تتمتع المملكة العربية السعودية بخصوصية فريدة بين دول العالم الإسلامي سواء فيما يتعلق بنشأة الدولة وعلاقتها بالدين أو فيما يرتبط بعلاقة الدولة بخدمة الحرمين الشريفين.
وهذه الخصوصية التاريخية تظهر في وجود أقدس مكان على الأرض في مكة المكرمة وفي وجود المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وشاء الله تعالى أن لا ينفك ارتباط الدولة السعودية بالدين في نشأتها وبقائها واستمرارها ونموها وتطورها مع هذه الخصوصية، ولذلك كانت خدمة الحرمين الشريفين وحراسة مقدسات المسلمين وحمايتها وتطويرها وتوسعتها من أولويات العمل الديني الذي يلتزم به قادة الدولة السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وعرف ذلك ازدهارا وتطورا كبيرا على عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله حيث تستمر العناية بالحرمين والمشاعر على نحو غير مسبوق.
وتبذل المملكة العربية السعودية مجهودات كبيرة في مشروعات الحج لتحسين الخدمات وتوسعة الحرمين الشريفين وإقامة الأنفاق التي اخترقت الجبال الصماء في مكة المكرمة لتقريب المسافة بين الأحياء والمسجد الحرام وإنشاء الطرق الحديثة التي تربط المدن المقدسة بمنافذ المملكة، كل ذلك لتيسير السبل لإقامة الشعائر ورعاية ضيوف الرحمان.
ولا شك أن أبرز معالم التوسعة والتطوير التي عرفتها مكة المكرمة بحرمها ومشاعرها تطوير منطقة الجمرات عام 1427هـ لتمكين الحجاج من رمي الجمرات بكل يسر وسهولة بعدما كانت المنطقة تعرف مشكلات ازدحام كبيرة تعقبها في بعض الأحيان حوادث مؤسفة، فتم بذلك تأمين انسيابية الحركة حول أحواض الرمي وخفض كثافة الحجاج عند مداخل الجسر مما ساهم في خدمة وسلامة وأمن الحجاج.
وبعد ذلك وخلال عام 1428هـ كان هناك مشروع توسعة المسعى بما يكفل للحجاج تأدية ركن السعي بين الصفا والمروة في ظروف مريحة وآمنة تحقق لهم السلامة والراحة خلال أداء هذا الركن، وقد أمكن لحجاج بيت الله الحرام خلال الموسم المنصرم أن يلمسوا عن كثب الجهود المبذولة في هذه التوسعة المباركة التي تهدف إلى خدمة الحجاج وتأمين راحتهم.
ولا يملك الزائر إلا أن يعبر عن شكره وامتنانه لحكومة خادم الحرمين الشريفين على هذا الاهتمام البالغ والاعتناء الكبير بمشكلات الازدحام في بعض المشاعر التي كانت تشكل عبئا على الحجاج وبخاصة كبار السن منهم.
وهكذا، وبعد توسعة الحرمين الشريفين وتطوير منطقة الجمرات ومعالجتها ببناء الجسور الواسعة جاءت توسعة المسعى لتعزز الاقتناع الراسخ الذي يعبر عنه قادة المملكة العربية السعودية بخصوص ضرورة تمكين الحجاج والمعتمرين من أداء مناسكهم بيسر وسهولة حتى أنه ليس من المجازفة في شيء إن قلنا إن بإمكان الزائر في السنوات الأخيرة أن يلمس تطويرا وتجديدا وتوسعة سنة بعد أخرى، وتعتبر توسعة المسعى التي نفذت مراحلها الأولى قبل بضعة أشهر إنجازا رائعا سهل على الحجاج والمعتمرين أداء السعي بين الصفا والمروة في يسر وأمان وفي وقت قياسي.
من جهة أخرى تنبغي الإشارة إلى أن توسعة المسعى قد تمت بناء على توافق تام بين مختلف الجهات الفاعلة والمسؤولة عن إدارة شؤون الحرم وهو التوافق المبني على مراعاة الواقع وإيجاد حلول فقهية وفنية وإدارية لمشكلة الزحام في المشاعر المقدسة.
ونشيد بهذا الصدد أيضا بالجهود العلمية الكبيرة التي يبذلها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والذي يعتبر أحد الجهات القليلة التي يطلب منها إجراء دراسات خاصة للهيئات والوزارات المهتمة بشؤون الحج.
ويقوم المعهد بأبحاث يكلف بها لتقديم المشورة المقننة في مشروعات ذات أهمية استراتيجية وبخاصة ما يتعلق منها بمعالجة مشاكل الزحام وتطوير الإنشاءات في مواقع النسك وغير ذلك.
هذه إذن كلمات من باب أمانة الكلمة أعبر عنها كواحد ممن اطلع عن كثب على مختلف معالم التوسعة والتطوير والتجديد التي عرفتها مواقع النسك، وهي الكلمات التي أعبر من خلالها عن الشكر الجزيل لجميع القائمين على خدمة ضيوف الرحمن ملكا وحكومة وهيئات ومنظمات.
رئيس مركز الدراسات والأبحاث في مجال تصحيح صورة الإسلام في الغرب
جامعة القرويين - فاس - المغرب