Al Jazirah NewsPaper Sunday  17/02/2008 G Issue 12925
الأحد 10 صفر 1429   العدد  12925
كاتب أمريكي ينتقد سياسات بلاده التوسعية

الكتاب: How Hubris, Ideology, and Greed Are Tearing America Apart

المؤلف: Patrick J. Buchanan

الناشر: Thomas Dunne Books/St. Martinصs Press

تنبع أهمية هذا الكتاب من كون مؤلفه أحد الشخصيات السياسية الشهيرة في الولايات المتحدة. فهو من قدامى المحافظين، وعمل مستشارا لثلاثة رؤساء أمريكيين، وخاض معركة الترشيح الرئاسي عن الحزب الجمهوري مرتين في عامي 1992 و1996، وألف ثمانية كتب معظمها عن إصلاح الحياة السياسية في الولايات المتحدة. وهو من أشد المعارضين للتوسع الإمبريالي للولايات المتحدة، ويقول في كتابه هذا إن أمريكا يجب أن تقتصر على كونها جمهورية وليست إمبراطورية، وتنبذ سياسات اليمين الأمريكي التي تتبنى مبدأ هيمنة أمريكا على العالم.

وقد شارك المؤلف أيضاً في إعداد بعض البرامج الحوارية لأشهر شبكات التلفاز الأمريكية، ويركز في كتابه بصورة أساسية على كيفية توفير الحماية للولايات المتحدة في الداخل والخارج، مشيرا إلى أن الأيدلوجيات المتصارعة، الناتجة عن التنوع الثقافي والديني للشعب الأمريكي أدت إلى تمزيق أمريكا. وهو ينتقد العجرفة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع العالم، والأطماع الشخصية لبعض السياسيين الأمريكيين.

ويؤكد باتريك بيوكانان في كتابه هذا الذي صدر بعنوان (يوم الحساب) أن أمريكا تتمزق من الداخل بسبب الصراعات العنصرية والطبقية والثقافية، وأن بعض القوى الداخلية والخارجية تستهدف إنهاء سيادة الولايات المتحدة واستقلاليتها. ويرى المؤلف أن سياسات الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش أدت إلى كوارث استراتيجية في الخارج وانقسامات في الداخل، وأن الأيدلوجيات الأمريكية أصبحت مثل عجل بني إسرائيل الذهبي، صنما زائفا، ووهما علمانيا يتسم بالغرور والخيلاء وينشد خلق جنة وهمية على الأرض، مثلها في ذلك مثل الماركسية، دون أن تحقق أية نتائج إيجابية للولايات المتحدة.

ورغم أن تشجيع الاستثمارات والمشروعات الحرة أمر جيد فإن المؤلف يعتقد أن التجارة الحرة (شريعة مجنونة) تعمل على تقويض الدولار الأمريكي، وتفريغ أمريكا من إنتاجها الصناعي، وإنهاء الاستقلالية الاقتصادية للبلاد. ومن حق الولايات المتحدة في نظره أن تقف إلى جانب الحريات الشخصية وسيادة الدولة الأمريكية، ولكن يجب عليها في الوقت ذاته ألا تنصب نفسها شرطيا على العالم، وألا ترى نفسها حامية لما تطلق عليه (الثورة الديمقراطية العالمية)، وهو ما يصفه بأنه وهم كبير، مدللا على صحة نظرته بما يحدث الآن في العراق.

ومن واجب أمريكا في اعتقاد المؤلف أن تقف إلى جانب حقوق الإنسان، والدفاع عنها في مختلف أنحاء العالم، غير أنه يرى أن أمريكا تجاوزت ذلك إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ضاربا المثل على ذلك بمحاولة أمريكا دعم بعض مؤسسات حقوق الإنسان داخل روسيا. ويهاجم المؤلف بشدة سياسات الهجرة الأمريكية التي أدت في نظره إلى خلق مجتمع غير متجانس يحتوي على الملايين من المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين الذين ينحدرون من كل ثقافات وعقائد وقارات ومناخات ولغات الأرض، ومن ثم يتساءل كيف يحلم الأمريكيون بأن يظلوا دولة واحدة متماسكة بعد كل هذا؟

وهو يرى أن الحفاظ على تماسك الولايات المتحدة، وإنقاذها من الأوضاع الداخلية والخارجية التي تجد نفسها فيه، لا يمكن أن يتم إلا بإبعاد ذوي الأيديولوجيات من حكام أمريكا وصناع القرار فيها من كلا الحزبين، الذين يصفهم بأنهم يوشكون على (تدمير) الولايات المتحدة. فقد تسببت حرية التجارة في نظره في إغراق الاقتصاد الأمريكي، كما يشهد سوق العمل اختفاء وظيفة واحدة على الأقل من كل ست وظائف في مجال التصنيع. ويحذر المؤلف مما يسميه (الغزو العالمي الثالث) القادم من المكسيك، ويرى أن خطره على بقاء الولايات المتحدة أكبر من الخطر الذي يمثله التورط الأمريكي في العراق وأفغانستان.

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية يقترح بوكانان أن تنسحب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، وأن تتخلى عن تعهداتها لتايوان وكوريا الجنوبية ومختلف مناطق العالم التي تتورط فيها القوات الأمريكية حاليا، وتتمركز فيها بأعداد كبيرة. ويؤكد أن (الإرهاب) هو ثمن الإمبراطورية، وأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر يعود إلى التوسع الإمبراطوري لأمريكا، وأن (الإرهابيين) جاءوا إلى هنا (أي إلى أمريكا) لأننا ذهبنا إلى هناك (أي إلى الشرق الأوسط).

والتنوع العرقي والديني والثقافي في أمريكا ليس مصدر قوة في نظر المؤلف، بل مصدر خطر كما يشير إلى ذلك في أكثر من موضع في الكتاب. وهو في اعتقاده مقترن بالخطر القادم من الجنوب، أي الهجرة القادمة من المكسيك وأمريكا اللاتينية، ولذلك فهو يقترح سياسة هجرة تؤدي إلى تقوية أمريكا من وجهة نظره، بأن تعمل الولايات المتحدة على المحافظة على أصولها الأوربية المسيحية البيضاء بمراقبة حدودها وتنظيم الهجرة بأي طريقة تراها ملائمة. ويضرب مثلا على خطورة هذا التنوع بمذبحة معهد فيرجينيا التقني، الذي قام فيه طالب من أصل آسيوي بقتل العشرات من زملائه، فيما عرف بمذبحة (فيرجينيا تك).ويرى المؤلف أن الحفاظ على وحدة أمريكا من الداخل أهم من تقوية نفوذ أمريكا في الخارج وهيمنتها على العالم، ولذلك فهو يدعو إلى سياسة خارجية أقل تدخلا وأقل ميلا للنزعة العسكرية والإمبريالية.

ويشتمل الفصل الأخير من الكتاب على خلاصة لما يراه أفكارا من أجل حماية أمريكا من الانحدار إلى نهايتها، حيث يطالب بمراجعة شاملة لكل التزامات أمريكا منذ حقبة الحرب الباردة، ويقدم برنامجا من عشر نقاط لتأمين الحدود الأمريكية، وأفكارا لوقف تآكل السيادة القومية الأمريكية واستعادة تفوق أمريكا في مجال التصنيع واستقلاليتها الاقتصادية، ومعادلة لإيجاد حلول لفرض (حرب باردة) جديدة، ولكن في المجال الثقافي.

ويعرض المؤلف برنامجا يراه ضروريا لمواجهة المشكلات الأخطر في الولايات المتحدة، ومنع حدوث ما يراه بوادر تفكك يلوح في الأفق، مستشهدا بعبارة للرئيس الأمريكي الأسبق تيودور روزفلت، الذي وصف التعدد العرقي في الولايات المتحدة بأنه (غابة متشابكة من القوميات المتشاحنة). وينبه المؤلف إلى أن فترة هيمنة الولايات المتحدة على العالم توشك على الانتهاء، وأن حقبة الصراع على الهيمنة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا الناشئة والإسلام الراديكالي قد بدأت، كما يحذر من (بلقنة) أمريكا، في إشارة إلى الانقسامات العرقية بين طوائف البلقان، التي أدت إلى تفكك يوغوسلافيا ونشوب حرب البلقان بين البوسنة والهرسك من جهة والكروات والصرب من جهة أخرى.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد