Al Jazirah NewsPaper Friday  14/03/2008 G Issue 12951
الجمعة 06 ربيع الأول 1429   العدد  12951

ما كان وما هو كائن وما يجب أن يكون: آثار المملكة ومستقبلها الزاهر

 

هذه محاضرة ألقاها وكيل وزارة التربية والتعليم للآثار والمتاحف (سابقاً) المستشار (غير المتفرغ) بالهيئة العليا للسياحة الدكتور سعد الراشد بنادي نجران الأدبي في (24 صفر 1429هـ - 2 مارس 2008م) وفيما يلي نصها:

مهما بلغت الأمم من تطور في مختلف مناحي حياتها الاجتماعية والعملية والاقتصادية والصناعية، ومهما بلغت قفزاتها في التقنية الحديثة في عالمنا اليوم، فإنها تظل مرتبطة بإرثها وتراثها الحضاري الباقي على الأرض سواء ما كان في باطنها، أو على سطحها، ثابتاً كان أم منقولاً، هذا الإرث الحضاري له اسم يدل عليه وهو (الآثار) التي أصبح لها بسبب أهميتها مؤسسات علمية وبحثية، وقامت على شؤونها إدارات حكومية تحافظ عليها وتعمل على تطويرها، ودخلت الآثار بمفهومها الشامل عالم الثقافة من أوسع أبوابها، بل أصبحت الآثار ركيزة مهمة للثقافة ومصدراً معرفياً لتاريخ وحضارات الشعوب، ولا توجد منظمة محلية أو إقليمية أو قارية أو دولية معنية بالثقافة إلا وتأتي الآثار في مقدمة أولوياتها. وسنّت الدول تشريعات وقوانين ولوائح ونظماً بهدف المحافظة على الآثار والتعامل معها وعرضها وتنميتها من أجل العلم والمعرفة والسياحة الثقافية ولتكون مورداً اقتصادياً متنامياً.

البدايات:

وقبل أن نعرض بإيجاز صورة عن واقع الآثار في المملكة فإن من المناسب إعطاء لمحة عن الجوانب التنظيمية التي واكبت النشاط الأثري في بلادنا، فقد شعرت الدولة منذ وقت مبكر بأهمية الآثار والمحافظة عليها وذلك قبل أن تكون هناك دراسات أثرية محلية أو مؤسسة أو هيئة أو جمعية معنية بتنظيم شؤون الآثار وإدارتها، وكانت وزارة الداخلية هي الجهة التي تلجأ إليها كافة أجهزة الدولة والأفراد لأخذ التراخيص الخاصة بزيارة المواقع الأثرية، ولم الإمارات في مختلف مناطق المملكة تسمح بالتجول على الآثار إلا بإذن رسمي، ولم يكن أي أحد بمقدروه التعدي على أي أثر كان، سواء بالتخريب والتدمير أو بالاستيلاء على أي موقع أثري أو أخذ شيء منه، وبعد دراسات ومداولات صدر قرار مجلس الوزراء رقم (727 في 8- 11-1383هـ) الموافق لشهر يناير 1964م، الموافقة من حيث المبدأ على إيجاد دائرة للآثار ترتبط بوزارة المعارف (آنذاك)، وبلغت وزارة المعارف بخطاب رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء رقم (26489 في 8-11-1383هـ)، بقرار مجلس الوزراء الذي تضمن حيثيات ذات أهمية بالنسبة للآثار على أنها: (تراث قومي خالد وكمنهل من مناهل العلم والمعرفة وكصلة بين الماضي والحاضر وكمصدر من مصادر تاريخنا وحضارتنا وكمورد من موارد الاقتصاد الوطني بجانب أنها من متطلبات مواكبة ركب الحضارة وعجلة التقدم ومسايرة لبقية دول العالم التي أوجدت في أجهزتها الحكومية دوائر خاصة بالآثار)، ومن هذا يتبين لنا بعد النظر والحكمة والشعور بأهمية الآثار لكونها:

- مصدر للتاريخ والحضارة.

- منهل من مناهل العلم والمعرفة.

- لها صلة بين الماضي والحاضر.

- مورد من موارد الاقتصاد الوطني.

- متطلب لمواكبة ركب الحضارة وعجلة التقدم.

- مسايرة بقية بلاد العالم في الاهتمام بالآثار.

وقد بدأت إدارة الآثار والمتاحف مزاولة نشاطها في قاعة صغيرة الحجم في أحد المباني التابعة لمعهد العاصمة النموذجي بالرياض وكان يعرض فيها عدد محدود من القطع الأثرية جلبت من أنحاء متفرقة من المملكة.

وبعد ما يقارب من عشرة أعوام صدر نظام الآثار بموجب المرسوم الملكي رقم م/ 26 في 23-6-1392هـ، وقد وضع النظام الأسس التشريعية لحماية الثروات الوطنية من آثار ثابتة ومنقولة، وكان الهدف الأسمى من إصدار هذا النظام هو المحافظة على الآثار والاتجار بها أو تصديرها أو التنقيب عنها بطرق غير شرعية، إضافة إلى تحديد العقوبات المترتبة على مخالفة أي حكم من الأحكام الواردة في هذا النظام المستمد من الشريعة الإسلامية في تطبيق أحكامه، كما صاحب النظام تشكيل مجلس أعلى للآثار برئاسة وزير المعارف، ويتكون أعضاؤه من ممثلين لعدد من الجهات الحكومية، ومن مهام المجلس رسم سياسة الآثار في المملكة والنظر في كافة الموضوعات ذات الصلة بعمل الآثار، ويتكون نظام الآثار من سبع وسبعين مادة مقسمة على سبعة فصول، وبموجب نظام الآثار قامت إدارة الآثار بمسؤولياتها العلمية والإدارية والفنية، وإلى حد كبير تحققت الأهداف المرجوة في الحفاظ على آثار البلاد، وتطورت إدارة الآثار إلى مديرية عامة ثم وكالة مساعدة ثم وكالة، وقد ساعد قرار مجلس الوزراء رقم 727 في 8-11-1383هـ على أن تقوم الوزارات والمصالح الحكومية بتسليم ما لديها من آثار وتحف إلى إدارة الآثار، وأصبحت المواد والمجموعات الأثرية نواة لإقامة متحف وطني بصفة مؤقتة.

لقد جاءت الانطلاقة الحقيقية للنشاط الأثري في المملكة العربية السعودية عام 1396هـ (1976م) عندما شرعت إدارة الآثار والمتاحف (في ذلك الوقت) وقد تم توجيه الإدارة للعمل وفقاً لعدد من المسارات نوجزها في الآتي:

أولاً: المسح الأثري الشامل

شمل برنامج المسح الأثري الشامل كافة أرجاء المملكة، وهو مشروع علمي قامت به فرق علمية متخصصة، شارك فيه أوائل منسوبي الآثار مع علماء من معاهد ومراكز وجامعات أوروبية وأمريكية، وهو مسح مبدئي كان الهدف منه معرفة طبيعة انتشار المراكز الحضارية على امتداد الرقعة الجغرافية للمملكة العربية السعودية، ومن ثم الخروج بخارطة توضيحية للمراحل التاريخية التي شهدتها أرض المملكة من عصور ما قبل التاريخ وحتى الوقت الحاضر، وهذا البرنامج لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا، وقد حقق هذا المشروع ولله الحمد نتائج مهمة تمثلت في حصر ما يقارب من أربعة آلاف موقع أثري ومعلم تاريخي، منها الآثار الشاخصة والمطمورة، ومواقع الرسوم الصخرية والنقوش والكتابات القديمة والإسلامية، ومعالم طرق التجارة القديمة، وطرق الحج وما يرتبط بها من منازل وآثار الحصون الدفاعية، والمباني السكنية والمنشآت المائية من آبار وعيون وبرك وسدود وأعلام وأميال، بالإضافة إلى آثار الموانئ القديمة على امتداد ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي وغير ذلك من المعالم الأثرية والتاريخية.

ثانياً: التنقيبات الأثرية

وخلال تنفيذ أعمال المسوحات الأثرية أجريت حفائر وتنقيبات في عدد من المواقع الأثرية، ومن هذه المواقع:

موقع صفاقة في الدوادمي، والثمامة ومدافن جنوب الظهران، والصناعية وقصر الحمراء والبجيري في تيماء، وثاج وموقع زبيدة بالقصيم والجوف والجبيل وميناء العقير ورأس الزور، والمابيات، والحجر (مدائن صالح) وسهي، وعثر في جازان والأخدود والبلدية ومواقع أخرى، وفي الوقت الذي كانت أعمال المسوحات والتنقيبات الأثرية تسير وفق خططها المرسومة كان قسم الآثار والمتاحف (جامعة الملك سعود) يجري تنقيبات موسعة في موقعين كبيرين هما قرية الفاو والربذة. وقد أثمرت أعمال التنقيبات الأثرية في إبراز ملامح من الحضارات القديمة والإسلامية التي قامت على أرض المملكة ووفرت هذه الأعمال مواد علمية غاية في الأهمية اعتمد عليها المهتمون من الدارسين والباحثين في تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها ومنا فيها من تنوع ثقافي في مناطقها المتعددة.

ثالثاً: إنشاء المتاحف

تعد المتاحف من أهم المؤسسات الثقافية في أي بلد، ومن خلالها يتعرف الناس على الموروث الثقافي للشعوب والعادات والتقاليد، والمتاحف لها رسالة تربوية وتعليمية وتثقيفية وعامل مهم في التربية الوطنية.

1 - المتحف الوطني

وضعت إدارة الآثار مع بداية تكوينها ضمن أولوياتها إنشاء متحف وطني يعرض فيه القطع الأثرية والتراثية التي تمتلكها الإدارة، وما يتم الكشف عنه من آثار خلال أعمال المسوحات والتنقيبات الأثرية، وقد تم افتتاح المتحف الوطني كأول متحف رسمي بمدينة الرياض في 21 محرم 1398هـ (الموافق ديسمبر 1977م) وعلى الرغم من صغر مساحة المتحف ومحدودية معروضاته لكنه شمل معلومات مركزة عن الحضارات القديمة والإسلامية التي شهدتها أرض المملكة العربية السعودية وأهمية موقعها التاريخي والجغرافي بالنسبة للعالم، وقد استفاد الدارسون والباحثون فائدة كبيرة، وقصده الزوار من المواطنين والمقيمين والوفود الرسمية للدولة وآلاف من طلاب المدارس والمعاهد والكليات، ونتيجة لهذا وتقدم الدراسات والمكتشفات الأثرية شعرت الدولة بأهمية إنشاء متحف وطني كبير في مكان مناسب في قلب مدينة الرياض، وبهذا صدرت موافقة المقام السامي الكريم عام 1418هـ بتنفيذ مشروع المتحف الوطني المربع التاريخي ليشكل أحد العناصر الكبيرة بمركز الملك عبدالعزيز التاريخي، وقد وضع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حجر الأساس للمشروع يوم الثلاثاء 14 محرم 1428هـ الموافق 20 مايو 1997م، وتولت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تنفذ المشروع في وقت قياسي ووفقاً لمواصفات هندسية ومعمارية عالية وبأسلوب علمي وفني متطور للتعامل مع العروض المتحفية، وكانت الفرح غامرة عندما افتتح هذا الصرح الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله) في 5 شوال 1419هـ الموافق 22 يناير 1999م، وقد تزامن افتتاح هذا المشروع الحضاري الكبير مع حلول الذكرى المئوية لدخول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله) الرياض وبداية تأسيس المملكة العربية السعودية. ويعدّ المتحف الوطني الجديد أنموذجاً للمتاحف الحديثة، ويتميز عن غيره من المتاحف بأن تقسيم قاعاته وعروضه المتحفية والشروح والصور التوضيحية والأفلام تهدف في مجملها إلى تفسير التاريخ البشري المستمد من الحقائق الثابتة التي يقدمها الإسلام عن خلق الإنسان واستخلافه لعمارة الأرض، وقد روعي في العرض المتحفي أن يكون مشوقاً ومناسباً لمختلف المراحل العمرية، ومفيداً للتطبيقات التربوية والتدريبية في علوم الجيولوجيا والفلك والتاريخ والحضارة بمختلف العصور والحقب التي شهدتها أرض المملكة العربية السعودية، ويتكون المتحف من ثماني قاعات رئيسية بالإضافة إلى قاعتين للعروض الزائرة والمؤقتة، والقاعات الرئيسية هي: قاعة الإنسان والكون، قاعة الممالك العربية القديمة، قاعة العصر الجاهلي، قاعة البعثة النبوية، قاعة الإسلام والجزيرة العربية، قاعة الدولة السعودية الأولى والثانية، قاعة توحيد المملكة، وقاعة الحج والحرمين. وزود المتحف بمرافق عديدة تتمثل في المكاتب الإدارية والمعامل ومخازن المقتنينات وغيرها.

وقد استقبل المتحف منذ افتتاحه عدداً من العروض الزائرة المتميزة من عدد من المتاحف ودور الآثار المشهورة عالمياً بالإضافة إلى البرامج والمعارض والفعاليات المتنوعة التي نظمها المتحف واستفادت منها شريحة كبيرة من المجتمع وطلاب المعرفة.

2 - المتاحف المحلية والإقليمية

وضعت وكالة الآثار والمتاحف، مع بداية تنفيذ مشروع المسح الأثري الشامل، خطة لإنشاء عدد من المتاحف المحلية والإقليمية في مختلف أرجاء المملكة، فبدأت بتنفيذ مشروع كبير يتمثل في إنشاء ستة متاحف محلية في كل من: الهفوف، الجوف، تيماء، العلا، نجران صبيا، وقد رعي عند إنشاء هذه المتاحف أن تكون قريبة من أهم المواقع الأثرية في المملكة، وتؤدي دورها كمراكز للبحوث الأثرية والتاريخية، تم افتتاح هذه المتاحف تباعاً وأدت دوراً كبيراً للتعريف بحضارة المملكة وتاريخها واستقطاب الزوار من مختلف أنحاء المملكة والوفد الرسمية والأفواج السياحية، وتم تأسيس متاحف إقليمية في كل من جدة والطائف ومكة المكرمة والدمام وحائل والباحة وتبوك وعرعر والقنفذة، بعض هذه المتاحف أنشئت في قصور تاريخية مثل قصر شبرا في الطائف وقصر الملك عبدالعزيز في الزاهر بمكة المكرمة أو قصر الملك عبدالعزيز في خزام بمدينة جدة، ولعلنا نشير إلى واحد من المتاحف المهمة الذي يجسد تاريخ المملكة العربية السعودية من بداية تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز (رحمه الله) وهذا هو متحف المصمك الذي افتتح عام 1416هـ ويشتمل المتحف على معلومات تاريخية وحضارية عن المملكة العربية السعودية وتطورها في جميع الميادين، كما أن مبنى المصمك يعد مثالاً للطرز المعمارية الفريدة في إنشاء المباني الحربية في وسط الجزيرة العربية وهو بذلك محط اهتمام المتخصصين من طلاب العمارة والفنون والآثار.. وقد أدت هذه المتاحف، والمعارض الزائرة والمؤقتة، دوراً مهماً في تعريف المواطنين والمقيمين والزوار بالموروث الحضاري للمملكة العربية السعودية وسيتضاعف هذا الدور إن شاء الله مستقبلاً.

رابعاً: الحماية والصيانة والترميم

بذلت وكالة الآثار جهداً كبيراً في المحافظة على المواقع الأثرية والمعالم التاريخية وذلك بحمايتها وتسويرها بهدف عدم المساس بها والتعدي عليها بالتملك والتشويه وخلافه تمهيداً للتعامل معها علمياً، كما تولت صيانة وترميم عدد من المباني التاريخية وتم تحويل بعضها إلى متاحف وأماكن للعروض المتحفية ومن أبرز جهود وكالة الآثار بهذا الخصوص ترميم عدد من القصور والقلاع التاريخية التي أنشئت في عهد الملك عبدالعزيز ومنها قصر الدوادمي والموية وأبو جفان والخرج وقلعة ضبا ومبنى القشلة وقاعة عيرف في حائل وقصر ابن شعلان في القريات وقصر إبراهيم ومسجد القبة في الأحساء وغيرها. ولعل من المشروعات الكبيرة التي تولتها وكالة الآثار والمتاحف هو المحافظة على مدينة الدرعية التاريخية وأسوارها وأبراجها وترميم عدد من العناصر المعمارية فيها.

خامساً: النشر العلمي

ومع بداية مشروع المسح الأثري الشامل في المملكة ركزت وكالة الآثار على نشر نتائج أعمالها تباعاً فأصدرت عدداً من الكتب المتخصصة ورسائل الماجستير والدكتوراه في مجال الآثار والتراث، وقد استلهت إدارة الآثار أول أعمالها المطبوعة بإصدار كتاب تعريفي بآثار المملكة عام 1395هـ (1975م) يشتمل على لمحات حضارية وأثرية عن أهم الآثار والمعالم التاريخ في مختلف مناطق المملكة، ومن الإنجازات المهمة إصدار مجلة علمية بمسمى (أطلال حولية الآثار السعودية) وتعنى بنشر المكتشفات الأثرية والبحوث والدراسات الدقيقة مقرونة بالمخططات والخرائط والصور التوثيقية لأعمال المسح والتنقيب، وقد صدر العدد الأول من أطلال عام 1397هـ (1977م).

وقد وضعت وكالة الآثار حصيلة إنجازاتها منذ إنشائها بنشر عمل موسوعي كبير هو سلسلة آثار المملكة بعدد مناطق المملكة الثلاث عشرة وذلك بتمويل ودعم سخي من سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، تضمن كل مجلد على معلومات جغرافية وتاريخية عن المنطقة التي يتحدث عنها وأهم آثارها التاريخية وتراثها العمراني ومواقعها الأثرية ومعالمها الطبيعية، وشكلت هذه المطبوعات البحثية والنشرات العلمية والأدلة سجلاً وثائقياً مهماً ومصدراً مهماً لتتبع الفترات التاريخية والحضارات المتعاقبة التي شهدتها أرض المملكة العربية السعودية.

سادساً: التعاون على الصعيد المحلي

لإدارة الآثار ومن ثم (وكالة الآثار) دور كبير في التعاون والتنسيق مع الأجهزة الحكومية المختلفة في مجال حسب نظام الآثار وخاصة عند تنفيذ المشروعات الحكومية من أجل تزويد الجهات المعنية بالمعلومات عن المواقع الأثرية والمعالم التاريخية حتى لا تتعرض للإزالة والتخريب في حالة تنفيذ المشاريع التنموية، وتتعاون أيضاً مع الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية والأفراد في مجال المتاحف والمجموعات الخاصة والترخيص لها وفق ما ينص عليه نظام الآثار وتتعاون الوكالة كذلك مع الجهات الأمنية والجمارك وحرس الحدود لمنع تهريب الآثار من وإلى المملكة عبر الحدود والمنافذ البرية والجوية والبرية ولها عضوية في عدد من اللجان والمجالس ومنها المجلس الأعلى للأوقاف.

سابعاً: التعاون العربي والدولي في حقل الآثار

هناك تعاون مع العديد من المنظمات الإقليمية والقارية والدولية وحضور الفعاليات والمناسبات الرسمية المتخصصة، والتنسيق والتعاون في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربي، ومكتب التربية العربي لدول الخليج، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليسكو) والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإسيسكو) والمنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).

وعلى الصعيد البحثي والعلمي عقدت وكالة الآثار اتفاقيات مع عدد من الجامعات والمراكز البحثية في مجال الأعمال المسحية والتنقيب وفق شروط أقرها المجلس الأعلى للآثار، وقد حقق هذا التعاون منافع علمية وثقافية كبيرة نتيجة للمزيد من المكتشفات الأثرية الحديثة التي تثري البحث العلمي وإثراء للمتاحف المحلية والإقليمية والتعريف بتراث المملكة عالمياً.

ثامناً: النظرة المستقبلية للآثار

تلك كانت إلماحة سريعة أشرنا فيها للنشاط الأثري في المملكة العربية السعودية على مدى حقبة زمنية تزيد من أربعين عاماً، وما تحقق من جهود قامت بها وكالة الآثار والمتاحف على مختلف الأصعدة وهو جهد يقابل بالتقدير لمقام وزارة التربية والتعليم (المعارف سابقاً) وللمجلس الأعلى للآثار، وللعاملين في الوكالة بوحداتها وإدارتها المختلفة، وفي ظل توجه الدولة لتطوير الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية المختلفة رأت القيادة أن من الأهمية بمكان إعطاء قطاع الآثار أهمية خاصة والرفع من نشاطه على الصعيد العلمي والثقافي والفني والإداري وبما يتوافق مع الإرث الحضاري الزاخر الذي تحتفظ به المملكة، فقد صدر الأمر الملكي رقم أ/ 2 وتاريخ 28-2-1424هـ الذي نص على (ضم وكالة الآثار والمتاحف إلى الهيئة العليا للسياحة وتصبح الهيئة مسئولة عن تنفيذ مهام الآثار إلى جانب مسئوليتها عن السياحة. كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 141 وتاريخ 28-5-1424هـ الذي نص على (نقل وكالة الآثار المرتبطة بوزارة التربية والتعليم إلى الهيئة العليا للسياحة وقيام الهيئة بإعادة النظر في تنظيمها وفي مشروعي النظام والتنظيم لنشاط الآثار والتراث الوطني والتقدم بمشروع نظام جديد).

وقبل أن نلقي إلماحة سريعة عن النظرة المستقبلية للآثار في ضوء ضمها للهيئة العليا للسياحة لعلنا نذكر بالآتي:

1 - صدور القرار الملكي رقم (9) وتاريخ 12-1-1421هـ بإنشاء الهيئة العليا للسياحة. وصدر قرار ملكي بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز أميناً عاماً للهيئة برتبة وزير، وتشرّفت الهيئة أن يكون صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز رئيساً لمجلس إدارة الهيئة، وقد كان لسموه الكريم جهود كبيرة في دفع مسيرة الهيئة والإشراف على إعداد خططها الإستراتيجية وبرامجها المتعددة، كما أن الهيئة تسعد الآن بأن يكون رئيس مجلس إدارتها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، وتحظى الهيئة بمتابعة مباشرة وبدعم ومؤازرة من سموه.

لقد جاء إنشاء الهيئة العليا للسياحة تأكيداً على اعتماد قطاع السياحة باعتباره قطاعاً ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً مهما، وتأكيداً على أن السياحة الداخلية واقعاً وطنياً يستلزم قيام الجهات المسئولة بالتخطيط لتطويره وتنميته منطلقاً من المقومات السياحية المتميزة التالية:

- نعمة الأمن والأمان اللذين تتميز بهما المملكة.

- أصالة المجتمع السعودي المضياف.

- تميز الموقع الجغرافي للمملكة.

- المساحة الشاسعة للمملكة وما تشتمل عليه من تضاريس متباينة ذات مناخ متنوع ومناظر خلابة.

- توفر المواقع الأثرية والتاريخية المهمة وتميز التراث الثقافي الوطني.

- توفر الخدمات الحديثة والبنية التحتية اللازمة لصناعة السياحة.

لقد وضعت الهيئة العليا للسياحة رؤية واضحة لمنهجها، ومهمة واضحة لتحقيق مسيرتها وهما:

الرؤية: (تسعى المملكة العربية السعودية وهي مهد الإسلام إلى تنمية سياحية قيمة ومميزة ذات منافع اجتماعية وثقافية وبيئية واقتصادية انطلاقاً من قيمها الإسلامية وأصالة تراثها العريق وضيافتها التقليدية).

المهمة: (تقوم المملكة العربية السعودية في ظل قيمها ومقوماتها المتميزة بتنمية سياحية متوازنة ومستدامة تحقق تنوعاً اقتصادياً وإثراء اجتماعياً وتوجد فرصاً للعمل وتحافظ على البيئة والأصالة والثقافة).

ومن هذا يتضح أن توجُّه الدولة في اهتمامها بالآثار يأتي بناءً على أسس ومفاهيم ومنطلقات واضحة، فالآثار والسياحة هما وجهان لعملة واحدة، وتشكل الآثار أحد أهم الركائز الأساسية في السياحة الثقافية لأي أمة.

وفي ضوء هذا التوجُّه وضعت الهيئة خطة إستراتيجية موزونة بعيدة المدى لتطوير قطاع الآثار، وفق رؤية الضم التي وافق عليها مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة والتي تنص على (ضم وكالة الآثار والمتاحف إلى الهيئة العليا للسياحة، بحيث يستفيد قطاع الآثار والمتاحف من منهجية العمل الشاملة في الهيئة، وإمكانياتها المتعلقة بمسألتي التطوير والتسويق، في حين تستفيد السياحة من توظيف مواقع التراث الثقافي والمتاحف بوصفها عناصر جذب سياحية، على أن يشكل التكامل بين الآثار والسياحة وافداً قوياً لدعم المهام المنوطة بكليهما مع الاحتفاظ بشخصية مستقلة لكل منهما، ومراعاة التباين في طبيعة الاختصاص).

وتضمنت استراتيجية تطوير قطاع الآثار نقاطاً أساسية مهمة لعلنا نشير إلى أبرز عناصرها ومنها:

- تحقيق التكامل بين جهازي السياحة والآثار والمتاحف بصيغة ترفع من مستوى أداء كل منهما.

- تحديث قطاع الآثار والمتاحف بالاعتماد على حيوية السياحة وتنمية الموارد البشرية في قطاع الآثار والمتاحف والرفع من كفاءتها.

- تطوير أداء قطاع الآثار والمتاحف في مجالات الحماية والبحث العلمي والتنقيب الأثري والنشر.

- الرفع من إسهام قطاع الآثار والمتاحف في التنمية.

- الاستفادة من المواقع الأثرية والتراثية والمتاحف في تطوير السياحة الثقافية والتسويق الهادف لتراث المملكة، بتنمية عدد من مواقع التراث الثقافي لتصبح مواقع جذب سياحي ذات جودة عالية.

- عدم التأثير سلباً على أنشطة وبرامج الهيئة العليا للسياحة، والحفاظ على استقلالية عمل قطاع الآثار.

لقد اعتمدت الهيئة العليا للسياحة رؤية للآثار والمتاحف بعد ضم وكالة الآثار والمتاحف لها وتنص الرؤية: (تعني المملكة العربية السعودية، وهي مهد الإسلام، بالمحافظة على تراثها الأثري والعمراني العريق وإبرازه، لكونه عنصراً مهماً في حضارة الأمة، والإفادة منه ثقافياً، واجتماعياً، واقتصادياً في ظل القيم الإسلامية السمحاء).

كما تم تحديد مهمة الآثار والمتاحف وفقاً للآتي:

- تعزيز قدرات القطاع في حماية الآثار والموارد التراثية.

- التعريف بتراث المملكة الثقافي.

- إدارة الآثار والمتاحف والموارد الثقافية بشكل أكثر فعالية.

- إعداد الآثار والمواد الثقافية لتطويرها وعرضها.

- تشجيع توظيف استثمارات القطاع الخاص في قطاع الآثار والمتاحف.

- إعداد مجموعة من المشروعات المنتقاة بدقة والتي يكون لها أكبر الأثر في تسويق وتشجيع السياحة الثقافية.

وتضمنت إستراتيجية تطوير قطاع الآثار والمتاحف نقاطاً جوهرية نذكر منها الآتي:

- التعريف (بالرؤية) الخاصة بالتراث.

- إعداد خطة هيكلية للأعمال المدرجة في قطاع الآثار والمتاحف بطريقة تدعم المسؤولية الاجتماعية، والتعليم، والمشاركة والاحترافية.

- التوعية بإنجاز الماضي من خلال أعمال التسجيل والبحث العلمي والعرض الدقيقة ليتمكن القطاعان العام والخاص من أخذ التراث بعين الاعتبار.

- بحث الخيارات المتاحة لاستخدام التراث ومجالات السياحة والتعليم ودراستها من خلال دعم الأنشطة التجارية، والسياحية، والتعليمية، والثقافية، والاجتماعية، وتشجيع الحرف والمهن والوظائف.

- ضم التراث العمراني والمتاحف، ومواقع وقطع التراث الشعبي، والمواقع التراثية في برامج الحماية والبحث العلمي والتنمية الثقافية الاجتماعية والاقتصادية، وإعداد برامج أفضل وأكثر استدامة بمساعدات وكالات حكومية أخرى.

- تحسين الأنظمة المؤسساتية والنظامية والإدارية وتقويتها.

- إعداد البرامج التدريبية والتعليمية لتنمية الموارد البشرية وتطويرها.

- إشراك أفراد المجتمع في الحفاظ على التراث من خلال تشجيعهم على امتلاكه وتعزيز فخرهم به.

- تحسين طرق عرض الموروث الثقافي وتقديمه لخدمة العامة، وتحقيق الأهداف التعليمية.

وهناك تفاصيل دقيقة تضمنتها استراتيجية تطوير قطاع الآثار والمتاحف - لا يسمح الوقت بحصرها - غير أنه من المفيد الإشارة إلى أن الهيئة العليا للسياحة بدأت في تنفيذ الخطة التنفيذية الخمسية لقطاع الآثار والمتاحف وفقاً للرؤية والهدف والمهمة التي تضمنتها إستراتيجية تطوير قطاع الآثار، وتركز الخطة على الأنظمة واللوائح وإعادة التنظيم وتم تحديد الأولويات ومنها البناء المؤسسي للقطاع والبحث العلمي، والمتاحف، وتطوير المواقع الأثرية والتاريخية ومواقع التراث الشعبي والمحافظة على التراث العمراني التقليدي وإحيائه وتنميته. وقد وضعت الهيئة في خطة تطوير قطاع الآثار تشكيل لجان استشارية لتقوية ودعم الروابط مع المجتمع على كل الأصعدة، وتكوين قاعدة من الجماهير الداعمة بين الشركاء الأساسيين بهدف الحصول على أعلى قدر من المعرفة والمهارات اللازمة. ومن هذه اللجان:

- اللجنة الاستشارية للآثار والمتاحف.

- مجلس أمناء المتحف الوطني.

وقد خطت الهيئة العليا للسياحة خطوات مميزة في فتح آفاق جديدة للتعاون الدولي وبناء جسور مع المنظمات الدولية والمعاهد والمراكز والمتاحف العالمية، بشكل متزامن مع إعداد الدراسات والخطط الإستراتيجية الخاصة بضم قطاع الآثار وتطويره. ويعد معرض (روائع من مجموعة الفنون الإسلامية بمتحف اللوفر) الذي أقيم في قاعة العروض الزائرة بالمتحف الوطني مناسبة تاريخية لكون المعرض حظي برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي تفضّل بافتتاحه بحضور فخامة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك (في 6- 2-1426هـ - 6-3-2006م)، كما وضعت الهيئة خطة لتسجيل عدد من المواقع الأثرية والمعالم التاريخية على قائمة التراث العالمي بناءً على موافقة مجلس الوزراء وصدور الأمر السامي بذلك رقم ب م - 5455 وتاريخ 19-7- 1427هـ، وتم اختيار مدائن صالح والدرعية القديمة والمنطقة التاريخية لمدينة جدة.

ونخلص من هذا العرض الموجز لنؤكد أن مستقبل الآثار في بلادنا يبشر بكل الخير، على مختلف الأصعدة العلمية والثقافية والتربوية والاقتصادية. والمؤمل في كافة الأجهزة الحكومية والمؤسسات الأهلية وأبناء هذا البلد المعطاء مؤازرة ومشاركة الهيئة العليا للسياحة من أجل المحافظة على آثار بلادنا وحضارتها وتراثها العمراني لتكون مصدراً للمعرفة نحافظ عليه ويكون همزة وصل يربط ماضينا العريق مع مستقبل الأجيال المقبلة.

قال أحد الشعراء:

(إن آثارنا تدل علينا

فانظروا بعدنا إلى الآثار)

وقال آخر:

(وللعلم من آثارنا في جبالنا

على الدهر آيات بها ينطق الصخر)

والله الموفق.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد