رعى شؤونها من أجل ترويضها أو تهدئتها من أجل السيطرة على انفعالاتها، وإشعارها بالأمن لغرض احتوائها. والمستقبل فرس بري بلا عنان ويحتاج إلى مروض ماهر لا يكل ولا يمل من تسويسه ومداراته وإشعاره بالأمن الذي يجعله في مختلف الأحوال مطيعاً له، لكن الذي تبدل في هذا العصر أن مهارات الترويض تطورت وصارت لها أساليب إدارية حديثة، ولم تعد (قطعة السكر) كافية لكبح جماح فرس الرهان على المستقبل.









لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد