Al Jazirah NewsPaper Thursday  06/03/2008 G Issue 12943
الخميس 28 صفر 1429   العدد  12943
لما هو آت
لكِ وحدكِ
د. خيرية إبراهيم السقاف

طائفٌ منك ِ عبر بي في المنام لكأنني في اليقظة أستمع لحديثكِ الشَّيق...

أتبع إشارات يدك اليسرى فيما تربِّتين على كتفي باليمنى... وجبهتك ِ التي طالما كان نورها بوصلة لعيني ِّ نحو مسارب رضاك تشعُّ لي تشعُّ...

حديثك معي عن الماء والحبر والعرق...

الماء والحياة... النبض والإحساس ولمعة ورقة الشجرة... وحنو بتلة الوردة... ورهجة سطح الثرى... وانتعاشة وجه المتوضئ... وطرق قطراته لنداء العطاشى... ووقع زخاته من مزاريب السطوح... ودفقاته من ينابيع انبثاقه... وغيماته الآهلة بتباشير الرواء... والجنان الفرحة به...

تحلُّ به السُّحب... وتهلُّ به السماء... وتحيا به الحيوات كلها...

تذكرينني بالماء بسؤال رباني عميق: (أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون,لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون)...

الماء نداء الحمد كلما سرت في عروق الكون قطراته... وتندت به سطوحه وعجينته...

جبهتك النورانية تطل على دخيلتي تبعث فيها رهج الماء... وتنشر فيها طمأنينة المزون بأبجدية الحمد...

الحبر والكلام... وثيقة الفعل... وبصمة المكنون... وصوت اللسان... وإدانة الفكر... ومسؤولية الواحد... وعلامة التوجه... وغاية المطاف... وبقاء أو فناء ولادات الدواة... وعقود الأقلام...

***

تذكرينني بالحبر ببكارة اللثغة... وعنفوان الفكرة... وحمية الحرف... وقيمة الكلمة... وبياض الورقة... واشتعال الأصابع...

بعمر فيه أتخمت به الأوراق... وشربت الدواة أنهارا منه... وبُسطت بين الكفين أرطالا من الورق التهمها القلم التهاما... حتى إذا ما استوت مثقلة تكونت بها أعمدة سقفي وجداري وممشاي... ومرقدي... وفُرشت لتقوم عليها ألوح آلتي الحدباء... ومن ثم امتدت لتكون ثرى قبري ومنتهاي...

***

تذكرينني بالعرق بجهد الراكض للقمته ..والعامل لأهله... والباني لداره... والمتفاني لجيرته... والمثمر لرصيده ..والشاكر لولي نعمته...

فبالعرق تُنهضين في مخيلتي الأجير المنتظر... والمكافح المؤثر دون مذلته... والراضي بقليل رزقه... والعارف بكثير واجبه...

جبهتك النورانية تبعث لي بسطورك الكثيرة التي رسمتها في جميع أركاني ومسامِّي ونقاط الحس فيَّ...

***

البارحة كنتِ نوَّارة معي...

تسألينني كما كنتِ في يقظتي : عن الماء والحبر والعرق...

لله كيف أحدثكِ عنهم..؟

فالماء لم يشح من العين بعدُ...

يمد اليراع بقطرات من الحبر ويساقط عرقا على الورق في أكفِّهم...

إنهم معي...

فلا تخشين عليَّ الغربة أو التيه...

ثمَّة أيد كما عصاتكِ بوصلة يا نوَّارتي...

وثمة أصوات لقطرات المزون...

ووهجة لقيمة العرق...

وابتهاجة لروي الماء...

رحمك الله حتى في المنام تأتين بلسما وماء ومدادا وقيمة...



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5852 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد