Al Jazirah NewsPaper Friday  21/03/2008 G Issue 12958
الجمعة 13 ربيع الأول 1429   العدد  12958

الشيخ محمد تقي الدين الهلالي 1-2 ( 1311هـ - 1407هـ)
د. محمد بن سعد الشويعر

 

إنه شيخ في علمه، وشيخ في فكره ونضاله، وشيخ في مجتمعه، ثُمَّ شيخ في عمره الذي امتدّ به، ونرجو له بعد ذلك رضا الله ومغفرته، وكثيراً ما سئلت عنه.

إذْ بحكم معرفتي بفضيلته يُطلب مني مراراً التحدث عنه. ذلك أن الشيخ الدكتور: محمد تقيّ الدين الهلالي -

قد تعرَّفْتُ عليه قبل قربي من سماحة الرئيس الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - لسمعته ومكانته. وقد كُتب عنه كثيراً بعد وفاته، وأكثرها لم يصل إلينا.

ثم تأصلت تلك المودّة، وتكررتْ زياراتي له، بإشارات من سماحته عدّة مرات، في المغرب، علاوة على اللقاءات في فاس قبل انتقاله منها وفي الدار البيضاء بعدما استوطنها، أو في الرياض ومكة، عندما يأتيهما.

لذا فقد طالما سئلت، فأُعْطِي جزءاً من سيرته، إلا أن الحديث لا يطول، ولا يُسْتعصَى المطلوب، لما فيها من أشياء مهمة ومثيرة، إلا أنّ إخوة كراماً طلبوا مني، أن أُعرِّفهم بهذا الشيخ، الذي ملأ السمع والبصر بسيرته ومكانته، لما سمعوا عنه، وقال من لا أردُّ له طلباً، ثم ألحَّ عدة مرات، نريد التعريف بهذا الشيخ، وما انكشف لك، من بعض الجوانب في حياته، ويكون ذلك كتابياً، حتى يقرأه الآخرون، ويحفظه أصحاب الاختصاص، وهذا من باب: ذكر محاسن الموتى، الذي جاء فيه التوجيه الكريم، من أجل التأسي والدعاء، فاستجبت بما لديَّ من بضاعة مزجاة، وكما في المثل: (يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق) فهو شخصية فريدة، عالم وداعية إسلامي، ومناضل ذو مواهب، عرفته في آخر حياته، وقد كُفَّ بَصرُهُ، وتقدَّمتْ به السنُّ، إلا أن ذاكرته قويَّة، وروحه شابَّة.

وكان أول لقاء معه، عندما كنت في مؤتمر بالرباط وجاء الحديث العاطر عنه عَرضاً، وكان من جوانب البرنامج، زيارة بعض الشخصيات المغربية البارزة، ومنهم الشيخ الهلالي، الذي رغبني فيه، وحدثني عن مكانته، وصلته بالشيخ ابن باز، الملحق الثقافي السعودي بالمغرب، فشوقني لذلك، وشجعني بخصاله وعلمه وكرمه، للزيارة واختياره من بين الشخصيات.

وفي بيته المتواضع بفاس، كان هذا اللقاء، وذلك قبل انتقال عملي، عند الشيخ ابن باز، فأعجبت بأحاديثه، وبما مرّت به سيرة حياته.. ثم تجدّدت لقاءاتي به، في بيت الشيخ عبدالعزيز في الرياض وفي مكة، لأنه يحلُّ ضيفاً على سماحته لما بينهما من ودٍّ وصلة ثابتة.. وكان سماحته مع ثنائه عليه دائماً، يصله ويعطف عليه كثيراً.

ثم في المغرب بعد ما استشار سماحته بالانتقال للدار البيضاء، لظروف مرَّتْ به في مدينة فاس، أيده وساعده.

فكان سماحته كلّما سنحت فرصة لأسفاري، يأمرني بالتعريج عليه، ويحمّلني رسالة خاصة له، وبعدما استقرّتْ أحواله بالدار البيضاء، التي هي مسقط رأسه، وجعلها مقراً له، تجدّدت زيارتي له، حتى توفي بها في يوم الثلاثاء 27 شوال عام 1407هـ.

وكان سماحته بحكم عمله معه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، يعطف عليه، ويحترمه كثيراً، ويرى فيه الإخلاص، والصدق في الدعوة، والمجاهدة بالنفس والعلم مع الصبر والحلم، وهو أيضاً يقدر الشيخ ويثني عليه، ويرى فيه خصال السلف الصالح، وقد مدحه بقصائد، لأنه شاعر مجيد، منها تلك التي مدحه فيها عام 1397هـ وهي طويلة، قال فيها:

خليليّ عوجا بي لنغتنم الأجْرا

على آل باز إنهم بالعُلا أحْرى

فعالمهم جُلّى بِعِلمٍ وحكمةٍ

وفارسهم أوْلى غداة الهدى قهرا

إمام الهدى عبدالعزيز الذي بدا

بِعِلْمٍ وأخلاق أمام الورى بَدْرا

وقد أخذت منه مقالة، بعدما طلبت منه المشاركة في مجلة البحوث الإسلامية، فوافق وكتبها وأنا في بيته بالدار البيضاء عنوانها: (هل يوجد في القرآن كلمات معرّبة)، ونشرت في العدد (8) للأشهر الأربعة (ذو القعدة - صفر عام 1403هـ - 1404هـ)، ويقع في (23) صفحة.

وفي مرّة ثانية بعدما زرته في بيته بالدار البيضاء بالمغرب، وكانت عادته كُلّ مرة، ومدّة مكثي في المغرب، يرسل سائق سيارته (البيجو) في أوّل الصباح، وأمكث معه إلى بعض العشاء، وأغدو معه مرة في دروسه أو في المسجد أو مع أحاديثه فطلبت منه المشاركة في المجلّة عندنا، فمدني بمقال عنوانه: (منقبة للملك فيصل - قدَّس الله روحه)، فيها حكايته مع موريس بوكاي الذي أسلم على يديه، وكان يعالج الملك فيصل، وقد نشرنا المقال في المجلة العدد (11) للأشهر: (ذو القعدة - صفر)، ويقع في (6) صفحات.

والشيخ الهلالي، حسنيٌّ من نسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويخطئ من يعتبره من بني هلال، الذين نزحوا إلى الشمال الأفريقي، من مصر ودمروا القيروان عام 449هـ بعد أن أباحها لهم العبيدون (الفاطموين)، كما ذكر ذلك ابن عِذارِي في كتابه البيان المغرب (ص:288) - وكما كان أصدق السّير ما كان صادراً عن الشخص نفسه، فإنه عرّف بنفسه في المجلة، العدد (8) فقال: محمد تقي الدين الهلالي المقيم بالدار البيضاء: المغرب العربي، ولدت بسلجماسة (تفيدات) سنة 1311هـ، حصل على الدكتوراه في الأدب من جامعة برلين، وعلى درجة أستاذ من جامعة بغداد، كان محاضراً في جامعة (بون) وأستاذاً في جامعة بغداد، ثم في جامعة محمد الخامس بالمملكة المغربية، ثم في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

يقوم الآن بالدعوة إلى اتباع الكتاب والسنة في مساجد الدار البيضاء بالمغرب.. مؤلفاته كثيرة منها: (سبيل الرشاد - ستة أجزاء)، (القاضي العدل في حكم البناء على القبور)، (أحكام الخلع في الإسلام)، (الهديّة الهادية إلى الطريقة التيجانية)، (تقويم اللسانين - ترجمة محققة لمعاني القرآن الكريم، بالإنجليزية بمشاركة الدكتور محمد محسن طبيب الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً).

أما سماحة الشيخ ابن باز، رحمه الله، في مفكرته (تحفة الإخوان)، الذي سجله بعدما بلغه خبر وفاته، فكتب: تُوفي الشيخ العلامة الدكتور محمد تقي الدين بن عبدالقادر الهلالي الحسنيّ، في الدار البيضاء بالمغرب، في يوم الثلاثاء الموافق 27 شوال، عام 1407هـ فرحمه الله، رحمةً واسعةً وضاعف له الحسنات.

وكان مولده في محرم من عام 1311هـ أخبرني بذلك رحمه الله، مشافهة في المدينة، وبذلك يكون قد عاش، (97) سبعة وتسعين عاماً، إلا شهرين وأياماً.

وكان عالماً فاضلاً، باذلاً وسعه في الدعوة إلى الله سبحانه، أينما كان، وقد طوّف في كثير من البلاد، وقام بالدعوة إلى الله سبحانه: في أوروبا مدّة من الزمن، وفي الهند وفي الجزيرة العربية.

ودرّس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وله مؤلفات منها (الهدية الهادية للفرقة التيجانيّة)، وكان أول حياته تيجانياً، ثم خلّصه الله منها، ورد على أهلها، وكشف عوارها، ومن مؤلفاته الأخيرة: (سبيل الرشاد).

وقد خلَّف ابنين وبنتين أو ثلاثاً، وفقهم الله وأصلح حالهم، وقد صلَّى عليه جمٌّ غفيرٌ، ودُفِنَ في مقبرة الدار البيضاء، جمعنا الله به في دار الكرامة، وخلفه على المسلمين بأحسن الخلف. أ.هـ.

ولما كنت قد زرته في الدار البيضاء، بعدما استقر فيها، عِدة مرات، وأكثر ما مكثت عنده، بعدما ألحَّ عليَّ في إحدى المرّات، وكانت أسبوعاً، ولما رفضت السكن عنده في بيته لصغره وكثرة ضيوفه، فقد كان يرسل لي سائقه في سيارته (البيجو) الفرنسية الصنع، ليأخذني مبكراً في الصباح، لأفطر معه، ولا يسمح بإعادتي للفندق، إلا بعد صلاة العشاء في جميع الأيام حتى حان سفري، فمجلسه مجلس علم لا يُمل، وأحاديثه وذكرياته، وخاصة في إذاعة ألمانيا، شيقة.

فكنت أذهب معه للمساجد التي يُلقي فيها دروساً في الدعوة، ويجيب عن الأسئلة، وله جمهور كبير، وخاصة في الوقت بين العشاءين، والملك الحسن يؤيده في هذا المجال، وكانت كُتبه ورسائله التي زودني بنسخة منها، تُباع عند أبواب المساجد منشورة، وأحياناً يغاب عنها البائع، فكل مَنْ مرَّ أخذ منها، ولما قِيل له في ذلك، قال: دعوهم لعلَّ الله ينفعهم بما فيها. (للبحث صلة).

أول مسلم ياباني

كتب: نجم عبود البازي، في مجلة الحج موضوعاً عن أول مسلم ياباني بأنه (عمر ياما أوكا) الذي أسلم وحج في عام 1327هـ وتعتبر رحلته سبباً في اعتناقه الإسلام، نستخلص من ذلك البداية: فقد التحق بجامعة طوكي للغات الأجنبية، فدرس اللغة الروسية، وبعد تخرّجه عمل مترجماً حربياً في منشوريا للغة الروسية، والتقى بالجنود الروس المسلمين، فكانت هذه أول بداية اتصاله بالإسلام، ولتمكنه من اللغة الروسية، استطاع أن يفهم التعاليم جيداً، مما كان سبباً لدخوله الإسلام بعد هذا بسنين.

وفي بومباي بالهند، التقى بالداعية الهندي عبدالرشيد إبراهيم، فأسلم في 9 مارس عام 1909هـ وكان الشيخ راجعاً من اليابان، وفي طريقه إلى مكة، للحج.. وكان الإسلام مختمراً في ذهن (عمر ياما أوكا) فشرح له محاسن الإسلام الذي لقي صدىً عميقاً، فأسلم على يديه، فعلمه أركان الإسلام، والوضوء وأفعال الصلاة، التي تقبلها بسرعة لِما عرفه من الجنود الروس المسلمين، من آسيا الوسطى.

فكان عبدالرشيد، بعدما أسلم يدعوه ب(صديقي عمر أفندي) لأنه هو الذي اختار له اسم عمر، تيمناً بعمر بن الخطاب، وسيرته.. لأنه توسم فيه حبّ الإسلام والجرأة.

وفي بومباي بعدما أسلم وتعلّم أمور الصلاة، أحسَّ برغبة ملحة في أدائها، فتوضأ وصحب عبدالرشيد إلى المسجد، الميمنيّ في (بومباي)، وصلى العصر جماعة لأول مرَّة في حياته، فكان هذا المسلم الجديد، (عمر ياما أوكا)، فرحاً مسروراً بعد دخوله المسجد وأداء الصلاة، فشكر لمرافقه هذه الزيارة، كما أبدى إعجابه بنظافة المسجد وتصميمه، وكثرة المصلين فيه.

ولحرصه على أن يزداد معرفةً بالإسلام وبسرعة، فقد أجاد الصلاة واستمر عليها، مع الجزء المهم في الإسلام، ويحاول تعلم كل شيء عن الإسلام لكن صديقه الهندي عبدالرشيد ينصحه دائماً بالتدرج في التعليم وعدم الاستعجال، وقد بدأت رحلتهما للحج من 7-11- 1327هـ وخضعا للحجر الصحي أسبوعاً في جزيرة (قماران) للتأكد من خلو الحجاج من الأمراض المعدية، وبعد وصوله قام بشعائر الحج، ووصفها، وبعد الحج ذهب إلى المدينة لزيارة مسجد رسول الله، فلقيَ علماء من كل مكان، وحضر اجتماعات كثيرة في كل من مكة والمدينة، ورجع بعد رحلات عديدة يدعو للإسلام ويحاضر، وأسلم على يديه عدد من اليابانيين، الذين عرفوا الإسلام لأول مرة: رجالاً ونساءً واختفى سنوات عديدة، يدعو ويؤلف كتباً عن رحلاته والإسلام، منها في عام 1912م (10) كتب عن الحج والإسلام، فنال شهرة، لكنه متواضع في لباسه وتصرفاته، عاش عفيفاً فقيراً، إلى أن مات عام 1959م - 1379هـ.

ولم يجدوا بعده إلا حُزْمَتَيْن خضراء وسوداء، وفيهما أكثر من (1000) ورقة من كتاباته، وأوسمة حصل عليها بعد الحرب اليابانية الروسية، ورسائل من كبار الشخصيات، وبطاقاتهم ومذكراته.

(مجلة الحج والعمرة السنة 63 العدد 8 ص44-46).

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5068 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد