Al Jazirah NewsPaper Tuesday  11/03/2008 G Issue 12948
الثلاثاء 03 ربيع الأول 1429   العدد  12948

رحيل العلاّمة حمد الحقيل (1-2)
محمد بن عبد الرزاق القشعمي

 

في الملتقى الأسبوعي - مساء الاثنين - بمنزل أستاذي عبد الكريم الجهيمان قبل أسبوعين، سألني هل سمعت شيئاً عن الشيخ حمد الحقيل؟ وأين هو؟ إذ كان من المعتاد أن يمر عليه الجهيمان ضحى كلّ خميس وقبيل صلاة الظهر وهو عائد من مسبح رعاية الشباب غرب الرياض. فكان كعادته ضحى كل خميس يزوره بعض أصدقائه ومحبيه وكان منهم الشيخ الجهيمان.

قلت : إنني مررت على منزله ضحى الخميس الماضي ووجدته مغلقاً خلاف المعتاد، وقد طرقت الباب فلم يجبني أحد!! فقال أريدك أن تسأل معارفك عنه وتخبرني! فاتصلت بالأستاذ علي المسلم - أول رئيس تحرير لجريدة القصيم عام 1379هـ - وكان وقتها يستعد لحضور حفل افتتاح المعرض الدولي للكتاب والذي كرم فيه رواد صحافة الأفراد - وكان من أصدقاء الشيخ الحقيل! فسألته عنه وذكرت انشغال شيخي الجهيمان عليه. فقال إنّه يشكو من ألم بسيط وهو الآن في مجمع الملك فهد الطبي فأعطاني رقم غرفته في قسم القلب، فزرته في مساء اليوم ذاته، فوجدته كما عهدته يتمتع بروح مرحة ويردِّد النكت والأشعار كعادته .. وسريعاً ما سألني عن صديق الجميع الجهيمان! فقلت: إنّه منشغل عليك .. فقال طمِّنه! وسوف أخرج إن شاء الله وسنواصل لقاءاتنا كالمعتاد! فعدت في اليوم التالي وطمأنت الجهيمان، وقلت إذا كنت ترغب في زيارته فأنا مستعد! فاعتذر وقال : ما دام أنّه بصحة وعافية فإن شاء الله سوف ألتقيه عند خروجه من المستشفى .. وعدتُ الحقيل في المساء وقبّلت رأسه وقلت له هذه الزيارة عن صديقنا أبي سهيل - الجهيمان - فقال أهلاً بك وبه .. وبدأ في قفشاته ومداعباته المعتادة وروايته للشعر والنكت، حتى اكتظت الغرفة بالزوار، فخرجت على أمل أن يخرج بالسلامة!

بعد ظهر يوم الجمعة الماضي 29 صفر 1429هـ - أي قبل ثلاثة أيام - كان ضيوف الجنادرية والمعرض الدولي للكتاب في ضيافة معالي وزير الثقافة والإعلام الأستاذ إياد بن أمين مدني في مركز الملك فهد الثقافي! وكان من بينهم الأديب والمربي الأستاذ علي بن حسن العبادي رئيس نادي الطائف الأدبي السابق! وكنت أعرف عمق علاقته مع الحقيل! فسألني عنه! وأنه اتصل بهاتف منزله ولا من مجيب .. فطمأنته بأنّه متوعك وفي المستشفى وأنني أعتقد أنه قد خرج .. فيمكننا الاتصال بابنه الأستاذ عبد الكريم للاستفسار إذا كان قد خرج أو نذهب له سوياً بالمستشفى .. وهكذا كان بمجرّد معرفتنا بأنّه قد نقل إلى قسم العناية الفائقة، بعد أن اكتشفوا ماءً في الرئة ومحاولة تفتيت حصوة في الكلى تدهورت حالته الصحية.

فكان العبادي يروي لي قصة علاقتهم عندما كان في (الخرمة) عام 1371هـ أي قبل 58 عاماً إذ كان الحقيل قاضياً فيها مكان العبادي مكلفاً بفتح أول مدرسة ابتدائية هناك .. فقد كلفه مدير التعليم محمد المانع بفتح وإدارة مدرسة وبإمكانات متواضعة، وتأخر تزويد المدرسة بالمستلزمات الضرورية .. فكان الملجأ الوحيد لهذا الشاب - العبادي - هو مجلس القاضي! فشكا له الحال وقال: إنه قد قرر الرحيل والعودة من حيث أتى فعرف السبب، فاقترح عليه أن يجمع الطلاب ويعلن عن إقامة حفل للأهالي! وأنه - أي القاضي- أول من سيستجيب لذلك، وفعلاً جمع الطلاب وأقيم الحفل وخطب فيهم المدير، وقال إنّ المدرسة بحاجة إلى مستلزمات فرش وألواح (سبورات) ودفاتر وأقلام .. الخ وليس لدينا شيء من ذلك.

فأعلن الشيخ الحقيل التبرع بخمسمائة ريال (500 ريال) وتبعه أمير وجيه البلدة (ابن لوي) بالتبرع بألف ريال، وهكذا بدأ المواطنون حسب قدرتهم! وجمع لهذا ألفي ريال فذهب للطائف وأحضر ما تحتاج إليه المدرسة! وبدأت الدراسة وبقي بالبلدة حتى غادراها سوياً بعد سنوات .. وبقيت علاقتهما وصداقتهما الوطيدة طوال هذه السنين ..

وصلنا المستشفى فوجدنا ابنه وبعض أقاربه في غرفة (العناية الفائقة) وقد كمم فمه بال(أكسجين) وهو يرتعش .. والأطباء مجتمعون يدرسون حالته .. فخرجنا ونحن ندعو له بالصحة والعافية.

أول البارحة (مساء الأحد 1 صفر) ومع نهاية الندوة - عن الوثائق - ضمن برنامج معرض الكتاب، وكان الدكتور عبد الله العسكر أحد فرسانها وأعرف علاقته بالشيخ سألته فقال: لا علم لي أكثر مما تعلم عنه، فقلت له قلبي يؤلمني فقد كنت أتصفح جرائد اليوم وكنت أتوجس خيفة أن أرى نعيه .. فطلبت منه أن يتصل بابنه للاستفسار .. وهكذا ونحن نخرج من المعرض جاء خبر وفاته - رحمه الله - هذا المساء وأنهم سيصلون عليه بجامع الملك خالد ودفنه في مقبرة أم الحمام غرب الرياض في التالي الاثنين. لقد وقع هذا الخبر المؤلم على مسامعي وقع الصاعقة .. فالموت حق وكلنا له .. وكان تفكيري وألمي يزداد كلما تذكّرت أستاذي الجهيمان وكيف سيستقبل هذا الخبر المزعج.

وليسمح لي القارئ العزيز .. بالعودة قليلاً للحديث عن علاقتي بالشيخ الحقيل - رحمه الله -.

اطلعت قبل عشرين عاماً على كتاب (زهر الأدب .. في معرفة أنساب ومفاخر العرب) للشيخ حمد الحقيل، وكان وقتها يرأس محكمة الخرج. وقد علّق بذهني من هذا الكتاب بيتان من الشعر هما ..

أما والله لو كنا يهودا

لما رضي اليهود لنا بذلك

فأهل العلم لا يعطون شيئاً

وأهل الجهل يعطون الكدالك

فعرفت الشيخ مؤلّف الكتاب مؤخراً، أي قبل ما يقرب من عشر سنوات، بفضل وبواسطة أستاذي وصديقه عبد الكريم الجهيمان! فقد التقينا أكثر من مرة بالقاهرة! وعرفت أنه يفتح بيته بالرياض ضحى كل خميس ومساء كل اثنين! فكنت أحرص على زيارته والتحدث إليه عندما تتاح الفرصة لي، لمعرفتي أنّ من زواره من لا يمل مجلسه ولقاه وهو الجهيمان وغيره من العلماء والشعراء.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد