Al Jazirah NewsPaper Friday  11/04/2008 G Issue 12979
الجمعة 05 ربيع الثاني 1429   العدد  12979
نماذج إدارية متسلطة 2-2
د. عبدالله سليمان العمار

في موضوع اليوم نستكمل ما تم عرضه سابقاً عن بعض نماذج وأنماط الإدارة المتسلطة الشائعة في الإدارة، حيث أخذت هذه النماذج تنمو وتترعرع وبشكل ملفت للأنظار في بعض الإدارات المعاصرة، أمثال الإدارة بالاستبداد التي يرى المدير نفسه أنه هو وحده الذي يعرف ويعلم ويفهم في كل

الأمور صغيرها وكبيرها، لذا فإن هذا المدير يعظم آراءه ويبجلها ولا يرى أهمية لأحد من العاملين، فما عليهم سوى السمع والطاعة لما يأمر به وينهى عنه فلا يقبل لأحد فكرة أو رأي أو مشورى، وأمثال الإدارة بالعمل الشاق التي يرى المدير أن جميع العاملين يجب تكليفهم بما لا يطيقونه من أعمال، انطلاقاً من مبدئه الذي يؤمن به ويرى فيه أن العاملين في الإدارة إن لم تثقلهم بالأعمال الشاقة والمهام أثقلوك بالاستئذان والإجازات والخروج من العمل، وأمثال الإدارة بالشلة والمحسوبية حيث يكون حول المدير مجموعة من العاملين معه يكونوا شلة أو مجموعة، وهذه المجموعة حسب مرئيات الادارة هي التي تخطط وترسم وتقترح وتنفذ، وهي المجموعة المسموعة والمقربة من قبل المدير. لذا دعونا نستعرض نماذج أخرى من الإدارة المتسلطة لعلها تكون إضافة جديدة في مجال المعرفة الإدارية ونختم بها نماذج الإدارة المتسلطة التي تم تسليط الضوء فيها على المظاهر السلبية في الإدارة، ومنها:

إدارة سكّن تسلم

وفي هذا النوع من الإدارة المتسلطة يرى المدير أن تبقى جميع الأمور المتعلقة بالإدارة على حالها بدون تغيير أو تجديد أو تطوير، فهذا المدير يعيش في جهل مركب، ليس لديه معرفة أو علم بما يدور حوله من تطور، ومع ذلك يدعى الإحاطة والمعرفة بكل شيء يدور في إدارته، ويرى أن استخدام التقنية الحديثة في مجالات الإدارة مضيعة للوقت، وهذا يعود لخوفه أن يعرف الناس درجة الجهل وعدم المعرفة التي لديه، لذا فهو دائماً يحارب التطور والتجديد ويحب أن تبقى الأمور على وضعها الذي يعرفه وتعود عليه، وهذا النوع من المديرين المتسلطين يقتل في العاملين معه روح الابداع والابتكار والتطوير والبحث عن كل جديد يخدم الإدارة ويسهل الإجراءات، ويدخل على العاملين الملل والسأم والكآبة من الأعمال الروتينية المتكررة التي يقوموا بها وتعودا عليها.

الإدارة بالتجسس

وهذا النوع من نماذج الإدارة المتسلطة، يرى المدير أنه يجب التجسس على العاملين معه ومتابعتهم بشكل سرى، حتى يكون لدى المدير نوع من السيطرة والمعرفة بما يقوم به العاملون في إدارته من أعمال، ويتم ذلك بالمتابعة الدقيقة للعاملين عن طريق أشخاص يتم تكليفهم من قبل الإدارة ليتجسسوا على العاملين ونقل جميع تصرفاتهم إلى المدير أولاً بأول، أو غير ذلك من الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فالمهم لدى هذا المدير أن يكون لديه تقرير كامل ومفصل عن كل شخص يعمل تحت إدارته، لذا نجد أن العاملين في هذه الإدارة وبسبب هذا المدير المتسلط يعيشون حالة من القلق النفسي والشعور بعدم الثقة وانعدام العمل بروح الفريق الواحد فكل شخص لا يثق بزميله الذي يعمل معه فربما يكون هذا الزميل عيناً لهذا المدير المتسلط، مما ينتج عن هذا النوع من الإدارة المتسلطة وجود جماعات متصارعة داخل الإدارة الواحدة، وهذا بدوره يؤثر على العلاقات الإنسانية، ويؤدي إلى الملل والفتور ويطفئ الحماس بين العاملين.

الإدارة بالمجهر

وفي هذا النوع من نماذج الإدارة المتسلطة، نجد أن المدير كل همه البحث عن أخطاء العاملين في الإدارة وتصيدها، فهو يبحث عن الأخطاء الصغيرة التي لا تذكر ثم يقوم بتكبير صورة هذا الخطأ وتضخيمه وإعطائه أهمية أكبر من حجمه باستخدام أدق المجاهر الإلكترونية إن صح التعبير، حتي يستطيع الحديث عن الخطأ بشكل يتناسب مع ما يريد قوله داخل العمل أو خارجه، وليس همه وهدفه من فعل ذلك النصح والإصلاح للعاملين معه، بل البحث عن الأخطاء والتجريح، وإظهار أن الموظفين لا يعملون بالشكل المطلوب منهم، وأنه مطلع على كل شيء في العمل، فهو لا تفوته شاردة ولا واردة إلا يعلمها، فهو يرى أن متابعة الموظفين وتصيد أخطائهم إحدى طرق السيطرة على الموظفين، وأن الجميع مخطئون ولا يقومون بواجبهم على الوجه الأكمل، متناسياً أن الكمال لله وحده وأن الذى لا يعمل لا يخطئ، وأن المدير هو قدوة لمن يعمل معه، لذا نجد أن عمل هذا المدير المجهري المتسلط يحطم نفسيات العاملين معه، ويقلق راحتهم ويسد عليهم كل طرق الإبداع والابتكار.

خلاصة القول: إن هذه النماذج الإدارية المتسلطة المختلفة مما تم تناوله وعرضه تعتبر أنماطا من السلوك الإداري، الذي بدوره يؤدي إلى زرع التوتر والإحباط والكآبة والاضطراب وانخفاض الروح المعنوية لدى العاملين وقتل روح الإبداع والابتكار وزيادة أعداد البطالة، وإعاقة تقدم وتطور المنظمات، حيث يكون أثر ذلك واضحا على أداء العاملين وعلى سير العملية الإدارية بمجملها، وبالرغم من أن علاج مثل هذه النماذج يعد من أبسط الأمور إلا أن هؤلاء المديرين المتسلطين يغفلون عنه، ويكمن ذلك في المشاورة والمشاركة وتقريب الموظفين من المديرين ودعمهم مادياً ومعنوياً، وإعطائهم الحرية حتى يستفيدوا من خبرات المديرين، وإشراكهم في تشخيص مشكلات العمل، وطلب التزود منهم بالأفكار الجديدة، وعلى المدير ألا يغفل دائماً استعمال عبارات الشكر والثناء عند تحقيق الإنجاز، واستعمال أسلوب الجهر بالمدح والإسرار بالذم للعاملين معه فالجميع بشر، وأن يكون المثل والقدوة في التعامل معهم، وأن يعمل على تفويض الصلاحيات ليتم إفساح المجال لجميع العاملين لاكتساب الخبرات والتجارب الناجحة والمفيدة في العمل، فالنجاح في الإدارة لا ينشأ من المهارات والإمكانات المتاحة للإداريين دائماً، وإنما ينشأ بالخطط المدروسة والتنظيم والمتابعة المستمرة والمشاركة من قبل العاملين في الإدارة، لذا نجد أنه عندما يصعب على المديرين تحديد أهدافهم بوضوح ودقة، فإن المطاف ينتهي بهم إلى الفشل، وذلك لأن تشوش الفكرة وغموض الغاية يجر إلى ضياع جهود كثيرة مبذولة، وظهور هذه النماذج الإدارية المتسلطة بكافة صورها وأشكالها!



aammar@saudiedi.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد