Al Jazirah NewsPaper Friday  21/03/2008 G Issue 12958
الجمعة 13 ربيع الأول 1429   العدد  12958
أخطار التخييم في الصحراء
د. عبد الملك بن عبد الله زيد الخيال

السفر للتخييم هو أحد الأشياء الجميلة والحسنة في الحياة لتفرّج هماً، ولتخرج من محيط الحياة اليومية الروتينية، ولتكتشف أماكن أخرى وترفه عن نفسك وعائلتك، ويُقال: (هناك نوعان من الرجال، النوع الأول من يفضل الجلوس في المنزل، والآخر الذي لا يحبذ المكوث فيه)،

وأن (هناك أشياء مخفية لا تعرف عنها شيئاً، اذهب وابحث عنها)، وأن (الأماكن الحقيقية هناك، ليست على أي خريطة، فابحث عنها)، وألطف الأقوال هو: (عندما خلق الله الزمن، خلق منه الكثير، ولذلك تمتع ببعض الوقت).

والتخييم في البر، عادة يتوارثها الناس في الجزيرة العربية، وبخاصة في موسم الربيع وموسم الأمطار، عندما تتزين الصحارى بغطاء أخضر، فسبحان الله، تنقلب الأراضي الجرداء إلى مسطحات خضراء تفوح بأنواع الزهور المختلفة الألوان، لذلك عند هطول الأمطار على المملكة في موسم الربيع، يستبشر ويفرح بها كل فئات المجتمع السعودي من حاضرة وبادية، ونحن الآن عند نهاية الشتاء وبداية الربيع، والأيام القادمة ستشهد بداية هذا الموسم الربيعي الخلاَّب وسيتمتع الجميع بالتخييم في البراري والصحاري والروضات الخضراء، التي يرتادها الآلاف من العائلات، لعدة أيام أو لعدة أسابيع متواصلة، البعض يتمتع بالمشي، يلهو مع الأصدقاء، والبعض يبحث عن الفقع، إنها المتعة حقاً، لكن هناك خطرين من التخييم..

أحدهما: خطر على البيئة من قِبل بعض الأفراد الجهلة، الذين لا همّ لهم إلا التجول بالسيارة في كل مكان.. لا يتبعون الطرق الصحراوية، يتسببون في إتلاف النباتات البرية والروضات الخضراء الجميلة بعجلات السيارات، وأرجو من كل محب للطبيعة أن يحاول قدر المستطاع المحافظة على هذه الروضات الخضراء، إنها مسؤولية كل مواطن غيور، المحافظة على جمال بلاده، حتى تستمر لسنوات طويلة وتكون مصدراً لاستمرارية ظاهرة التخييم التي يحبها ويعشقها الجميع.

أما الخطر الآخر فهو: على من يرتاد تلك الصحاري والروضات من الجهلة بأمور الصحراء ومخاطرها، لذلك يجب أن نأخذ تلك المخاطر بالحسبان عند التخييم حتى لا تنقلب سعادة الجميع بالتخييم إلى حزن قد تستمر آثاره لعدة سنوات، لذلك مع أن الذهاب للصحراء قد يكون مفيداً، لكنه في نفس الوقت قد يكون مكدراً لحياتك، فكما تعلمون، الموت يأتي للجميع ولا يفرِّق {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}، ومن حسن الحظ هناك أشياء يمكن أن نعملها لتفادي الأخطار قبل وقوعها، وتقول الأمثال: (الوقاية خير من العلاج) و(اعقلها وتوكَّل).. ومن الضروري جداً، قبل البدء في رحلاتك عليك إخبار أصدقائك وأقربائك عن جهة كل رحلة برية أو بحرية تقوم بها، وموعد رجوعك.

ورحلة التخييم العائلية، يمكن أن تكون تجربة تستمتع بها، بقليل من الاستعداد فمعرفة حدودك، وأخذك للوقت الكافي للتخطيط للرحلة، وتحميل الأشياء الضرورية التي تحتاجها، سوف يساعدك في رحلتك بدون منغصات، وقد يتساءل البعض ما هي أغراض الرحلات الضرورية؟ وللإجابة على ذلك أقول: خارطة للمنطقة، بوصلة، كشاف مع بطاريات إضافية ولمبة، طعام كثير، ملابس كافية، مع واقٍ من المطر في مواسم الأمطار، نظارات شمسية، سكينة جيب، علبة كبريت أو ولاعة، شمعة أو شباب للنار، كمية مناسبة من مياه الشرب، طارد للحشرات مناسب، مطارات مياه للمشي الطويل، خيام خفيفة معزولة عن الأرض مناسبة للنوم، بطانية للطوارئ، جهاز إشارة وتنبيه مثل صفارة، مرآة، تليفون متحرك (جوال)، وإذا كنت في منطقة جبلية في عسير مثلاً، فقد تحتاج إلى 50-100 متر من حبال النايلون.

أحضر معك صندوق إسعاف يحتوي بداخله على: جميع ما تحتاجه من منظفات للجروح والحروق والضمادات المعقمة، مقياس للحرارة، قفازات بلاستيكية للأيدي، كيس بلاستيكي كبير، مشابك، مقص، ملاقط وشوكات (لإزالة الشظايا والقراد)، مضاد حيوي كريم يوضع على الجروح حتى لا تتلوث بالجراثيم مثل (نيوسبورين)، شراب كحة، أدوية للألم والحمى مثل البنادول والتينالول، أو البروفين، كريم الهيدروكورتيزون (1%)، شرائح كحولية، صابون سائل مطهر لتنظيف الجروح، وتعلم كيف يمكن عمل الجبيرة قبل التخييم، عن طريق أحد دروس الإسعافات الأولية في الهلال الأحمر السعودي قد تساعد في الأوقات الحرجة عند تعرض أحد الأولاد لكسر في الذراع أو الساق.

ولو أن أطفالك لديهم صفارات، وكان أن طُلب منهم الانتظار في مكان معين لو تاهوا، فمن السهل إيجادهم، كما يستحسن أن يحضر أفراد عائلتك جوالاتهم معهم في الرحلة، وتأكد من أنها كلها مشحونة، ولا تنس أن تحضر معك شاحن جوال يعمل على ولاعة السيارة.

وللأسف هناك البعض من البشر يجهل الأساسيات في سلامة التخييم في البر، والإلمام بمواضيع السلامة، مثل خطورة التعرض لحرارة الشمس، والرياح، والبرد، والضياع في الصحراء وخطر الحيوانات والحشرات، والنباتات التي تسبب الحساسية.

لذلك إذا لم تكن من الممارسين للتخييم في الصحراء، فابدأ رحلاتك بعمل رحلات يومية للتعود على البر، وإذا شعرت بأنك قادر على التخييم لعدة أيام أو أسبوع أو أكثر، فاجمع معلومات عن المكان الذي ستقصده من حيث التضاريس والمناخ، إما من الكتب، أو من الهيئة العليا للسياحة، أو من أصدقائك.

وبما أن الجزيرة العربية كلها مناطق صحراوية فمناخها حار صيفاً وبارد شتاءً، فقد تشكِّل حرارتها التي قد تصل إلى حوالي 55 درجة مئوية أو أكثر خطورة خلال الصيف، وهذه الحرارة يمكن أن تقتل أي شخص يتجول في الصحراء وغير مستعد لمثل تلك الظروف، ولذلك أقول لكل من يرتاد البراري في أي وقت من أوقات السنة شتاءً أو صيفاً، عليك اتخاذ الاحتياطات ضد الحرارة الشديدة أو البرودة الشديدة في الصحراء، فقبل الرحلة، عليك التزود بكمية كبيرة من الطعام والمياه المعدنية الكافية لعدة أيام في حال تعطلت السيارة، وتجنَّب الشرب من الماء المتواجد بعد الأمطار في الصحراء لأنها قد تكون ملوثة، وتسبب مشاكل معوية وإسهالاً، وإذا اضطررت لاستعمال تلك المياه، فمن الأفضل أن يكون معك حبوب الأيودين السهلة الذوبان في الماء، ويمكن أن تستعمل مرشحات الماء، كما أن غلي الماء مقبول، لكنه يأخذ وقتاً وجهداً كبيراً، والشخص يحتاج إلى لترين من الماء كل يوم على الأقل.

ولهؤلاء ممن يحبون السفر بمفردهم في البراري، فهناك بعض الاحتياطات الواجب اتخاذها، لضمان رحلة آمنة - إن شاء الله - وقبل القيام بالرحلة، تعوَّد على قراءة الخرائط التي يمكن الحصول عليها من هيئة المساحة العامة، أو من هيئة المساحة الجيولوجية، أو تعود على استعمال (GPS نظام إيجاد المكان) الذي يمكن تركيبه على السيارة، كما تزود ببوصلة تدلك على الاتجاهات أثناء تجولك سيراً على الأقدام، وتأكد من أن جميع أفراد العائلة عليهم أحذية مشي مريحة، لتجنب تكون الجروح بالأقدام.

وإذا كنت تريد استكشاف بعض المناطق الجديدة، فعليك أخذ دليلة (شخص يعرف المنطقة المرغوب التجول فيها) من أقرب إمارة، لأن التعطل في الصحراء قد يكون مميتاً، لأنك قد تفقد احساس الاتجاه نحو الطريق الصحيح، خصوصاً بسبب أنه في عمق الصحراء، كل الكثبان الرملية تتشابه، ومن السهل أن تغرز في الرمل، أو تسقط في حفرة بين الكثبان ولا تستطيع الخروج، ويجب أن تعرفوا أن الحر الشديد في الصيف يضعف ويعوق أي شخص.

وإذا كنت من المحبين للتجول في أماكن بعيدة عن الطرق المعبدة في الصحراء، فاتبع إحدى الطرق الصحراوية (الجادة) فيقول المثل: (اتبع الجادة لو طالت وبنت العم لو بارت)، كما أنصحك بأن لا تستعين بشخص لا تعرفه، فقد تعرض حياتك للخطر، كما يجب أن تفكر مرتين قبل أن تتوقف وتقل أحد الغرباء معك في السيارة، خصوصاً إذا كنت وحيداً ولست مع جماعة يحمونك، فقد يكون ذلك الغريب المسالم، الطيب في مظهره، قاطع طريق ومجرماً، يتظاهر مثلاً بأنه تائه أو ميت، وتتوقف لنجدته، وعندما تقترب منه تجد أنه مجرم، قد يسلبك كل ما تملك ويقتلك في النهاية، ولذلك لا تتوقف للغريب، وخبِّر أمن الطرق عن طريق الجوال بموقعه (رقم 996)، واتركهم يتصرفون إلا في حالة أنكم مجموعة من الرجال ولست منفرداً مع عائلتك وأطفالك.

وعندما تتجول في مناطق الكثبان الرملية، فمن الضروري تقليل هواء الإطارات، حتى يمكن أن تسير على الرمال، لذلك عليك حمل ماكينة توليد هواء تعمل على ولاعة السجائر، حتى يمكنك من إعادة نفخ الإطارات بعد تركك لمناطق الرمال، وعليك أن تتحرك ببطء وبسرعة ثابتة بعد النفخ، لأن التعشيق والتحرك بسرعة يمكن أن يتسبب في غطس السيارة في الرمال مرة أخرى أي تغرز من جديد، كما يجب أن تحمل (كريك أو شفل) تستعمله للحفر، وألواحاً خشبية يمكن أن تضعها تحت الإطارات لتساعدك في الخروج من الرمال.

وأخطار التخييم الشائعة، أن لا تكون مستعداً لتغيُّر الجو بين الفصول، مثل التغيُّر من فصل الشتاء للصيف، من حيث الملابس المناسبة فيُقال عن تلك الفترة في الأمثال (إنها وقت بيعة الأحمق أو الخبل عباته)، لأنه يمكن أن يحدث تغيُّر مفاجئ في الحرارة في الربيع والخريف، فالأمطار والرياح تؤديان لسرعة برودة الجو، خصوصاً عند حلول المساء عندما تنخفض درجة الحرارة.

وتذكروا أن الزوابع تحدث خلال كل الفصول، وأن الرياح الشمالية هي رياح رملية صحراوية يمكن أن تكون خطيرة، لأنها رياح قوية محمَّلة بالرمال وتضرب في موجات متتالية، ولذلك كن حذراً، ولا تكن في الخارج عندما تحدث، فبعضها سيئ، خصوصاً إذا كنت أو أحد أفراد عائلتك تشكوان من الربو والحساسية، وتجنب قيادة السيارة أثناء حدوثها، لأنه قد يكون فيها خطر على حياتك.

والمشكلة الشائعة الأخرى هي الضياع في البر، وقد سمعنا عن حوادث كثيرة من هذا النوع، فعلم أطفالك، كيفية التعرف على الشواهد المختلفة في الموقع، وعند التجول، شجعهم على النظر للخلف للتعود على الطريق وما يحيط به، علمهم أن يبقوا في مكانهم هادئين عندما يضيعون، تأكد أن تشتري لأطفالك صفارات من محلات الألعاب الرياضية، وتأكد من أن يضعوها على أعناقهم أثناء تجولهم في الصحراء (الصفارات يمكن أن تسمع من مكان بعيد أفضل من صوت الإنسان)، وأن يعرفوا إشارة المساعدة العالمية، وهي ثلاث صفارات.

ولا تنس أن تتجنب إشعال الحطب في الصحراء أو في غابات عسير في الأوقات الجافة لأن إشعالها قد يتسبب في حرائق مميتة في المواقع التي تكثر فيها الحشائش الجافة والأشجار، مما يتسبب في أذى للبيئة قد يستمر لسنوات طويلة، واستعمل موقداً أو شواية متنقلة على الغاز، وابحث عن مكان يكون اتجاه الريح فيه بعيداً عن الحشائش والخيام، إذا اضطررت لعمل حفرة لإشعال الحطب، بحيث يتطاير شرار النار الناتج من الخطب بعيداً عن الخيام، (انثر قليلاً من التراب في الجو، أو لوِّح بمنديل من القماش لمعرفة اتجاه الريح).

خطط لوجباتك الغذائية حسب عدد أيام التخييم، ثم زد كمية المؤن للطوارئ، ومن حسن الحظ، توجد في هذه الأيام الكثير من المواد الغذائية المسماة بالصديقة للتخييم مثل بعض المعلبات المختلفة المجهزة للأكل، كل ما عليك هو فتح العلبة، وأكل المحتوى، وبعضها يحتاج إلى إحمائه على النار.

ولو كنت تخيم على مرتفعات جبلية، تأكد من مواقع المنحدرات الجبلية بحيث تحذر الأطفال من عدم الاقتراب منها لسلامتهم، ولتستمتع بالرحلة بدون منغصات، وفي حالة أي طارئ من المهم أن تبقى هادئاً، وعلى العائلة اتخاذ القرار جماعياً عن أفضل الخطط التي ستتخذ، وفحص الإمكانيات الموجودة.

وأهم الاعتبارات في الصحراء الماء والظل، ومن المهم أن يظل المتجول في الصحراء غير عطشان في كل الأوقات، ويحد من تعرضه للشمس، إما عن طريق الظل أو الملابس الواقية، ليتجنب أمراض الحرارة مثل التعب الحراري أو ضربة الشمس، الحرارة المرتفعة يمكن أن تكون مشكلة عند صغار السن خصوصاً في النهار عند زيادة نشاطهم، وفي الأيام الحارة يستحسن المشي في أوقات الصباح البارد وعند الغروب، واقض يومك خلال الأيام الحارة في المناطق المظللة، والبس واقياً للجلد عندما تتعرض أنت وأطفالك للشمس، مثل الطواقي والغتر، ولبس القبعات فكرة ممتاز للحماية من الشمس، كما تزود بالبطانيات في الشتاء، وللحماية من التغيُّر المفاجئ في درجة الحرارة، البس الملابس المناسبة خصوصاً القطنية، وكن مستعداً لتغيُّر الجو، بلبس أشياء قد تحتاجها مثل سترة واقية من البرد مثلاً.

التعب الحراري يسببه فقدان المياه والملح من الجسم خلال العرق، وينتج عنه عدم قدرة الجسم على تنظيم درجة حرارته، والمتعرض للتعب الحراري ربما يشكو من شدة العرق بغزارة، جلده شاحب مصفر، ونفسه قصير متقطع، وربما يشكو من الدوخة، الضعف، الصداع، وعند معالجة المصاب بالتعب الحراري عليك نقله إلى منطقة باردة، وامسح وجهه ورقبته بفوطة مبللة، ارفع رجليه واطلب منه أن يرشف بعض الماء.

بينما ضربة الشمس عبارة عن حالة شديدة، فالضحية يصبح وجهه أحمر وحاراً، جسمه جافاً، وضربات القلب متسارعة، وتنفسه بطيئاً وعالي الصوت، وربما يصبح فاقد الوعي.. مدد الضحية على الأرض، ورأسه وكتفاه مرتفعة، غط الجسم والرأس بملابس مبللة واستعمل مروحة يدوية عليه، وانقله إلى المستشفى في الحال.

وللوقاية من الأمراض المتعلقة بالحرارة، تأكد من أن المياه متوفرة واشرب باستمرار حتى قبل أن تصبح عطشان، لأن الأملاح في الجسم تُفقد من خلال العرق، لذلك أكل الغذاء المملح والفواكه المجففة، الشيكولاتة، المكسرات، والحبوب المملحة سوف تساعدك في الاحتفاظ بالأملاح، وتساعد جسمك في الإبقاء على الماء، ويعوض الأملاح المفقودة، والبس ملابس ملائمة، خفيفة، نظارات شمسية، قبعة، واستعمل فوطة مبللة كلما سنحت الفرصة لترطيب وجهك، وبلل رأسك بالماء، واحتفظ بطاقتك ولا تقم بمجهود كبير، وتجنب المشي خلال حر النهار، تمشى في الصباح والمساء، وابحث عن مكان بارد، واسترح في الأماكن المظللة خلال النهار، وكن حذراً عند وقت ارتفاع درجة الحرارة في النهار، حول الساعة الثانية ظهراً، وتأكد من أنك تحمل كمية كافية من الوقود والماء لو كنت تتجول في ذلك الوقت.

وأخيراً تجنب تصوير مخيمات البدو أو المخيمات الأخرى، إلا بعد أخذ الإذن بذلك.. والله يحفظ الجميع من كل سوء، ودمتم سالمين.







abdulmalikalkhayal@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد