Al Jazirah NewsPaper Friday  21/03/2008 G Issue 12958
الجمعة 13 ربيع الأول 1429   العدد  12958
المستشار التربوي د. محمد عاشور ل«الجزيرة»:
أدعو الآباء لخطاب يلائم أبناءهم الشباب لردم الفجوة بين الأجيال

لقاء - هيفاء القريشي

نرى اليوم نوعا من أنواع البعد النفسي والفكري ووجود مسافات شاسعة بين توافق الآراء ووجهات النظر واختلاف المفاهيم بين جيل الآباء والأجيال الجديدة، وكثيراً ما نلمس هذا التنافر في الأسرة الواحدة، عن هذه المحاور نتحدث مع الدكتور محمد حسن عاشور خبير تنمية بشرية، مستشار تربوي، ومشرف مركز العصر للاستشارات والتدريب.

أسباب الاختلاف

* بداية دكتور محمد.. كلنا نشكو أحيانا من صعوبة في تربية أبنائنا ومدى تقبلهم لتوجيهاتنا.. فما هي الأسباب المؤدية إلى اختلاف وجهات النظر بين جيل الآباء وجيل أبنائهم؟

- اختلاف وجهات النظر بين الأجيال ذو أبعاد متعددة وذلك تبعاً للثقافة ونظام التربية والتغيرات الفكرية وكذلك التغيرات الاقتصادية وبظني أن المشكلة في هذا المجال تقع بشكل كبير على عاتق الآباء وذلك يتمثل في عدم تلمسهم لاحتياجات ودوافع وطاقات أبنائهم بالشكل الصحيح ولاشك أن التطور السريع في الحياة والعالم من حولنا الذي يختلف اختلافا كبيرا عن العصر السابق الذي عاشه الآباء يزيد من هذا الاختلاف أو الفجوة حيث إن كثيراً من الآباء ما زالوا يطبقون بعض الممارسات والأساليب التي طبقها الأجداد دون أن يدركوا الاختلاف الكبير بين الزمن السابق والزمن الحالي, ونحن هنا نوجّه دعوة للآباء بأن يدركوا أن لكل جيل خطاب خاص واحتياجات خاصة وأسلوب خاص للحوار ولو استشعر الآباء هذا الاختلاف لما كان هناك خلاف.

* ما هي الدوافع الرئيسة التي تؤدي بالأبناء وجيل الشباب إلى اتباع آرائهم الشخصية وحدها والتعنت في ذلك؟

- هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر بشكل كبير على جيل الشباب ومنها: البيئة التي يعيش فيها فللبيئة, والتربية, والمدرسة, والمعلمين, والإعلام دور كبير في هذا الجانب هذا بالإضافة إلى العامل النفسي والمرحلة العمرية لشاب في سن المراهقة وما يترتب عليه من متغيرات. فعلى سبيل المثال عندما يعيش الشاب في بيئة يكون فيها الأب متعنتاً فإننا نجد أن هذا الشاب بطريقة أو بأخرى تحول إلى شخصية متعنتة, فالمراهق في كل زمان يحتاج إلى احتضان من الوالدين والمدرسة والبيئة المحيطة والتعامل بالعقل والتوجيه وليس العقاب والتوبيخ, إعطاء الثقة والمتابعة وليس المراقبة والتقليل من الثقة وبالتالي فإن: (التربية الدينية + إشباع الفراغ العاطفي + التوجيه والمتابعة والثقة = مراهق قويم ولبنة صالحة للمجتمع), وكذلك من العوامل التي لها الأهمية البالغة من حيث الخصائص النفسية الملازمة لهذه المرحلة العمرية وارتباطها الوثيق بانغلاق الشباب نحو ذواتهم أكثر.

العامل النفسي والعمري

* ما دور العامل النفسي والمرحلة العمرية وما يترتب عليها من متغيرات فيسلوجية في حياة الأبناء والمراهقين وما تأثيرها على أهوائهم وآرائهم الشخصية؟

- مرحلة المراهقة تتسم ببعض التمرد ومحاولة إثبات الذات، وهو ما يدفع الآباء في كثير من الأحيان للشكوى من التصرفات غير المفهومة من أبنائهم المراهقين فحين أثبتت الدراسات في علم النفس أن الشباب في مرحلة المراهقة واحدة من صفاتهم الرئيسة التشبث بآرائهم حتى لو كانت تخالف الآخرين, وأهم نقطة في هذا الجانب هي رد فعل الوالدين تجاه أبنائهم والتصرف معهم بحكمة ومرونة ورحابة صدر فهم بأمس الحاجة للحوار الراقي في جو من الحب والألفة لا فرض الرأي والصراع.

* قد يلجأ الولد أو البنت إلى صديق أو صديقة يكون أقرب له من والديه.. فما رأيك بذلك؟ وما هو دور الصداقة وما مدى تأثيرها في هذه الفترة من العمر في حياة الأبناء؟

- الصداقة في هذا السن أمر طبيعي فالإنسان خلقة الله بطبعه اجتماعي يميل إلى تكوين الصداقات والتواصل مع الآخرين فالصداقة بحد ذاتها تلبي احتياجاً نفسياً واجتماعياً فهي أساس الانتماء للجماعة. ولا بد أن يتأكد الوالدان أن قلة اتصال أبنائهم بالأصدقاء والتعامل مع الآخرين يعيق النمو الشخصي للأبناء ويفقدهم التوافق مع من حولهم؛ لأن العلاقات هي أساس النجاح في الانتماء للجماعة والقيام بالأدوار الاجتماعية الفعالة التي تزيد من اكتساب الشباب السلوكيات الاجتماعية والثقة بالنفس, وهنا يظهر دور الأسرة في تربية أبنائها وتدريبهم على مهارات اختيار الأصدقاء وأن تتم توعيتهم بأسس الصداقة, ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حيث استخدم المصطفى عليه السلام تعديل السلوك والتعلم بضرب المثل , حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة). وهذا نوع من التربية يجب التأكيد عليه واتباعه عند إعداد مناهج التربية الأسرية وتنفيذها.

دور الإعلام

* ما دور الإعلام في حياة الناشئة خصوصاً بعد المتغيرات العصرية من الانفتاح والعولمة وكثرة القنوات الفضائية؟ وهل لها آثار على النواحي الفكرية والسلوكية لأبنائنا؟ وكيف نقنن هذه المسألة؟

- الإحصائيات تقول إن عدد القنوات الفضائية العربية المجانية على عربسات ونايلسات قد وصل إلى حوالي 300 قناة, وكثيراً من هذه القنوات ما يعرض الغث والسمين, والدراسات تؤكد على مدى تأثير الرسائل الإعلامية على العقل، ففي استطلاع للرأي وجد أن ثلثي الشعب الفرنسي يريدون منع بث الأفلام الإباحية على شاشات التلفزيون، مؤكدين أنها أسهمت في زيادة العنف، خصوصاً بين الطلبة والفئات العمرية الصغيرة حيث يعرض نحو 950 فيلم إباحي شهرياً؛ وهو ما يشكل خطراً على الشباب الفرنسي. وإذا كانت هذه المطالبة من المجتمعات غير الإسلامية فكيف بنا نحن المسلمين, ولكن في ظل وجود نظام للتربية الإعلامية لدى الأسرة يمكن أن نقلل من التأثيرات السلبية للإعلام, فعن دور الوالدين تقترح أكاديمية أطباء الأطفال الأمريكية على الوالدين اتخاذ مجموعة من الخطوات للحد من التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام منها: تشجيع الأبناء على الاختيار الواعي والمسؤول للبرامج التي يشاهدونها، مشاركة الأبناء فيما يشاهدونه أو يسمعونه أو يقرؤونه في وسائل الإعلام المختلفة ومناقشتهم في ذلك، تعليم الأطفال والمراهقين والبالغين مهارات النقد لما يشاهدون، تحديد الوقت المخصص لوسائل الإعلام، لعب دور القدوة والنموذج في التعامل مع وسائل الإعلام أمام الأطفال من خلال الاستخدام الأمثل لهذه الوسائل وتحديد أوقات التعامل مع وسائل الإعلام، تبني نشاطات بديلة لوسائل الإعلام، خلق بيئة خالية من وسائل الإعلام الإلكترونية في غرف النوم، تجنب استخدام وسائل الإعلام كمربيات للأطفال من أجل التخلص من إزعاجاتهم.

* كيف يمكن تقريب المسافات النفسية والفكرية والعاطفية بين الآباء والأمهات من جهة وأبنائهم من جهة أخرى؟

- إن العمل على تقريب المسافات النفسية والفكرية والعاطفية بين الآباء وأبنائهم لا بد أن يكون من أهم الأمور التي تشغل الآباء فلابد من بذل الجهود الكثيفة للحيلولة، دون بقاء الفراغ العاطفي والفكري عند الشاب ،وملء هذا الفراغ قبل أن يقع في هاوية الانحراف. فالشباب يُشبَّهون بالأرض الخصبة، يحصد منها ما يزرع فيها، لذا يجب أن تتم زراعتها بشكل صحيح وسليم، قبل أن يستغلها الآخرون، كما أن توجيه الشباب نحو الخير والفلاح لا يتمُّ إلا بمنح المَحبَّة والألفة والاحترام في جو راق من الحوار، وبالتالي التعامل معهم كأصدقاء مخلصين.

القدوة الحسنة

* ما دور القدوة الحسنة من السيرة النبوية والقصص التاريخية ومن داخل الأسرة في تربية أبنائنا؟

- إن للتربية الصحيحة مناهج ينبغي على المربي أن يضعها نصب عينيه، ويسعى لتفعليها فيما هو مقدم عليه. ويأتي في مقدمة ذلك القدوة الحسنة، فهي أسُّاس التربية وعمادها، وإنّ أحوج ما يحتاجه الناشئ: أن يرى القدوة الحسنة فيمن حوله، في والديه ومعلّميه, وممن حوله, وذلك أن الأبناء يتعلمون بالقدوة الحسنة أكثر مما يتعلمون بالكلام وغيره، وهذا أمر مشاهد وملموس لا يحتاج لإقامة الدليل عليه، والأسرة هي المعين الأول، الذي تتشكل وتتحد فيها معالم شخصية الأبناء فهي التي تغرس لديهم المعايير والقيم الدينية والأخلاقية التي يحكمون بها على الأمور وهنا نؤكد على خطورة دور الأسرة فعادةً ما يقوم الأبناء بعقد مقارنة بين ما يقال لهم من قبل والديهم وبين سلوكهما الفعلي فإذا لاحظ الابن وجود تناقض بين ما يقال له وما يفعل فإنه يصاب بحالة من الاضطراب النفسي والتمزق ويفقد كذلك القدرة على التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ, وإنّ التأمّل في هدي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته ليعلّمنا أنّ التربية العمليّة للناشئ أساسها ولبنتها الأولى القدوة الحسنة فهذا نموذج من هدي سيد الخلق صلى الله عليه وسلم. فها هو أنس بن مالك، يقول: خدمت النبي عشر سنوات. فما قال لي يوماً لشيء صنعته لِمَ صنعته؟ أسلوب تربوي ليتنا نلتفت إليه، وأود أن أركز على أن عملية تعليم السلوكيات والأخلاق الحميدة للأبناء لا تقتصر على الأسرة فقط، بل إن المناهج الدراسية يجب أن تنمي ذلك داخل الطفل، والقرآن والسنة النبوية والحياة العامة زاخرة بقصص التضحية والعطاء والبر والأمانة. وكذلك فإن وسائل الإعلام عليها هي الأخرى أن تدعم هذه السلوكيات بأسلوب راق ومميز.

* جرت العادة والموروثات الإسلامية والأعراف بين الناس على بعض المبادئ التربوية والمواقف بين الأجيال مثل مبدأ: (إذا كبر ابنك خاويه) فإلى أي مدى تم تطبيق هذا المبدأ فعلياً في حياتنا الاجتماعية؟ وكيف يمكن العمل بهذه المبادئ؟

- إننا في موروثاتنا الإسلامية وفي عاداتنا نمتلك الكثير من القيم الراقية ومنها كما ذكرتِ (إذا كبر ابنك خاويه) ويمكن لنا أن نرى ذلك من خلال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لاعبه سبعاً وأدبه سبعاً وصادقه سبعاً ثم اترك له الحبل على الغارب) وهنا نجد كيف سبق الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم الدراسات في دراسة متخصصة قامت بها ال(Gssw المدرسة المتخصصة للدراسات الاجتماعية في الولايات المتحدة على حوالي 400 طفل، بداية من كونهم في سن رياض الأطفال وحتى وصولهم سن 24 على لقاءات مختلفة في سن 5، 9 ، 15، 18، 21، واشتملت على حوار مع مربيهم من مدرسين وآباء؛ لتجميع كل ما يلزم عن ظروف النشأة والضغوط والمشاكل واكتمال وظائف هؤلاء الأطفال وتفاعلهم مع الجو المحيط؛ كانت نتيجة الدراسة أن المراهقين في الأسرة المتماسكة ذات الروابط القوية التي يحظى أفرادها بالترابط واتخاذ القرارات المصيرية في مجالس عائلية محببة يشارك فيها الجميع، ويهتم جميع أفرادها بشؤون بعضهم البعض هم الأقل - من بين الذين تمت عليهم الدراسة - ضغوطاً، والأكثر إيجابية في النظرة للحياة وشؤونها ومشاكلها، في حين كان الآخرون أكثر عرضه للاكتئاب والضغوط النفسية.

ونستطيع القول إن هناك العديد من النماذج المعاصرة نجحت في تطبيق هذا المبدأ، ويحضرني هنا موقف جميل رأيته فقد كنت في زيارة لإحدى الدول العربية. دخلت محلاً للحلاقة وكان مع الحلاق شاب صغير يساعده، وقد تعجبت من العلاقة التي بينهما كانا أشبه بصديقين رغم فارق السن وازدادت دهشتي حين علمت أن الشاب ابن الحلاق؛ علاقته بابنه علاقة أخوه وهو يعلمه حرفة رغم أن للابن دراسته ومستقبله العلمي. فهذا الوالد نموذج معاصر لتطبيق مثل هذه المبادئ والمُثٌّل الراقية.

الدافع والحافز

* كيف يمكن تفعيل عامل التشجيع والثناء في معاملة الأبناء؟ وما الدور الإيجابي لذلك؟

- إنني أرى الناس في الحياة عموما تتحرك تبعا لثلاث أركان وهي ركن الاستعداد والنضج (النفسي والبيولوجي)، وركن الألفة والحب والمهارات، وركن الدافع والحافز، وهذا في ظل عنصر البيئة السليمة وأي إنسان إذا توفرت لديه هذه الأركان مجتمعة فإن جميع ما يحدث في الحياة من اتصال يكون فعالاً وإيجابياً، وبالتالي فإن ركن الدافع والحافز ركن مهم جدا وهو من أهم الأركان التي يجب أن نركز عليها في تعاملنا مع أبنائنا فإننا نجد أنَّ تشجيع الأبناء وتعزيزهم مادياً ومعنوياً ما هو إلا دفع سريع لعجلة صلاحهم، وتحفيزهم (بما هو مناسب في الوقت المناسب)، ويجدر التنبيه هنا إلى أمر مهم وهو أن نرتقي بوسائل التشجيع التي نستخدمها مع أبنائنا، وما أجمل أن تتنوع تلك الوسائل.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد