Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/04/2008 G Issue 12978
الخميس 04 ربيع الثاني 1429   العدد  12978
المسعى الجديد.. المشقة تجلب التيسير
سلمان العُمري

من القواعد الفقهية الرئيسة لدى علماء الفقه القاعدة الأم: (المشقة تجلب التيسير)؛ ويعدها العلماء واحدة من خمس قواعد كبرى بني عليها الفقه ودارت عليه الأحكام، ويتخرج عليها جميع رخص الشرع وتخفيفاته، ومعناها: إن المشقة المعتبرة في التكليف تكون سبباً شرعياً في جلب التيسير بتسهيل الحكم الشرعي والتخفيف منه على نحو ما، فإذا كان الحكم الأصلي محرجاً أو معنتاً انفتح باب الرخصة إلى غاية اندفاع الإحراج والإعانات، فإذا ما اندفع ذلك عاد الحكم إلى أصله بزوال موجب الترخّص.

وللإمام الشافعي مقولة تتفق وهذه القاعدة حيث يقول: (الأمر إذا ضاق اتسع) وأدلة القاعدة كثيرة جداً في الكتاب والسنة، فمن الكتاب على سبيل المثال؛ قوله تعالى: {يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(185) سورة البقرة. وقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (286) سورة البقرة، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (28) سورة النساء. وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (78) سورة الحج. ومن السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا) وروى أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعاً: (إن هذا الدين يسر)، وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: (ما خير رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً)، وفي الحديث (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه).

وإذا عرض للعبد بعض الأعذار التي تعجزه أو تشق عليه مشقة شديدة، خفف عنه بما يناسب الحال، فيصلي المريض الفريضة قائماً، فإن عجز صلى قاعداً، فإن عجز فعلى جنبه كما في حديث عمران بن حصين وهو في (البخاري 1117)، ويومئ بالركوع والسجود. ويصلي بطهارة الماء، فإن شق عليه صلى بالتيمم (القواعد الفقهية للسعدي).

ونظرا للتزايد المطرد في أعداد الحجيج والمعتمرين، وما يحدث من تزاحم عنيف ومضايقة شديدة في أثناء تأدية المناسك فقد صدر التوجيه السامي الكريم بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتوسعة المسعى من الناحية الشرقية بزيادة مساحته لأكثر من عشرين متراً عرضاً وإضافة دور سفلي بدروم ليصبح عدد أدواره أربعة أدوار مكيفة وجاهزة يتم تنفيذها بدقة وعناية يهدف هذا المشروع إلى تطوير وتوسعة منطقة المسعى من ناحية الساحة الشرقية بزيادة قدرها 20 متراً ليصبح عرض المسعى الكلي 40 متراً، وزيادة طابق علوي ثالث للمسعى ليصبح عدد الطوابق الكلي للمسعى ثلاثة طوابق، وتوفر التوسعة المقترحة زيادة المساحة الكلية للسعي من 29.400 متراً مربعاً إلى 72 ألف متر مربع بعد التوسعة، لتزداد مساحة الدور من 9.800 متر مربع وتصبح 18 ألف متر مربع، وتأمين ممرات سعي على مستوى علوي في الدورين الأول والثاني لاستخدام ذوي الاحتياجات الخاصة مع توفير مناطق للتجمع عند منطقتي الصفا والمروة، لتصبح بذلك مسطحات البناء الإجمالية لكافة الأدوار بمناطق السعي والخدمات حوالي 125 ألف متر مربع ويصب هذا المشروع ضمن اهتمامات خادم الحرمين - حفظه الله - في خدمة الحرمين الشريفين وعمارتهما، وراحة الزوار والمعتمرين والمصلين وهو جهد يصب في فعل الخير وقصد التيسير على المعتمرين والتوسعة ودفع الضرر، وقبل هذا صدرت فتاوى كثيرة من العلماء والمفتين في عدد من المسائل كأحكام الرمي قبل الزوال، وبعض محظورات الإحرام المعاصرة، والتقديم والتأخير في ترتيب بعض المناسك وغيرها من المسائل، موافقة لبعض أقوالٍ في بعض المذاهب المعتبرة تخفيفاً على الناس من الضيق والحرج، والعمل بفقه التيسير في أحكام الحج ونوازله المستجدة، وقد وجدت في فتوى الشيخ عبدالله المنيع عضو هيئة كبار العلماء شيئاً ارتحت له كثيراً وكنت أود التعليق على موضوع التوسعة وأهميته وخشيت أن أدخل في جانب الفتوى وإشكالاته ووجدت في فتواه الأخيرة - حفظه الله - رداً علمياً متزناً يرد به على الذين لا يرون التوسعة ولعلي أستشهد ببعض فقراته ومما قاله الشيخ:

- لم يكن قرار كبار علمائنا السابق الذي بموجبه جرى توسعة المسعى سابقاً إلى ما هو عليه الآن، لم يكن ذلك القرار مبنياً على نص من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بحصر عرض المسعى على عرضه الحالي، وإنما كان مبنياً على الاجتهاد بأن ما بين الصفا والمروة هو المسعى الحالي طولاً وعرضاً.

- قامت البينة العادلة من سبعة شهود يتبعهم ثلاثة عشر شاهداً يشهدون بمشاهدتهم جبل الصفا ممتداً امتداداً بارتفاع مساو لارتفاع الصفا حالياً، وذلك نحو الشرق إلى أكثر من عشرين متراً عن جبل الصفا الحالي، وكذلك الأمر بالنسبة لجبل المروة، وشهادتهم صريحة في امتداد الجبلين - الصفا والمروة - شرقاً امتداداً متصلاً وبارتفاعهما.

- إن المسألة من مسائل الاجتهاد ولم يكن القول بجواز التوسعة مصادماً نصاً من كتاب الله تعالى، ولا من سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أن الزيادة المقترحة للتوسعة لا تخرج عما بين الصفا والمروة، وقد قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}.

- من الجانب العقلي والحسي ليس في الجبال ذات الأهمية والاعتبار جبل عرضه لا يتجاوز عشرين متراً، فهل يعقل أن يكون عرض جبل الصفا وعرض جبل المروة أقل من عشرين مترا؟!!، وإذا كان أحدهما - فرضاً - عرضه أقل من عشرين متراً فهل يلزم أن يكون عرض الثاني مثله؟

- وحيث اختار ولي الأمر القول بجواز التوسعة، وقد قال بهذا القول بعض أعضاء هيئة كبار العلماء، وولي الأمر هو الحاكم العام. والقاعدة الفقهية أن حكم الحاكم يرفع الخلاف في قضية من قضايا مسائل الخلاف إذا حكم فيها بأحد أقوال أهل العلم بما لا يخالف نصاً صريحاً من كتاب الله أو من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو بما انعقد عليه إجماع الأمة، ولا شك أن التوسعة محققة للمصلحة في خدمة ضيوف الرحمن، وفي الأخذ بها دفعاً للأضرار المحتمل وقوعها عليهم، وحيث إن الشهادة بامتداد جبلي الصفا والمروة شرقاً عن وضعهما الحالي بما لا يقل عن عشرين متراً يعتبر إثباتاً مقدماً على نفي من ينفي ذلك، وبناء على ما سبق ذكره من أن التوسعة لا تتجاوز ما بين الصفا والمروة فالسعي فيها سعي بين الصفا والمروة، فلا يظهر لي مانع شرعي من توسعة المسعى عرضاً بما لا يتجاوز ما بين الصفا والمروة، وأن السعي في هذه الزيادة سعي بين الصفا والمروة.

كما قدم الشيخ عبدالله بن جبرين فتوى أخرى هي فتوى تندرج مع رأي أهل الخبرة وأهل العلم حين استند في فتواه على ما وقف عليه هو شخصياً في الحج قبل ستين عاماً ويقول حفظه الله: (ولو كان المراد السير فيما سار فيه النبي صلى الله عليه وسلم لفرض على الناس في حجهم وعمرتهم ألا يتخطوا أثر مسيره، بل يكونون كهيئة الطابور يسيرون في موضع سيره وعلى أثره، وقد وسع صلى الله عليه وسلم الأمر في هذه المشاعر، كقوله في عرفة: (وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف، ووقفت ها هنا وجمع كلها موقف - يعني مزدلفة - ونحرت ها هنا ومنى كلها منحر، وفجاج مكة طريق ومنحر) رواه الإمام أحمد وغيره. وإذا حصل المقصود الذي هو إحياء السنة، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم حصل المقصود من شرعية هذه المناسك، وحيث إن الصفا في الأصل جبل مرتفع قليلاً عن مستوى الأرض، وكذلك المروة، فإن السعي بينهما يحصل به الامتثال، وقد أدركت أصل الصفا في سنة تسع وستين من القرن الماضي، ورأيته ممتداً عن حده الذي كان عليه، وإن كنت لا أستطيع تحديد طوله، إلا أنه بلا شك أوسع مما كان عليه لما حدد موضع المسعى، وكانت المروة محددة ولكن يظهر أن الجبل ممتد أيضاً، حيث يوجد عليه بنايات ومساكن أرفع من مستوى الأرض، مما يدل على أنها كانت على طرف المروة من جهة الشرق، وكان يقع في شرق المسعى مساكن ملاصقة للمسعى بها سكان وبها متاجر وفي طرفيه شرقاً وغرباً).

ونفى الشيخ المطلق وجود شبهة في السعي بالمسعى الجديد مستعرضاً (صكاً شرعياً) دونت فيه شهادة ثلاثين رجلاً من أهل مكة من كبار السن يثبتون أن المسار الجديد (في المسعى) لا يخرج عن حيز المسعى في صورته القديمة، وقال: نحن في دخول شهر ذي الحجة والوقوف بعرفة نكتفي بشاهدين وهنا ثلاثون شاهداً، فأيهما أهم السعي أم الوقوف بعرفة؟!

وأضاف: لابد من وجود قاعدة كبيرة لجبلي الصفا والمروة فهل يعقل أن تكون القاعدة عشرين متراً فقط؟! إن جبل الرماة في المدينة المنورة وهو أصغر جبل معروف مساحته تزيد عن ذلك بكثير. وقد أيد هذه الفتاوى وثمن هذا العمل عدد من علماء المسلمين وأثنوا على جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خدمة الحرمين الشريفين والسعي إلى تيسير كل ما من شأنه خدمة حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين، مشيرين إلى أن قيادة المملكة لم تأل جهداً في بذل كل ما تستطيع لتوسعة الحرمين الشريفين التي بلغت تكاليفها أكثر من 30 مليار ريال مما جعلها تستوعب الملايين من ضيوف الرحمن. وأكد علماء المسلمين على أن الخطوة التي قامت بها المملكة مؤخراً في توسعة المسعى للتخفيف على الحجاج والمعتمرين إنما جاءت متفقة مع قواعد الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وهي خطوة موفقة تنسجم مع التوجهات الشرعية في كون المسعى ممتداً وليس محصوراً بالمبنى القديم.

وأختم بكلام لفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق آل يوسف - وأضم صوتي مع صوت وأصوات الملايين من المسلمين - حين قال: (وأناشد أساتذتي أصحاب الفضيلة المشايخ من هيئة كبار العلماء وغيرهم، ممن أفتوا بأن هذه التوسعة خلاف السنة، أن يراجعوا فتواهم فإنها حتماً بخلاف الحق والصواب، فإن الله سبحانه وتعالى عندما شرع لعباده السعي بين الصفا والمروة، قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (158) سورة البقرة، ولا شك أن كل من أتى إلى الصفا، ولامست قدماه شيئاً منها ثم انحط منها إلى المروة، ولامست قدماه شيئاً منها، وفعل ذلك سبعاً يكون قد أتى بما أمر الله تبارك وتعالى به، واتبع رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولم ينقل قط أن هناك من حد للناس حداً لا يتعدونه في طوافهم بين الصفا والمروة.

كما وأرجوهم أن ينظروا بعين الرحمة والشفقة إلى المسلمين حجاجاً ومعتمرين وكيف أنهم كانوا يحشرون في البناء القديم دون أن يكون هناك أمر من الله أو من رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الحشر، وإنما كان البناء القديم شيئاً من المصالح المرسلة، وكان رفقاً بالناس في وقته، وأما اليوم فلم يعد البناء حول المسعى رفقاً بعد أن زادت أعداد الحجيج والمعتمرين هذه الزيادة فكيف تجعل المصلحة المرسلة واجباً محتماً مستمراً؟ وقد علم أنه قد زالت هذه المصلحة وأصبح وجودها مفسدة عظيمة محققة، فإزالة الحاجز أصبح اليوم هو المصلحة التي يجب المصير إليها، ولا يجوز خلافها).



alomari1420@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد