Al Jazirah NewsPaper Friday  21/03/2008 G Issue 12958
الجمعة 13 ربيع الأول 1429   العدد  12958
إصدار التشاريع ورفع الثقافة المجتمعية تساعدان في الوقاية والحماية:
أطفال تحت السياط

تحقيق - ماجد بن صالح التويجري

انتشرت ظاهرة العنف الأسري بجميع أنواعه وباتت قضية شائكة وما قصة الطفلة (غصون) البالغة من العمر تسع سنوات ببعيد.. عندما قام والدها بضربها بأنبوبة معدنية على ساقيها وضربها عدة مرات بقبضة يده على يدها اليسرى فانكسرت كما رماها بعلبة مملوءة بمادة الكيروسين على وجهها وقام بإحماء ملعقة على البوتاجاز حتى أحمرت ثم كواها على كعبها وقام بربطها عدة مرات بسلسلة في إحدى نوافذ المنزل ومنعها من الأكل والشرب لمدة ثلاثة أيام وصدمها بالسيارة داخل فناء المنزل.. كل ذلك لغرض التخلص منها بعد ما ساوره الشك في أنها ليست بنتاً له!! كما قامت زوجته بتحريضه ومساعدته على ذلك حتى إنها قامت بدفعها على الجدار، وسكب بعض المواد الحارقة عليها وربطها ثلاث مرات ورفسها بقدميها على بطنها وعلى رأسها بالحذاء وضربها بيدها وبالعصا وبواسطة عصى بلاستيكية على رأسها وطعنها برأس عصى المكنسة في بطنها، هذه القصة المؤلمة تفتح الباب واسعاً لمناقشة العنف ضد الأطفال وخصوصاً من قبل من يفترض أن يقدموا لهم الحماية والأمان. فمن المؤكد جداً وطبقاً للدراسات الاجتماعية أن هناك أطفالاً يعانون في منازلهم من شتّى صنوف التعذيب.

وخلاصة القول إن العنف ضد الأطفال قضية اجتماعية خطيرة، ومأساة إنسانية عالمية، ولها آثار سلبية كبيرة على المجتمع بأكمله، إذ إن العنف يفرز أشخاصاً غير أسوياء، يمارسون بدورهم العنف ضد الآخرين، وبالتالي، فإن جميع الأجهزة المرتبطة بالأطفال والأسر يجب أن تستنفر قواها لمعالجة هذه الظاهرة أو التخفيف من حدتها على أقل تقدير.

(الجزيرة) ناقشت هذه الظاهرة مع ذوي الاختصاص لمعرفة خطورتها الصحية والنفسية والسلوكية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ممارسة العنف.

غصون رسالة قوية

بداية قال الأستاذ المساعد بكلية الطب والاستشاري النفسي الدكتور علي بن حسن الزهراني: أحب أن أهنئ كل المهتمين بشؤون الطفل بالقرار الحكيم الذي اتخذه قضاتنا الأفاضل بالقصاص من الأب وزوجته اللذين ارتكبا أشد أصناف العذاب لابنتهما غصون (رحمهم الله جميعا)، ولعلها رسالة قوية إلى القلة القليلة من الآباء، وأشدد على المعلمين والمعلمات وكل من هو مسئول عن الأطفال من أن الأسلوب القديم وهو ضرب الأطفال وإهانتهم مشاعرياً قد ولى، ولن يقبل الآن أي عاقل أن يقوم أحدهم مهما كانت قرابته بإهانة الطفل وتعذيبه، بل إن هذه الثقافة (ثقافة تقوية شخصية الطفل) هي ديدننا نحن آباء وأمهات ومعلمين ومعلمات.

وعن ظاهرة انتشار العنف تجاه الأطفال قال: هي ظاهرة عالمية بدأ التسليط عليها في العقدين الماضيين وازداد الاهتمام بها لدينا خلال السنوات الأربع الماضية، خاصة بعد أن بدأت الدراسات تهلّ علينا بنسب عالية، وحقائق علمية لا يقبلها أي عاقل... وإساءة معاملة الأطفال وإهمالهم متنوعة وكثيرة يأتي في مقدمتها:

الإساءة الجنسية، الضرب بأنواعه، الإساءة المشاعرية، الإهمال الطبي، الإهمال التربوي، الإهمال المشاعري، الإهمال المعرفي، والإهمال المادي.

ورغم أهمية كل تلك الأنواع وتأثيرها على الطفل إلا أن أشدها بطشاً وتأثيراً الإساءة الجنسية، لأنها وبكل بساطة تجمع كل الأنواع دفعة واحدة، ولهذا كان تأثيرها قوياً.

أما عن الأرقام فتشير الدراسات العالمية إلى أنه من كل 3 فتيات هناك واحدة تتعرض للتحرش الجنسي، بينما النسبة بين الأطفال الذكور تصل إلى حالة تحرش لكل خمسة أطفال.

وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من تلك الحالات لا تفصح عمّا حدث لها إلا أن النسب العالمية تشير إلى أن حالات التحرش الجنسي لا تقل عن 7% وقد تصل في بعض الدول إلى 34%، ومع الأسف الشديد أن أغلب المعتدين هم من الأقارب، حيث تصل النسبة إلى 85%، وهي نسبة عالية تدعو إلى التوقف عندها والتمعن فيها، ولعل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (وفرقوا بينهم في المضاجع) يؤكد خطورة الثقة المفرطة في الأخوة وبالذات في مرحلة المراهقة التي لا تعترف بعلاقة الدم، فإذا كان الأخ يخشى منه على أخوه فما بالك بالأقرباء الآخرين وبالذات أبناء الأخوات، والذين عادة ما يأتي الخطر منهم بسبب الارتياح السائد والملاحظ بين الأخوات.

كما تشير الإحصاءات العالمية إلى أن الفتيات أكثر تعرضاً للتحرش، حيث لا تقل النسبة عن 13% وقد تصل إلى 34% بينما تصل بين الأولاد 7% كحد أدنى إلى 16%.

ويردف بحديثه قائلاً: يجب أن نشدد هنا أن الإهمال والإهانة والضرب من أكثر الحالات انتشاراً بالوطن العربي، فالدراسات العربية تشير إلى أن نسب عالية من الآباء والأمهات قد تصل إلى 80% يؤيدون ضرب الأطفال لتعديل السلوك، وأما الإهانة المشاعرية فحدث ولا حرج، حيث إن استخدام كلمة نابية تجاه الطفل دارجة بين الأبوين والمعلمين دون أن يلقوا لها بالاً من أن تأثيرها على شخصية الطفل في الكبر شنيعة، ولا يقل الإهمال شأناً عن الإساءة المشاعرية، حيث إن الكثير من الآباء يترك أطفاله الصغار بالمنزل دون إشراف أو خوف أو وجل من حدوث حريق لا سمح الله وقد سمعنا حالات احترقت بسبب إهمال الوالدين، لأن الطفل لا يستطيع أن يتصرف عند حدوث مكروه، هذا فضلاً عن الأطفال الذين يسرحون ويمرحون بالشوارع وبالمقاهي والاستراحات، ويلعبون عند باب المنزل دون رقيب أو حسيب.

أما أسباب التحرش فهي كثيرة ولكن سأحاول أن ألخصها في التالي:

التحرش الجنسي:

* دافع إشباع الغريزة الجنسية وقلة الثقافة الجنسية لدى الطفل.

* البعض لديه اضطراب بحيث إنه لا يتمتع بالجنس إلا مع الأطفال (تلذذ الجنس مع الأطفال).

* والبعض لديه اضطراب آخر بحيث إنه لا يتمتع بالجنس إلاّ مع الأقارب (سفاح الأقارب).

* مع المرضى النفسيين.

* مع مدمني المخدرات.

* الأشخاص الذين تعرضوا هم للاعتداء الجنسي لديهم رغبه في الانتقام.

أما الضرب بأنواعه والإهمال والإهانة المشاعرية:

* الجهل بخطورة النتائج بالكبر.

* الثقافة تعزز ذلك (الضرب والقسوة تصنع الرجال).

* حب الانتقام أو تكرار خبرات الطفولة.

* المخدرات والأمراض النفسية.

* الانتقام من الأم في شخصية الأطفال في ظل غياب التشريع لحماية الأطفال.

وختاماً أرى أن إصدار التشاريع ورفع الثقافة المجتمعية هو السبيل الوحيد للوقاية من هذا الوباء.

نظام لحماية الأطفال:

الأمين العام المساعد للجنة الوطنية للطفولة الأستاذ محمد بن عبد الله القديري قال: إن مأساة الطفلة الضحية غصون التي وقعت أحداثها في مكة المكرمة تطرح سؤالاً مهماً وكبيراً عن مدى انتشار العنف ضد الأطفال في المملكة، وعن الجهود الحكومية والأهلية لمكافحته والتوعية بشأنه، إلى جانب إصدار نظام وطني لحماية الأطفال من العنف والإيذاء..

ولا شك بأن مدى انتشار إساءة معاملة الأطفال مسألة مثيرة للجدل في جميع دول العالم، ومن السهل انتقاد الدراسات عن شيوع وانتشار هذه الظاهرة في الدول المختلفة من قبل الخبراء، بسبب عدم الاتفاق على تعريف معنى العنف أو الإيذاء، وكذلك بسبب التأثير الديني والعاطفي عن التعامل أو الحكم على حالات الإيذاء من أولياء الأمور لأطفالهم..

ويضيف قائلاً: رغم اعتراف جميع الخبراء بوجود مسائل مثيرة للجدل حول إساءة معاملة الأطفال لدينا إلا أننا نظن أنها قد تكون ظاهرة منتشرة بمجتمعنا. وتشمل الأطفال الذكور والإناث، في كافة مراحل أعمارهم، وليست مرتبطة بالدين أو العرق أو المستوى الثقافي أو الاقتصادي، وإن الأعم الأغلب من حالات الأطفال الذين يعانون من العنف لا تصل مطلقاً لعناية واهتمام المسئولين عن الأطفال وعلى الأخص حالات الإساءة الجنسية التي لا يرافقها علامات لأذى ظاهرة للعيان.. وقد أجريت بعض الدراسات والبحوث عن العنف ضد الأطفال وإيذائهم في المملكة ومنها بحث للدكتور سعد سعيد الزهراني بعنوان (ظاهرة إيذاء الأطفال في المجتمع السعودي) تم نشره عام 2004م. ويتضمن إحصائيات وبيانات عن حالات العنف ضد الأطفال في المملكة..

وبالنسبة للعنف الأسري وطريقة الوالدين في التعامل مع أطفالهم قال: من الطبيعي أن تكون البداية هي في الاتفاق على أحقية الوالدين في تربية الأطفال، وتوجيههم والنأي بهم عن سلبيات ومخاطر الحياة، إلا أنه من المتفق عليه أيضاً أن الإفراط في فهم حقوق الوالدين قد ينجم عنه الإساءة للطفل، وهنا ينشأ الخلل في المعادلة بين التأديب والإساءة، هذا مع الإقرار بأن هناك عدداً من الحالات غير القليلة التي يتجاوز فيها الأمر إلى الإيذاء الشديد للطفل مما يؤثر بصورة واضحة على نمو الطفل من الناحيتين الصحية والعقلية، بل قد يؤدي إلى وفاته. مثل حالة الضحية البريئة غصون..

ويردف بحديثه قائلاً: إن ظاهرة إساءة معاملة الأطفال وبأشكالها المختلفة هي مشكلة اجتماعية واقتصادية وأخلاقية تهدد الأطفال ومستقبل المجتمع، ويجب العمل بروح الفريق الواحد من قبل الاختصاصيين في كافة القطاعات لزيادة التعرف وتشخيص هذه الحالات بهدف توفير الحماية اللازمة، بل إن جميع أفراد المجتمع عليهم مسؤولية المتابعة والاهتمام بأوضاع الأطفال وإبلاغ الجهات المختصة بالحالات السلبية التي قد يتعرض لها أي طفل.. ولعل الخطوة الأولى لنجاح أي عمل يهدف لحماية الطفل من العنف والإيذاء هي تشجيع التعرّف المبكر على حدوث أو احتمالية حدوث العنف أو الإيذاء، ويقع هذا على عاتق العاملين في المهن الصحية والتعليمية والاجتماعية والأمنية والاختصاصيين في مؤسسات رعاية الأطفال الذين بحكم مهنهم يتعاملون مع حالات العنف ضد الأطفال، ولزيادة هذا التعرف المبكر يجب توفير التدريب الأكاديمي والعلمي لهؤلاء المهنيين والاختصاصيين الذين يتعاملون مع الأطفال. وفي حالات انفصال الأب عن الأم فإن حضانة الأطفال لها قواعد حددها الشرع الإسلامي. ولكن يجب متابعة حالات الأطفال الذين يحتضنهم الأب فقط أو الأم فقط لمعرفة الوضع عند من يحتضنهم والتأكد من سلامته ومناسبته لهذه المهمة الكبيرة. وفي حالة اكتشاف أي مخاطر أو سلبيات يتعرض لها الطفل يعاد النظر في حضانته والبحث عن مكان أفضل لحضانته..

وفي ضوء ذلك كلّه تحتاج المسألة لأن تكون في إطار نظام لحماية الطفل من العنف والإيذاء، ذلك أن الأطفال هم عماد المستقبل، وبقدر ما يتم توفيره لهم من عناية ورعاية وتربية سليمة يتم تكوينهم ونموّهم السليم، وهذا ما يهدف إليه نظام حماية الأطفال من العنف والإيذاء..

وفي نطاق اهتمام اللجنة الوطنية للطفولة بما يتصل بالأطفال من موضوعات، فقد نظمت ندوة علمية وثقافية عن (العنف ضد الأطفال)، شارك فيها العديد من المختصين والخبراء السعوديين من الأطباء والتربويين وعلماء النفس والاجتماع، وانتهت الندوة بنتائج مهمة منها توصيات خاصة لمعالجة ما قد يعانيه الأطفال من الإيذاء والإساءة والإهمال وغير ذلك من أشكال سوء المعاملة السلبية المؤثرة على حياتهم ومستقبلهم الذي هو مستقبل المجتمع..

وكان من التوصيات المهمة في هذا الشأن الدعوة إلى إعداد آلية وطنية للحد من إيذاء الأطفال تتضمن قواعد وتعليمات وإجراءات موحدة تقوم بها الأجهزة المعنية في المملكة لحماية الأطفال.. وتم عرض تلك التوصية على المجلس الأعلى للطفولة برئاسة معالي وزير التربية والتعليم رئيس اللجنة الوطنية للطفولة ومشاركة وكلاء الوزارات. الممثلة في اللجنة الوطنية للطفولة، فأقر المجلس (دعوة الأمانة العامة للجنة الوطنية للطفولة إلى متابعة تنفيذ توصيات الندوة وعلى الأخص اتخاذ الإجراءات اللازمة لإقرار آلية للحد من إيذاء الأطفال تبدأ بتشكيل لجنة لوضع تنظيم واضح يحدد دور الجهات ذات العلاقة بحالات إيذاء الأطفال، كما اقترح المجلس أن يشارك في اللجنة كل من وزارات الداخلية، العدل، المالية، الشؤون الاجتماعية، الصحة، التربية والتعليم ممثلة في اللجنة الوطنية للطفولة، وقد تم العرض عن ذلك على المقام السامي فصدرت الموافقة الكريمة على تشكيل اللجنة المقترحة من الجهات سالفة الذكر وذلك لإعداد (نظام حماية الأطفال من الإيذاء)، وما زالت اللجنة تعمل على إعداد النظام بإشراف هيئة الخبراء بمجلس الوزراء..

تعريف إيذاء الأطفال:

ليس هناك تعريف واحد لمشكلة إيذاء الأطفال في العالم وجميع الدراسات والأنظمة تتبنى تعاريف مختلفة باختلاف الظروف والمجتمعات..

ولكننا في سعينا لإعداد نظام لحماية الأطفال في المملكة من الإيذاء نقترح أن نحدد تعريفاً واضحاً لمشكلة إيذاء الأطفال..

فإيذاء الأطفال هو كل اعتداء على الطفل سواء كان جسدياً أو معنوياً مما قد يعوق نمو الطفل نمواً متكاملاً بما في ذلك الإهمال أو النتائج المترتبة عليه من قبل القائمين على الأطفال ويتضمن ذلك جميع أشكال استغلال الأطفال في التسول أو العمل أو غير ذلك من المجالات غير النظامية..

أهداف النظام المقترح:

* التأكيد على التعاليم الإسلامية التي تحرم الظلم والأضرار بالغير أو الاعتداء أو الإيذاء بأي شكل من الأشكال وعلى الأخص الأطفال والضعفاء الذين أوجبت نصوص شرعية كثيرة الرفق بهم والرحمة لهم والعدل بينهم، والحفاظ على كرامتهم الإنسانية..

* دعم وتعزيز أساليب التربية السليمة للأطفال التي تؤكد على أهمية العناية القصوى بأساليب التعامل الصحيحة مع الأطفال، وتلافي العوامل التي تؤثر على شخصية الإنسان ومستقبله خلال مرحلة الطفولة والمرحلة المبكرة فيها على الأخص..

* تحقيق جزء من متطلبات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تتضمن وضع النظام والإجراءات الكفيلة بحماية الأطفال من جميع أشكال الإيذاء والإساءة والإهمال، وتعد مواد الاتفاقية ملزمة للدول التي وقعت عليها..

* الحد من حالات العنف والاعتداء ضد الأطفال التي تظهر في المجتمعات مع تزايد مشكلات الحضارة المدنية وتعقيدات الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة..

* تشجيع الاكتشاف المبكر لحالات أو ظروف الإيذاء والإساءة أو الإهمال للأطفال وإلزام المسئولين عن الأطفال للتعرف والتعامل السليم مع تلك الحالات في المؤسسات التعليمية والصحية والأمنية والاجتماعية والبلدية والقضائية وغيرهم من الفئات التي تتعامل مع الأطفال والأسر للعمل على الحد من إيذاء الأطفال ونشر اهتمام المجتمع وتوعيته بالأساليب المقبولة للتعامل مع الأطفال..

مواجهة المشكلة

مدير عام الإدارة العامة للحماية الاجتماعية الدكتور محمد بن عبد الله الحربي قال: إن أبرز الأساليب المناسبة لمواجهة ومكافحة العنف ضد الأطفال على كافة المستويات يأتي في عدة جوانب منها الجانب الوقائي والتوعوي: ويركز فيه على توعية الآباء والأمهات بالأساليب المناسبة للتعامل مع الأبناء.

كذلك الجانب العلاجي: ويتمثل في تهيئة البنية الأساسية للتعامل مع هذه المشكلة في حالة حدوثها سواء عن طريق الجهات الأمنية في التدخل المباشر لحمايتهم أو الجهات الاجتماعية في التدخل ببرامج التأهيل الاجتماعي والنفسي والإيوائي وأيضاً الرعاية اللاحقة: وتتمثل في متابعة استقرار الحالات لدى أسرها. منوهاً إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة في الإدارة العامة للحماية الاجتماعية هي المعنية وتقوم بتسجيل ورصد ما يرد لها من حالات تتعرض للعنف الأسري، من خلال الإحصائيات التي تم رصدها في الإدارة مع ملاحظة أن مشكلة العنف الأسري مشكلة مستمرة، وآخر إحصائية تم تسجيلها (570) حالة على مستوى المملكة.

حقوق الطفل الشرعية

فيما قال أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة المشارك الدكتور يوسف بن أحمد الرميح:

إن للطفل في الشريعة الإسلامية العظيمة حقوقاً واضحة معروفة أتى بها الشرع المطهر لحفظ كرامة الطفل وصونها وضمان نموه نفسياً واجتماعياً وجسدياً بالشكل الطبيعي. وضمنت المواثيق والمعاهدات الدولية عدة حقوق للطفل واحترام آدمية الطفلة والحفاظ عليه.

ومن مأساة العنف ضد الطفل أن الطفل لا يشتكي ولا يهرب ولا يقاوم فهو ضحية سهلة وميسرة في أي وقت يشعر الوالد في الرغبة في العنف أو في حالة الانفعال أو الغصب.

والعنف ضد الأطفال لا يعلن ولا يعلم منه أكثر من 10% منه بينما 90% منه يظل في الكتمان داخل المنازل، هذا نتاج إحدى الدراسات الغربية وأما في مجتمعنا العربي الذي تركز على مفهوم الأسرة والسلطة الوالدية فلا يعرف بالضبط كم نسبة العنف ضد الطفل.

إن من أصعب الأمور في الحياة وجود ضحية متوافرة دائماً فهذا يوفر نافذة سهلة لإخراج إفرازات الحياة المعاصرة والصعبة على الكثير، فتخرج على شكل عنف شديد ضد الطفل خاصة أنه لن يبلغ الشرطة أو الأقرباء إنما يشكو ضعفه وقلة حيلته لرب العالمين القادر على أن ينصر هذا الطفل الضعيف من هذا الوالد الجبار الظالم.

وفي دراسة لكاتب هذه السطور حول العنف ضد الطفل تنشر قريباً - إن شاء الله - تبيّن أن عدداً من أطفالنا يتعرضون للعنف من قبل الوالد خاصة، هذا العنف يأخذ عدة صور لعل أكثرها شيوعاً للأسف الضرب على مختلف أنحاء الجسد، يليه العنف والضغط النفسي والتحقير ويليه منع الطفل من حقوقه في الترفيه واللعب والتسلية.

عندما يشطح أب شاذ للعنف ضد أحد أطفاله فإنه وبهذا الفعل يدفع الطفل للجريمة والانحراف والعنف. وعندما يمارس العنف ضد الطفل فإنه يهرب للشارع، حيث إن هذا الطفل لم يجد الدفء والحماية في منزل الأسرة وهو يحاول البحث عنها في الشارع وللأسف يجد من يلتقطه سريعاً ويلتصق هذا الصغير بالآخر الغريب، حيث إنه وبسبب صغر السن يحتاج لمصدر حماية، يحتاج لصدر حنون ويد تمسح رأسه. وهنا تستغل طفولته بأبشع صورة، حيث يستغل الطفل في التسول من قبل ضعاف النفوس ويستغل في السرقة لحساب الآخرين ويستغل في الشذوذ الجنسي وفي بيع وتوزيع المخدرات وغيرها من الجرائم، وقد يكون من يلتقط هذا الصغير من الشارع لديه فكر إرهابي وفكر ضال وهنا نحن نفقد إحدى فلذات أكبادنا واحد أعمدة الوطن في المستقبل لأن يكون مجرماً أو إرهابياً.

إذن العنف الأسري ضد الطفل قد يدفعه للجريمة والإرهاب والعنف. كذلك عندما يمارس العنف ضد الطفل فإنه يختزن هذه الصور والوقائع الشاذة في عقله الباطن ودائماً ما يفكر فيها ويتصورها ويسترجعها ويتألم. ففي كل مرة يتذكر العنف المدوي عليه يهرب من هذه الذكريات الأليمة في معاقرة الخمور والمخدرات فقط لينسى تلك المواقف والمشاهد المحزنة والأليمة.

الوالد الشاذ الذي يمارس العنف على ابنه الصغير أو ابنته إنما يؤسس فعلياً لمجرم في المستقبل فهذا الطفل هو مشروع قاتل أو مجرم في المستقبل وذلك لأن عقله الصغير مليء بالعنف والحقد والكراهية ولذا لا يستغرب أن يهرب للمخدرات أولاً لينسى ماضيه القاسي ثم يتحول للقتل والعنف.

وهنا لي كمتخصص في علوم الإجرام والجريمة أقولها للجميع: إن هناك أمورا يجب معرفتها وعقلها قبل الاتجاه للعنف ضد الأطفال لعل أهمها أننا كآباء نعطي إشارات خاطئة وغير مفهومة للطفل مثلاً عندما يعمد أحد الوالدين لأسلوب عقابي ويعمد الوالد الآخر لأسلوب مخالف تماماً وأيضاً عندما يعمد الأب إلى عدة أساليب متضاربة في العقاب فيوم يضرب وآخر يؤنب وثالث يهمل هنا لا يعرف الابن ماذا سيلاقيه بسبب خطأ ما. وخطورة العنف للطفل تعادل خطورة الإهمال للطفل فكلاهما مصدر خطر محدق بالطفل، وكلاهما يدفعان الطفل نحو الشارع ونحو الالتصاق بأصدقاء السوء ونحو الجريمة والعنف والانحراف بكل أنواعه.

وحتى يكون الضبط أو التأديب نافعاً فهناك عدد من القواعد الذهبية وهي أن يكون التأديب صادراً من قلب شخص محب بعيداً عن الحقد والكره، وبعيداً عن الغضب وبعد استيعاب المبررات. أن من المآسي أن تكتشف بعدما عاقبت طفلاً أنه مظلوم أو انك مخطئ بهذا العقاب، إذا يجب قبل العقاب التأكد من الخطأ وسماع مبررات الطفل لهذا الخطأ الذي ارتكبه. كذلك يجب أن تكون كمية العقاب مساوية أو مقاربة للخطأ فالخطأ الكبير عقابه كبير والصغير صغير ونوعية العقاب موضوع في غاية الأهمية فلا يقتصر العقاب على الضرب فقط ولكن أن يحرم الطفل من لعبة أو رحلة أو زيارة أو غيرها هي أكبر أثراً ويدوم تأثيرها لفترة أطول بكثير من الضرب، حيث إن الضرب وقتي يشفي الوالد ولا يفيد الابن. كذلك يجب مراعاة الوقت بين الخطأ والعقاب فكلما طال الوقت بينهما نسي الطفل الخطأ وتذكر العقاب ويجب الربط بين الخطأ والعقاب وان تكون المدة الزمنية بينهما قصيرة ليكون أثرها أكبر.

رأي شرعي

من جهته قال عضو مجمع الفقه الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن يحيى النجيمي: لا شك أن العنف ضد الأطفال من الأمور المحرمة شرعاً كما روى أبو بردة بن نيار أن النبي عليه وآله السلام، قال: (لا يجلد فوق عشر جلدات إلاّ في حدّ من حدود الله). أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

وما يحصل في البيوت حالياً من إيذاء وتجنٍ على الأطفال للأسف من قبل أهاليهم جريمة وظلم كما حدث مع الطفلة غصون التي تلقت إيذاءً وضرباً من قبل والدها لا حول ولا قوة إلا بالله حتى لقيت حتفها ولكن الشرع أخذ حقها.

وختم حديثه قائلاً: يجب إيقاع أشد العقوبات ضد من يؤذون الأطفال من قريب أو من بعيد.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد