Al Jazirah NewsPaper Wednesday  09/04/2008 G Issue 12977
الاربعاء 03 ربيع الثاني 1429   العدد  12977
المرأة بين سندان الانفصال العاطفي ومقصلة الطلاق
د. عبدالله بن سعد العبيد

سألني أحد زملاء ابني وقد بدأ في إعداد بحث عن الانفصال العاطفي بين الزوجين، سألني عن مدى تأثير الانفصال العاطفي على الأطفال، وأيهما أفضل للأطفال ومستقبلهم: الطلاق بصيغته المعروفة أو الانفصال العاطفي مع إبقاء روابط الزوجية.....

..... بين الوالدين؟ وقد أجبته بما استطعت أن أوفره من قدرة على التفكير في محور سؤاله؛ حيث اتجهت جميع قواي الفكرية نحو أصل وحكاية الموضوع من جميع جوانبه، وتحديداً ما تواجهه المرأة في جميع الحالات، سواءً دخلت دائرة الطلاق الطبيعي بإرادتها أو رغماً عنها، أو مرحلة الانفصال العاطفي وتأثيراته السلبية عليها ونظرة المجتمع القريب الصغير منها والكبير أيضاً، ومدى حريتها في المشاركة في اتخاذ قرارات مصيرية بهذا الحجم.

لن أتحدث عن الطلاق من الناحية القانونية ولا الاجتماعية ولا حتى الأخلاقية، بل سأحاول ملامسته من ناحية أخرى ينساها المجتمع أو يتناساها ويتجاهلها عمداً، وهي الناحية النفسية؛ فعند طلاق الزوجين تنشأ خلافات حادة بين طرفي النقيض (أهل الزوج وأهل الزوجة) تتعلق بالمهر والمؤخر والأولاد والنفَقة و... إلخ.

بالطبع كل طرف يحاول إثبات صدق أقواله وبطلان أقوال الطرف الآخر، والمجتمع بدوره يؤيد هذا الطرف ويزجر الطرف الآخر، وقد توصلهم خلافاتهم إلى المحاكم أو غيرها، متناسين الحالة النفسية المنهارة التي تدخل في معمعتها الزوجو منذ اللحظة الأولى لإصابتها بآفة الطلاق، تلك اللحظة التي تفقدها كرامتها وكيانها وجزءاً كبيراً من أنوثتها التي طالما تعتز بها وتحافظ عليها.

الطلاق الذي يفترض في كثير من الحالات أن يكون الملاذ والمصدر لاستعادة الزوجة أو المرأة لكرامتها وكيانها، يكون هو من يفقدها كرامتها وكيانها. وأنا هنا أفترض أن الطلاق تم لأسباب لا تستدعي أن تعاقب الزوجة عليها بهذا المقدار من العقاب، وأن تشتت بسببها أسرة متكاملة، وأن يضيع بسببها أبناء لا ذنب لهم، أو على أقل تقدير أن الطلاق قد تم بالتشاور بين طرفي النزاع. وهنا أود التوقف عند لفظة الزواج وفروعه بعيداً عن التعريفات القانونية والتشريعية له.

يكمن سرّ الزواج - بحسب كل الأديان السماوية - في كونه علاقة إنسانية عظيمة تربط بين اثنين من البشر، وتساهم تلك العلاقة في اندماج قلبيهما ونفسيهما اندماجاً روحانياً؛ ليساهما معاً في بناء صرح الإنسانية الذي يعد أسمى وأنبل صرح يبنى منذ بدء الخليقة الأول حتى يومنا هذا وما بعده أيضاً.

بيت الزوجية - كما يسمّى - تعتبره المرأة عرينها المنتظر المفعم بالحنان والأمان والاستقرار، تعلق عليه آمالاً وأحلاماً سلبتها وأفقدتها نوم ليالي الفصول بطولها وقصرها. ترى فيه عرشها الذي تتربع عليه دون منافس، ومنذ اليوم الأول من امتلاكها له تعصر كل خلايا جسدها ونفسها وقلبها لتقطر جميعها رشفات حب ووفاء وحنان لزوجها أولاً ولأولادها، إن كان لها نصيب معهم.

تجد المرأة نفسها بعد سنوات من الكرّ والفرّ لتحسين وضع الأسرة المادي والمعنوي والأخلاقي، وبقدرة قرار من الزوج الذي لا يُشق له رأي ولا قرار تمسي فاقدةً العرش مسلوبةَ الكيان والرأي والوجود بعدما سلبتها سرعة الأيام نضارة الشباب.

ومهما تعددت أسباب الطلاق ودواعيه فالحق يكون مع الرجل وضد المرأة، بل يعدونها السبب المباشر والرئيس في تفكيك الأسرة؛ لأن عليها تحمل كل تصرفات الزوج وأهله كيفما كانت؛ لأنه رجل وهي امرأة.

إذا عكسنا الصورة فكانت المرأة، ولأسباب ما، هي التي تمل الحياة مع زوجها، حتى وإن كان يضمر لها الحب والود، وطلبت الانفصال والطلاق؛ لأنها بدأت تحسّ بنوع من الفتور النفسي تجاهه.. كيف سيتقبل المجتمع هذه الفكرة؟ هل هناك امرأة تفكر، حتى لمجرد الافتراض، بمثل هذا التفكير؟

لا أظن؛ لأنها تعرف مسبقاً أن قنابل اللوم والعتاب وقلة الحياء والحشمة ستتهافت عليها من كل الاتجاهات. كيف لا وهي التي تحاول تلويث سمعة الأهل والأسرة وتغيير قانون الحياة والكون؟

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة إزاء مثل هذه المواقف هو: متى سينظر إلى المرأة على أنها كائن من روح وجسد لها مشاعر وأحاسيس هي قوت يومها وزادها اللذان لا تستطيع العيش من دونهما؟

على الرغم من جاهزية مجتمعاتنا للتغيير في مختلف مناحي الحياة وما نستقبله من تغييرات على ثقافتنا نكون في غاية الفرح لاستقبالها والعمل بموجبها برحابة صدر وابتهاج في الكثير من الأوقات، إلا أننا نظل نعاني من نقص القدرة على استقبال ما هو خاص بشعور المرأة وأحاسيسها، وكأنهما من المحظورات التي يجب عدم الخوض فيها.

لقد رفع الإسلام مكانة المرأة وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله؛ فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاعة، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها. وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى بأن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة.

وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها، وإذا كانت أماً كان برها مقروناً بحق الله تعالى وعقوقها والإساءة إليها مقرونين بالشرك بالله، والفساد في الأرض، وإذا كانت أختاً فهي التي أمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها، وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة، وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يسفه لها رأي.

وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية؛ ما جعل للمرأة قيمةً واعتباراً لا يوجد لهما مثيل عند المجتمعات غير المسلمة.

ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها، ويحفظ كرامتها، ويحميها من الألسنة البذيئة، والأعين الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمرها بالحجاب والستر، والبعد عن التبرج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها. ويكون اختلاطها فقط بمحارمها، وعلى رأسهم زوجها وإخوانها وأولادها، وهكذا.

يقول فضيلة الشيخ محمد الإبراهيمي - رحمه الله - في محاضره له عن إكرام الإسلام للمرأة: إن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها، وإن كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض بلاد المسلمين أو من بعض المنتسبين إلى الإسلام، فإنما هو بسبب القصور والجهل، والبعد عن تطبيق شرائع الدين، والوزر في ذلك على من أخطأ، والدين براء من تبعة تلك النقائص، وعلاج ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية الإسلام وتعاليمه؛ فقد نبه الإسلام إلى منزلتها، وشرفها، وكرم جنسها، وأعطاها كل ما يناسب قوتها العقلية، وتركيبها الجسمي، وساوى بينها وبين الرجل في التكاليف الدينية، وخاطبها بذلك استقلالاً؛ تشريفاً لها، وإبرازاً لشخصيتها، ولم يجعل للرجل عليها سبيلاً في كل ما يرجع إلى دينها وفضائلها، وراعى ضعفَها البدني بالنسبة للرجل؛ فأراحها من التكاليف المادية في مراحل حياتها الثلاث: من يوم تولد إلى يوم تموت: بنتاً وزوجاً وأماً؛ فأوجب على أبيها الإنفاق عليها وتأديبها ما دامت في حجره إلى أن تتزوج، وهذا حق تنفرد به البنت على الابن الذي يسقط الإنفاق عليه ببلوغه قادراً على الكسب؛ فإذا تزوجت انتقل كل ما لها من حق أدبي أو مادي من ذمة الأب إلى ذمة الزوج؛ فتأخذ منه الصداق فريضةً لازمة، وتستحق عليه نفقتها ونفقة أولادها منه بالمعروف، فإذا خلت من الزوج ولها أولاد مكتسبون وجبت الحقوق على أولادها، ولا تُنفق شيئاً من مالها إلا باختيارها.

نرى من هذه المعاملة الصريحة للمرأة في الإسلام أنه سلحها بأحكام قطعية، وحماها بتشريع سماوي عادل، ولم يكلها إلى طبائع الآباء الذين يلينون ويقسون، ولا إلى أهواء الأزواج الذين يرضون ويغضبون، ولا إلى نزعات الأبناء الذين يبرون ويعقون، وإنما هي أحكام إلهية واجبة التنفيذ، لا تدور مع الأهواء والعواطف والنزعات وجوداً وعدماً.

فأين وضعها الآن من ذلك؟ فأمرها معلق بيد الزوج القادر الذي - كما أسلفت - لا يشق له غبار فإن زجر وأرعد وأزبد وطلق، حتى ولو كان في الأمر والسبب من السخف الكثير، فلا حق للزوجة إلا الطاعة، طاعة الزوج وهو يعدها بخراب عشها ومملكتها بعد أن صرفت زهو أيام شبابها لديه في خدمته وطاعته وتربية أبنائه، وفي صبرها وتحملها لفقره ربما، وبداية تكوين حياته، متناسياً الأيام الكثيرة التي أطلق العنان فيها لرأسه ليرتاح على صدرها ملقياً همومه وهموم من في الأرض عليها، وطالباً أحياناً كثيرة ربما مشورتها ورأيها، متناسياً سهرها الليالي الطوال في خدمته إن كان مريضاً أو في خدمة أحد الأبناء.

إنه الزمان الذي منعوا المرأة المسلمة فيه من كل أو جل حقوقها، وحسب هؤلاء أنهم ظلموا أنفسهم قبل أن يظلموا المرأة، وأنهم هدموها، فهدمتهم من غير قصد في أبنائهم، وأفسدوا كونها، فحرموا عونها.

إن من تطالب بحريتها وحرية الرأي وحرية الاختيار من منطلق ما سبق ذكره، وحتى لا تصل لمرحلة تمتهن فيها كرامتها ووجودها، وترى نفسها خارج البيت الذي بنته وأعدته وأسسته من عرقها وسهرها وتعبها، إنما تطالب بحق شرعي كفله الإسلام لها قبل أن يكفله لها الرجل، إنما هي لا تطالب بحرية الخروج للشارع وحرية التبرج وحرية السفور والسفر وقيادة السيارة وخلافه مما نسمع هرولة الكثيرات له اليوم. إن من الأولويات البديهية أن تطالب المرأة بحرياتها التي كفلها الإسلام لها لا بتلك الحريات المزعومة الآتية من الغرب التي اصطاد فيها أعداء الإسلام مساحة الحرية واختلاف وجهات النظر في الزج بها.

الحرية التي اعتقدت المرأة أنها تخلصت من خلالها من عبودية الرجل كزوجة - لها حقوق وعليها واجبات شرعية - وجدت نفسها أمة له في الشارع يمتهن عرضها ويستغل شبابها، تنفق مالها ووقتها من أجل إتقان تقديم وجبة جسدها له ليستهلكه دون مقابل، إلا ما كان من متعة زائفة مضمخة بالإثم تدنس سمعتها حتى في واقع (جديد) أصبح يعترف لها بالتحرر الجنسي ظاهرياً، لكنه مع ذلك يحاكمها بقسوة حين تسقط؛ لأن الحكم ذكوري، حتى ولو لم ترض بذلك، وحتى حين تكون ضحية تصديق أوهام عن المساواة سكبها في أذنها حين لحظة الرغبة في الإغواء.

وبعد هذا وذاك تبقى الحرية واحة تطمح إلى التنعم بظلالها الوارفة ونعيمها كل النساء، والتحرر الحق هو ما يتم وفق ما قرره الشرع، لا حسب الأهواء والرغبات البشرية. والأهم هو أن مسيرة التحرر وتحقيق المساواة يجب أن تبدأ من عمق المرأة نفسها.

روي عن عبدالرحمن بن محمد بن أخي الأصمعي قال: قال عمي للرشيد في بعض حديثه: يا أمير المؤمنين بلغني أن رجلاً من العرب طلق في يوم واحد خمس نسوة، قال: وكيف ذلك، وإنما لا يجوز للرجل غير أربع؟ قال يا أمير المؤمنين: كان متزوجاً بأربع فدخل عليهن يوماً، فوجدهن متنازعات وكان شريراً، فقال: إلى متى هذا النزاع؟ ما أظن هذا إلا من قبلك يا فلانة لامرأة منهن: اذهبي، فأنت طالق. فقالت له صاحبتها: عجلت عليها بالطلاق، ولو أدبتها بغير ذلك لكان أصلح، فقال لها: وأنت أيضاً طالق. فقالت له الثالثة: قبحك الله، فوالله لقد كانتا إليك محسنتين، فقال لها: وأنت أيضاً أيتها المعددة أياديهما طالق. فقالت الرابعة، وكانت هلالية: ضاق صدرك إلا أن تؤدب نساءك بالطلاق، فقال لها: وأنت طالق أيضاً؛ فسمعته جارة له، فأشرفت عليه، وقالت له: والله ما شهدت العرب عليك، ولا على قومك بالضعف إلا لما بلوه منكم ووجدوه فيكم، أبيت إلا طلاق نسائك في ساعة واحدة، فقال لها: وأنت أيتها المتكلمة فيما لا يعنيك طالق إن أجازني بعلك، فأجابه زوجها: قد أجزت لك ذلك؛ فعجب الرشيد من ذلك.



dr.aobaid@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد