Al Jazirah NewsPaper Thursday  28/02/2008 G Issue 12936
الخميس 21 صفر 1429   العدد  12936
المحرومة.. المظلومة.. الغلابة.. المغتصبة.. تعددت الأسماء والحيّ واحد
أمر سامٍ كريم معطل منذ 19 عاماً.. رد الوزارة أتى بعد تسع سنوات.. والمياه تنتظر المخطط!

«الجزيرة» - فهد الغريري

الغلابة، المظلومة، المحرومة، المغتصبة.. تعددت الأسماء والحيُ واحدُ، إنها حكاية الحي الذي يشكل علامة استفهام كبيرة عند قاطنيه قبل أن تكون عند المارين به وهم غالباً ما يمرون به صدفة ليفاجئهم منظر هذا الحي الذي يشبه هجرة اقتلعت من البادية وغرست في شمال الرياض، حيث الأحياء الراقية ومن بينها الحي الذي تقع فيه هذه البقعة: (المرسلات).

أهالي الحي يرفضون بعض هذه الأسماء ويقبلون ببعضها على مضض، يقولون إن (المغتصبة) اسم يسيء لهم فهو يشير إلى أنهم قد اغتصبوا الأرض وهذا ما يرفضونه بتاتاً فهم قد قطنوها منذ أربعة عقود كانوا مع آبائهم قبلهم وأولادهم بعدهم ينطلقون من هذه الأراضي لخدمة الوطن في مختلف القطاعات يوم أن كانت هذه البقعة تعتبر أرضاً خالية على مشارف الرياض.

في عدد الأمس سلطت «الجزيرة» الضوء على أزقة الحي الضيقة وبيوته المتهالكة، واستمعت إلى هموم الآباء التي تدور حول راتب ضئيل مقابل مصاريف كثيرة على أساسيات يدفعون مقابلها المال الكثير عكس من يعيشون في الأحياء الراقية، كالماء والكهرباء والصرف الصحي وغيرها، وكذلك الأطفال الذين بدا أنهم لا يحفلون بمسيرة الكفاح التي عاشها آباؤهم مع أجدادهم، فهم قد تفتحت أعينهم على أحياء راقية يقطنها زملائهم في المدرسة فيما هم يعودون كل يوم ليخوضوا في مستنقعات الماء والشوارع الترابية في طريقهم إلى منازل شعبية بنيت من الخشب والبلوك.

اليوم ننتقل لنقلب الأوراق الرسمية لنرى ما هي المساحة التي احتلته هذه الهموم في قلب ولي الأمر الكبير المعطاء، ولنقف على حجر الطريق الطويل الذي تعثرت عنده أحلام المساكين، فإذا هم يحاولون زحزحة هذا الحجر مرددين مع ولي أمرهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهو ينبه بأن الخير كثير من عند الله وأنه ليس هناك عذر لأي تقصير من أي مسؤول في حق المواطن.

تردي الحالة الأمنية

هذا الوضع الصعب الذي يعيشه الحي أسهم في تردي الحالة الأمنية، حيث اشتكى أهالي الحي من انتشار السرقات، يقول أبوماهر: تحدث الكثير من السرقات في الحي حيث يتفاجأ أصحاب المنازل وخاصة المسافرين منهم عند عودتهم بأن منازلهم قد تم اقتحامها وسرقة بعض ما فيها من مقتنيات.

من يعرف البيوت الشعبية ستكون لديه فكرة عن سهولة سرقتها، البيوت من دور واحد فقط وليس هناك أسوار وهي متلاصقة ببعضها البعض مما يعني أن قفزك إلى سطح أحدها سيسهل عملية الانتقال إلى بقية المنازل.

ولكن أهل الحي لا يستيطعون تحديد هوية العصابات التي تسرقهم، يقول سعد الحربي: أغلب الظن أنهم من أبناء الحي فهم وحدهم من يعرف الممرات الضيقة النافذة وغير النافذة ويعرفون البيوت التي تستحق السرقة والأسر الموجودة والغير موجودة!

أطفالنا تأثروا سلبياً

في نهاية الجولة طرح أهالي الحي الذين التقتهم (الجزيرة) عدداً من التساؤلات وبثوا شكواهم، يقول حمود العمري: ابني يسألني إن كانت الحكومة لا تحبنا وعندما استوضحت مراده بدأ يقارن بين منازلنا والمنازل في الأحياء المجاورة ويشير إلى افتقادنا للخدمات الأساسية، ويضيف أبوماهر: أولادنا تأثروا نفسياً وكرهوا الحي والبيت بسبب ما يلاقونه من سخرية وكلام من قبل بعض زملائهم حيث يقول بعضهم: أنتم فقراء ومساكين والمفروض ما تدرسون معنا في نفس المدرسة!

وقال سعد الحربي: الأحياء المجاورة ينظرون لنا بفوقية وعدم احترام ويعتبروننا أقل مستوى وقد لمسنا ذلك من الانقطاع في العلاقات وعدم التواصل كما لمسناه عن طريق الأبناء في المدارس.

وعندما سألت العمري عما قاله لي الشاب معيض المطيري عن امتلاك بعض سكان الحي لفلل في أحياء أخرى قال العمري: لا أعلم إن كان ذلك صحيحاً، أعرف أحد الجيران امتلك بيتاً وهو الآن يستعد لمغادرة الحي.

ويستغرب العمري من هذا الشخص الذي يمتلك بيتاً في حي أفضل تصل إليه كل الخدمات ويعيش هنا! ولكنه يبرر: ربما ظروف المعيشة وعدم كفاية المعاش التقاعدي للصرف على الأسر الكبيرة تضطر البعض إلى تفضيل العيش هنا والاستعانة بمبلغ الإيجار لتلبية حاجات أسرته.

الأمر السامي الكريم ينتظر

في عام 1408 هـ صدر أمر سامي كريم يقضي بالتالي: (حصر البيوت الشعبية المقامة بالتعدي على الأرض الحكومية بحي المرسلات بالرياض، ومنح أصحابها مواقع بيوتهم وإعداد مخطط تهذيبي للحي وإزالة ما تقتضيه الضرورة من تلك البيوت وتعويض أصحابها عن الأنقاض فقط، ويمنح أصحاب البيت المزال قطعة أرض سكنية في موقع آخر بمساحة 625م2).

ابتهج أهل الحي كثيراً بهذا الأمر، ولكن يبدو أنهم استعجلوا، مرت سنة تلو أخرى وهم ينتظرون، تسع سنوات عاشها أهل الحي في انتظار تنفيذ القرار السامي، وفي عام 1417 هـ أتى الرد من وزارة الشؤون البلدية والقروية في خطاب موجه إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله استناداً إلى الأمر السامي الصادر قبل تسع سنوات، مبيناً أن لجنة مكونة من إمارة منطقة الرياض وأمانة مدينة الرياض قامت بحصر البيوت ثم قامت الأمانة بدراسة المنطقة للتوصل إلى النتيجة التالية: (البيوت مقامة بجوار أحياء سكنية حديثة ومنشآت حكومية هامة كالمساحة العسكرية وسلاح الإشارة وبعض المرافق التابعة لوزارة البرق والبريد والهاتف، وقد شيدت تلك المساكن بطريقة عشوائية تفتقر إلى الكثير من المقومات الأساسية التي تسمح بتوفير الخدمات الضرورية لها، وأظهر الحصر أن عدد المساكن (301) مسكن ومعظم مساحاته أقل من (100م2) منفذة بالخشب والبلوك، وتوجد بينها ممرات ضيقة متعرجة يصل عرض بعضها إلى متر واحد فقط، ومعظمها ينتهي بنهاية مغلقة مما يمنع إيصال الخدمات مثل الزفلتة والنظافة والتمديدات الأرضية لشبكات الكهرباء والصرف الصحي والمياه والهاتف).

وتضمن خطاب الوزارة ثلاثة حلول أسفرت عنها الدراسة، وأوصت الوزارة بتبني الحل الثالث وهو: (الاستفادة من الفراغات الموجودة في الحي وذلك بتخطيطها وتوزيعها على مجموعة من الملاك يتم إخلاؤهم لبيوتهم القديمة لتهدم وتخطط وتوزع على مجموعة أخرى، وهكذا حتى يتم الانتهاء من تهذيب الحي على مرحال متتابعة والوصول في النهاية إلى حي متناسق ومتجانس مع الأحياء المجاورة).

وأشار الخطاب إلى أن هناك (31 بيتاً) يتم منح ملاكها أراضي بالمساحة المشار إليها في الأمر السامي في مواقع أخرى غير محددة، كما أكدت الوزارة أن المخطط الجديد للحي تم إعداده وهو جاهز للتنفيذ مرحليا مع توقع الانتهاء من تنفيذ هذا المخطط خلال سنة واحدة فقط من بداية التنفيذ الفعلي، مع الإشارة إلى موافقة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز على هذا الحل وأن سموه يرى الرفع للمقام السامي لأخذ الموافقة على ذلك.

وخطاب آخر معطل!

وفي عام 1417 هـ تم توجيه خطاب من قبل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وكان في وقتها النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وتم توجيه هذا الخطاب إلى معالي وزير المالية والاقتصاد الوطني بخصوص: (تضرر المرافق الحكومية المجاورة للبيوت الشعبية المقامة بالتعدي على الأرض الحكومية بحي المرسلات وهي المساحة العسكرية وسلاح الإشارة ومجمع وزارة البرق والبريد والهاتف) حيث تضمن الخطاب التوجيه بتشكيل لجنة من وزارة الدفاع والطيران ووزارة المالية والاقتصاد الوطني ووزارة الشؤون البلدية والقروية: (لتقدير المبالغ اللازمة لنزع ملكية الحارة الشعبية ومن ثم تدبير المبالغ اللازمة لذلك (... وقد جاء رد وزارة الشؤون البلدية والقروية على خطاب سموه بالإشارة إلى الأمر السامي الكريم الصادر في 1408هـ وما جرى من رد عليه في تاريخ 2-9-1417 هـ قبل خطاب سموه باثنين وخمسين يوما تقريباً).

نريد الماء فقط!

(في الأحياء المجاورة يصل الماء إلى البيوت الفخمة بأرخص الأسعار بينما ندفع نحن ذوي الدخل المحدود قرابة 1500 ريال سنوياً لأصحاب الصهاريج) هكذا قال أبو فواز بحسرة، مرت السنوات وأهالي الحي في انتظار البدء بتنفيذ المخطط الذي لن يستغرق إلا سنة واحدة فقط إذا بدأ التنفيذ الفعلي، ولكن هذا البدء لم يأت حتى الآن.

وفي عام 1422هـ أي بعد مرور خمس سنوات من الوصول إلى الحل المقترح، واثنين وعشرين عاماً من توجيه الأمر السامي الكريم، صدرت التوجيهات لمصلحة المياه والصرف الصحي بمنطقة الرياض بتنفيذ شبكة مياه مؤقتة للحي المذكور، وأيضاً طال انتظار أهل الحي لتنفيذ هذا التوجيه الكريم، وتوجهوا بخطاب إلى معالي وزير المياه في وقتها الدكتور غازي القصيبي يطالبون فيه بإيصال المياه إلى الحي، حيث وجه معاليه بدوره خطابا بتاريخ 21-8-1423هـ إلى مصلحة المياه والصرف الصحي بمنطقة الرياض بالنظر في شأن برقية الأهالي، وقامت المصلحة بالرد على خطاب معاليه رداً حمل بين سطوره الكثير من علامات الاستفهام، حيث أشار خطاب المصلحة إلى أنه استجابة لتوجيه سمو أمير مدينة الرياض عام 1422 قامت المصلحة بتوجيه مقاول مشروع تنفيذ شبكات المياه للبدء في استخراج الفسوحات اللازمة للتنفيذ، ويقول الخطاب: (إلا أنه لم يتم إعطاؤه هذه الفسوحات من قبل مكتب التنسيق والمتابعة بالأمانة بسبب إعادة دراسة تخطيط الحي).

وأفاد الخطاب أنه تمت مخاطبة سمو أمين مدينة الرياض بهذا الخصوص، وأن سموه أفاد المصلحة بأن: (الأمانة تعمل على استكمال دراسة تخطيطية شاملة لمعالجة الوضع العشوائي للمباني القائمة بالحي المذكور بما يتلاءم والأحياء المحيطة به وأن ذلك يتطلب بعض الوقت لإنهاء الدراسة)، كما أشار الخطاب إلى أنه تمت مخاطبة مدير عام التخطيط العمراني بأمانة مدينة الرياض لطلب التخطيط الجديد للحي المذكور حال استكماله، ويضيف الخطاب: (ولم يصلنا التخطيط الجديد للحي المذكور حتى تاريخه).

من المسئول؟

وعند سؤالهم عن من هو المسئول في نظرهم؟ وماذا يعتقدون السبب في هذا الوضع الذي يعيشونه وتأخير تنفيذ الحلول المقترحة والمنصوص عليها عبر الأمر السامي والخطابات الحكومية، أجمع الحاضرون من سكان الحي على أنهم لا يعرفون وأن المسألة محيرة بالنسبة لهم، يقول العمري: الغريب في الأمر أن الحي الذي بجانبنا وهو حي حديث مليء بالبيوت الفخمة بل والقصور يسمى (حي الأمانة) ويقصد به أمانة مدينة الرياض حيث يسكن فيه الكثير من المهندسين والموظفين المنتسبين للأمانة. وعلق نايف الحربي: ربما المسئولون لا يرون الحي لأن الأحياء المجاورة مرتفعة فهي تخفي حيناً، ومبانينا ذات الدور الواحد، وقال أبوماهر: ولأن الأحياء مرتفعة أيضاً فإنه عند هطول الأمطار تنزل المياه من هناك وتتجمع في شوارعنا على شكل مستنقعات كبيرة!

وأضاف أبوفواز: لا نريد إلا توفير أقل متطلبات الحياة الكريمة لنا ولأسرنا، إن الحياة في الحي منافية لكرامة الإنسان التي كفلها له الشرع وأنظمة الحكومة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد