Al Jazirah NewsPaper Friday  21/03/2008 G Issue 12958
الجمعة 13 ربيع الأول 1429   العدد  12958
بعد أن تخطفتهم المغريات من كل جانب.. «الجزيرة» تناقش قضية تربية الأبناء:
من يحمي جيل المستقبل من الضياع؟!

تحقيق - مروان عمر قصاص

يقول الرسول- عليه الصلاة والسلام- في حديث نبوي شريف (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ويقول بعض أهل العلم: أن الله عز وجل يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، وهذا مؤشر واضح الدلالة على أهمية مسؤولية الوالد عن أسرته وأبنائه لأن البيت هو المصنع الأول والوحيد لإعداد رجال الغد حيث يتم فيه إعداد النشء وتأهيله للقيام بالمسؤوليات والواجبات التي سوف يتحملها على عاتقه في المستقبل، كما أن البيت يعد أجيال المستقبل ويمنحها الثقة اللازمة لدخول المجتمع الكبير، وللولد حقوق عديدة على والده منه ما هو قبل الزواج أي زواج الوالد، ومنه ما هو بعده.. أما قبل الزواج فهي الاهتمام باختيار الزوجة المناسبة والصالحة حتى تكون أما صالحة وجديرة بتحمل مسؤولية الأمومة كما على الوالد اختيار البيت المناسب والبيئة الجيدة وألا يطعم أولاده إلا طيبا حلالا وأن يعلمه الصلاة والتعاليم الدينية والقيم والمبادئ والأعراف الاجتماعية التي تجعل منه فردا سويا، وتربية الأبناء مرحلة مهمة وأساسية في بناء المجتمعات، ولهذا فهي مسؤولية كبيرة يتحملها أولياء الأمور وجهات عدة في المجتمع، ومن خلال رحلة مع بعض الشخصيات التربوية نحاول أن نبحث آفاق هذه القضية وأبعادها.

يقول الدكتور - بهجت جنيد مدير عام التربية التعليم بمنطقة المدينة المنورة مما لاشك فيه أن تربية الأبناء تبدأ من البيت والمسؤولية الأولى تكون على الأب والأم الذين يتحملون تربية الأطفال وغرس القيم والمبادئ الايجابية في نفوسهم وتعويدهم على النظام في شتى مناحي الحياة بدون قسوة مع تهيئة المكان المناسب للعب والانتباه لسلامتهم وسلامة حواسهم وإبعادهم عن سماع الألفاظ البذيئة والابتعاد عن العقاب البدني إلا في أضيق الحدود.

ونوه جنيد بأهمية التزام الوالدين بأسلوب تربوي مميز وبناء اتفق عليه نخبة من التربويين وهو المكافأة والتشجيع مع الثبات والوضوح في معاملة الطفل من الوالدين لأن عدم الثبات والتناقض سيكون خطيرا جدا على النمو الخلقي للطفل وقال جنيد: إن على الوالدين تعويد الأبناء على رؤية الغرباء بالتدريج ودفعهم للحديث معهم ومجالستهم والتحدث معهم مشيرا إلى أن هذه الأشياء مهمة في التربية المنزلية حيث تساهم في وضع الأسس الايجابية في مراحل بناء شخصية الطفل، وأكد جنيد على أهمية العناية المكثفة بالتربية الروحية مثل أمر الصغار وتعويدهم على الصلاة والصوم وكافة العبادات وتعويد البنات على الحجاب ومشاركتهم في النقاش وأخذ آرائهم وبناء شخصيتهم المستقلة وأشعارهم بدورهم وايجابيتهم في الحياة.

وأضاف جنيد أن اهتمام الوالدين بتلبية احتياجات الأبناء ضرورة ملحة ومن هذه الاحتياجات الحاجة إلى المعرفة، إشباع رغبة حب الاستطلاع، هواية القراءة، إشباع الحاجة للعمل، إشباع حاجة تأكيد الذات، الحاجة إلى الرفاق ومتابعة نوعيتهم، تشجيعهم على الاهتمام بالتقنيات الحديثة مع رقابتهم بأسلوب غير مباشر.

مرحلة المراهقة

وهذه المرحلة مهمة وخطيرة حيث إنها تعتبر نقطة تحول بارزة وأساسية في حياة الإنسان وهي البداية الهامة في تكوين الشخصية السوية، ولهذا فإن هذه المرحلة تحتاج منا جميعا لتكثيف المتابعة والمراقبة الغير مباشرة، هذا ما يؤكده أمين عام الغرفة التجارية الصناعية بالمدينة المنورة الدكتور زياد أبو زناده الذي قال أن متابعة الأبناء خلال هذه الفترة مسؤولية الوالدين والمدرسة والمجتمع ودعم حديثه بطرح عناصر من دراسة موثقة حول المخدرات والشباب أشارت إلى أن 42 % من العينة التي خضعت للدراسة تعاطوا المخدرات لأول مرة عندما كانت أعمارهم (16 - 20) عاما أي في سن المراهقة، وقال: إن عددا من الأخصائيين أرجعوا أسباب تعاطي المخدرات إلى ضعف وغياب الوازع الديني وأكد هؤلاء أهمية دور البيت والمدرسة في تنمية الوازع الديني، ويقول الدكتور أبو زناده: إن فترة المراهقة من الفترات الحرجة في شخصية الإنسان التي تستحق أكثر من وقفة، ويجب على أولياء الأمور خلال هذه الفترة أن يكونوا حذرين في التعامل مع الأبناء ومتابعتهم ومراقبة رفاقهم مشيرا إلى أن الدراسة السابق الإشارة إليها قد ذكرت أن 35 % من أفراد العينة الذين وقعوا ضحية في هوة المخدرات راجع إلى مجاملة أصدقاء السوء، وحذر من إغراق الأبناء في هذه السن بالمال بداعي عدم حاجتهم للغير وقال مستندا إلى نفس الدراسة أن 37% من العينة كانوا من الشباب الذين يغدق عليهم الآباء بالمال مما دفع بهم إلى المخدرات مؤكدا خطأ بعض الأباء في الإغداق بشكل غير منطقي وحذر من سلبية هذا السلوك.

جزء من التعليم

من جانبه يرى مساعد مدير عام التربية والتعليم بمنطقة المدينة المنورة الدكتور عبد العزيزكابلي أن التربية جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية بل إنها عنصر أساسي وهام من أسسها مشيرا إلى أهمية دور المدرسة وقال: إن وزارة التربية والتعليم تركز كثيرا ودائما على الاهتمام المكثف بكل ما يتعلق بالتربية من خلال الاهتمام بمدرسي المرحلة الابتدائية التي تعتبر المحطة الأولى للطفل بعد خروجه من بيته.

وقال كابلي: إن إدارة التعليم بالمدينة المنورة وكسائر إدارات التعليم في المملكة تهتم كثيرا بتطوير هذه المرحلة وكافة المراحل وتركز على أتباع أفضل الأساليب التربوية في التعامل مع الطلاب ويبذل المشرفون التربويون جهودا كبيرة لمتابعة أوضاع وسلوكيات الطلاب خلال اليوم الدراسي للحد من أسباب الانحرافات والسلوكيات الخاطئة، وطالب كابلي بتعاون اكبر بين البيت والمدرسة لتحمل المسؤولية المشتركة بين الطرفين حول التربية وأساليبها ومجالاتها.

قواعد هامة

ويقول الدكتور أحمد هاشم البدرشيني مدير العلاقات بجامعة طيبة بالمدينة المنورة التربية تعني العمل على السمو بالنفس نحو الكمال البشري الذي أودع الحق سبحانه متطلباته في الإنسان وهي اكتشاف لمؤهلات الإنسان وتنمية خصال الخير فيه وتوجيهها لبناء شخصية سوية جسما ونفسا وروحا وفكرا وإذافشلت العملية التربوية أو حادت عن الصواب فإن هذا يشكل خطرا على نشأة الإنسان وحاد بسلوكه عن المأمول.

ويقول البدرشيني للتربية أسس عامة فهي فن يقوم على قواعد كثيرة، نذكر بعضها أو أهمها ومنها أن التربية تتأسس على الحكمة وسعة الصدر والاعتدال في كل شيء: حب دون دلع، ولين دون قسوة، وحزم دون تسلط، وحرية دون تسيب.

ومن أهم القواعد التي يستعان بها في تربية الأبناء ما يلي:

- الدعاء والتضرع لله تعالى: حيث لا بد وأن يداوم الأبوان على الدعاء بأن يصلح سبحانه الأبناء وينبتهم النبات الحسن، وهذا هو حال الأنبياء والمرسلين والصالحين.

- التوافق بين الأبوين: أي توافق الأبوين وتكاملهما في المواقف والتدخلات، فعلى قدر ما يتحقق من انسجام بينهما تنجح العملية التربوية؛ بالمقابل تختل العملية عندما لا يتفق الأبوان في تقييم سلوك أو مواقف الأبناء.

- تقدير الأبناء واحترام كرامتهم: وهنا يجب القول: إن تفادي إصدار الأحكام السلبية من قبيل: أنت فاشل، أنت لا تصلح لشيء، أنت لا يعتمد عليك...اقتنع أنه لا يمكن أن يحظى بثقة أبويه مهما فعل، فيكون ذلك مدعاة للاستسلام والفشل والصواب أن يشعر الأبوان الأبناء بثقتهما فيهم وفي قدراتهم مراعاة لمشاعرهم وحفاظا على كرامتهم.

- إظهار الحب والمودة: لا شك أن جميع الآباء يحبون أبناءهم، وإنما يختلفون في طريقة التعبير عن ذلك الحب؛ غير أن شعور الأبناء بحب آبائهم لهم عنصر حاسم في بناء الثقة بين الطرفين ولعل أبلغ ما يعمق حب الأبناء لآبائهم المداعبة والملاعبة، ولنا في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القدوة البليغة في مداعبة أحفاده، يقول معاوية رضي الله عنه: (من كان له صبي فليتصاب له).

- متابعة مراحل النمو ومراعاة متطلباته: حيث على الآباء والأمهات تتبع بوعي لمراحل نمو الأبناء، ومن الخطأ معاملة المراهق كما كان يعامل وهو طفل، فلكل مرحلة معاملتها الخاصة، وفي الحديث النبوي:(داعبه سبعا،وأدبه سبعا، وصاحبه سبعا)،وهذا يعني أن لكل مرحلة عمرية خصائص ومتطلبات، يكون بناء شخصية الأبناء سويا سليما على قدر ما تحقق من نجاح في إيفاء كل مرحلة ما تحتاجه، دون إفراط أو تفريط.

- التشجيع والتنويه: يعتبر التحفيز من العوامل المساعدة على بذل المزيد من الجهد سعيا لتحقيق نتائج أفضل، فمتى توفق الأبناء في دراستهم - بشكل أخص - وجبت مكافأتهم، ولو بعبارة تعبر عن الرضا والتقدير، إذا لم يكن بجائزة أو هدية تؤكد اهتمام الأبوين بهم وبمجهوداتهم.

- الاهتمام بقضايا الأبناء: حيث لا بد وان يعمل الأبوين على تشجيع الأبناء لطرح مشاكلهم وتبادل الآراء ومن الخطأ تجاهل القضايا التي يود الأبناء إثارتها مع آبائهم، مهما بدت في نظر الأبوين تافهة لا تستحق الاهتمام؛ وعين العقل أن ينظر إليها من زاوية الأبناء وإعطائها ما تستحق من الوقت في جو من الحوار الهادئ، وبتوجيه هادف، ينمي إدراك الأبناء، ويوطد ثقتهم في آبائهم.

- مرا قبة في غير حصار: من تمام مسؤولية الآباء مراقبة أبنائهم سلوكا ورفقة ودراسة...،على إلا تتحول هذه المراقبة إلى حصار يعد على الأبناء أنفاسهم، ويشعرهم أن الرقابة الأبوية تطاردهم في كل وقت وحين، مما يولد لديهم شعورا بالارتباك وعدم القدرة على أية مبادرة مهما كانت بسيطة، بل يجعلهم موضوع سخرية بين أقرانهم.

- الاستقلال المالي: لا بد أن يعي الأبوان أهمية أن يتعلم الأبناء استعمال النقود والتعامل بها لشراء حاجياتهم الخاصة، تنمية للجانب المالي في شخصيتهم، وتربية لهم على ترشيد المال، على أن الشح على الأبناء وعدم صرف مبالغ شهرية أو أسبوعية معقولة، يدفعهم للسرقة بطرق متعددة.

الاهتمام بثقافة الطفل

من جانبه أكد الأستاذ أحمد بن علي البكري وهو تربوي متقاعد على أهمية الاهتمام بثقافة الطفل باعتبارها قناة هامة لإيصال كل ما نريد إيصاله إليهم من إيجابيات مشيرا إلى أن ثقافة الطفل مسؤولية يتحمل تبعاتها البيت والمدرسة ووسائل الإعلام عبر قنواته المتعددة وطالب أولياء الأمور بالتركيز على تثقيف الطفل بمناهج وأساليب تواكب ثقافتنا مع الأخذ بالاعتبار إمكانيات الطفل ومواكبه محدودية إدراكه وفهمه وقال: إن الوزارة تولي هذا الموضوع اهتماما خاصا من خلال الندوات والإذاعة المدرسية والأنشطة الثقافية والمسابقات وغيرها، ودعا البكري إلى ضرورة الاهتمام بالبرامج التلفزيونية والإذاعية الموجهة للطفل واستثمارها بالشكل المناسب لبناء شخصية الطفل وتعزيز ثقافته العامة وانتقد أساليب البرامج المخصصة للأطفال في العديد من وسائل الإعلام العربية والتي تحاكي الأسلوب الغربي وتتجاهل ثقافتنا الغنية بمورثات عظيمة نحتاجها في تربية الأبناء ودعا إلى أن يتولى مسؤولية هذه البرامج أخصائيون في هذا المجال يستندون إلى خلفية ثقافية عربية عميقة ويوجهون برامجهم بشكل هادف يبني شخصية الطفل الذي هو رجل الغد.

الأنشطة اللامنهجية

ويقول الأستاذ علي بن عبد الرحمن العمري مدير الإعلام التربوي بتعليم منطقة المدينة المنورة أن من مهام الإعلام التربوي ترسيخ القيم والمبادئ الإيجابية والحد من السلبيات مؤكدا أن تربية الأبناء من أهم وأخطر المراحل في الحياة ونجاحها يعني بناء جيل جيد لغد واعد موضحا أنها تمر بمراحل عدة وتتولى متابعتها العديد من الجهات لبناء جيل قادر على تحمل مسؤولياته وإكمال مسيرة البناء في صرح الوطن وهذه العملية تحتاج إلى محاور عدة تستحق اهتمامنا جميعا ومنها الترفيه واللعب وهو ما تحرص عليه حكومتنا في العديد من الحدائق العامة ومن خلال تشجيع إقامة المشروعات الترفيهية ومدن الألعاب في مختلف مناطق المملكة، وطالب العمري بضرورة الاهتمام بهذا الجانب ومشاركة أولياء الأمور في اللعب مع الأبناء مشيرا إلى أن هذا الأسلوب يعمق توجهات الشباب في ممارسة الألعاب المناسبة، وتطرق إلى دور المسرح في التربية وخاصة مسرح الطفل الذي يساهم في إيصال المعلومات بأسلوب مبسط ومحبب لدى الصغار داعيا إلى المزيد من الاهتمام بمسرح الطفل ومنوها برعاية الجمعية السعودية للثقافة والفنون بمسرح الطفل عبر أعمال قليلة إلا أنها جيدة وتحتاج لتفعيل أكبر حتى نستفيد منها وقال: إن مخاطبة الطفل ليست بسيطة كما يتوقعها بعضهم بل هي عملية شاقة تحتاج إلى دراسة ووعي بنفسية الطفل واحتياجاتها وتحديد ماهية القضايا التي نريد إيصالها ويجب علينا اختيار شخصيات على مستوى كبير من العلم والثقافة للاهتمام بثقافة الطفل وتوعيته.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد