Al Jazirah NewsPaper Sunday  02/03/2008 G Issue 12939
الأحد 24 صفر 1429   العدد  12939
دفق قلم
صور مشرقة
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

قال لي صاحبي: تعطلت سيارتي على طريق القصيم - المدينة المنورة ومعي أهلي، وكانت المسافة بيننا وبين القصيم حوالي مائتي كيلو، وتذكرت هاتف رجل من البكيرية تربطني به علاقة معرفة فاتصلت به وأخبرته بموقعي، فأصرَّ على أنْ يأتي بنفسه لمساعدتي، وقد كان منه ذلك، حيث ذهبت معه إلى منزله بعد أن انتهينا من تحميل سيارتي إلى الرياض، وقام بواجب الضيافة كأحسن ما يكون القيام به، ثم أوصلني إلى الرياض وهو في غاية الرضا والسعادة جزاه الله خيراً.

أما الكرم الذي جبلت عليه نفوس كثير من الناس في بلادنا فالحديث عنه يطول، قال صاحبي: كنت مسافراً إلى جنوب المملكة في الصيف قاصداً الباحة ثم أبها، وحينما وصلت قُبيل المغرب إلى إحدى قرى زهران، رأيت مسجداً صغيراً بجوار بيت على الطريق، فنزلت للوضوء ومعي أهلي؛ زوجتي وأولادي الخمسة، فرأيت رجلاً كبير السن جالساً عند باب المسجد ينتظر غروب الشمس ليرفع الأذان، وسلَّمت عليه فاستقبلني ببشاشة وترحيب، وسألته هل هنالك مكان مخصص للنساء؟ فقال: نعم، تفضلوا، هذا البيت مخصَّص للنساء، فضحكت وقلت له: جزاك الله خيراً فنحن مسافرون وإنما أقصد مكاناً في المسجد، فأبى أن يتركني وأقسم أن أُدخل أهلي منزله لأداء الصلاة، وبعد الصلاة يمكننا الرحيل، ولم أقاوم إصراره، فنزل الأهل ضيوفاً على أهله، وبعد صلاة المغرب دخلت معه منزله، لتناول فنجانٍ من القهوة العربية كما قال، وما كدت أجلس معه قليلاً حتى فاجأني برأس الذبيحة مقطوعاً يقطر منه الدم، وقال: هذا عشاؤكم أصبح جاهزاً، ولا بد من إكرامكم، فإما أن تسعدونا بالجلوس معنا والمبيت عندنا، وإما أن تأخذوا ضيافتكم معكم؟ قال صاحبي: فبتنا عنده بأحسن حال، وبعد صلاة الفجر ودعته وأنا أشعر بعجزي عن تقديم الشكر له، ولما عرضت عليه أن يسعدني بأي خدمةٍ يريدها من الرياض في أي وقتٍ، قال لي: لا أريد إلا سلامتك، وليس لي في الرياض من حاجة، ولستَ ببعيدٍ عنا إذا احتجنا شيئاً، وودعني أحسن توديع، وكذلك فعل أهله مع أهلي، وحينما انطلقنا قلت في نفسي: ما أعظم صفة الكرم وما أجلَّها، فهذا الرجل ليست بيني وبينه معرفة سابقة، يفعل هذا بضيفه سعيداً كلَّ السعادة بما يفعل لا ينتظر جزاءً ولا شكوراً مني، وإنما يستجيب لشعور الكرم والجود الذي يرفع أهله بين الناس، ويحقق لهم من الأجر العظيم عند الله ما ينفعهم يوم يلقون ربهم، فإكرام الضيف، والقيام بواجبه، وإطعام الطعام من الصفات التي دعا إليها الإسلام، وحث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم.

لقد كثرت الأحاديث في ذلك المجلس عن الصور المشرقة في بلادنا التي رآها وعاشها من تحدثوا عنها، حتى شعرت بمدى الأفق الممتد للخير عند المسلمين ذلك الأفق الذي يتميَّز بكونه عبادة يُؤجر عليها الإنسان إذا صدقت نيته، وليس عملاً مادياً بحتاً مقصوراً على تحقيق مصالح الدنيا فقط.

إشارة:

أينما وُجِدَ الكرمُ، وُجِدَ المجدُ والشَّمَمْ

www.awfaz.com


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد