Al Jazirah NewsPaper Monday  14/04/2008 G Issue 12982
الأثنين 08 ربيع الثاني 1429   العدد  12982
حكم الحاكم يرفع الخلاف

ثمَّن كثير من علماء العالم الإسلامي المعتبرين الخطوة الرائدة التي وجه بها خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسعى، في ظل التزايد المستمر في أعداد الحجاج والمعتمرين كل عام، مما سيسهم ولا شك في تخفيف العبء والزحام الذي كان يشتكي منه المسعى القديم سواء في الحج أوفي بعض أوقات السنة كرمضان. فكانت بحق محل ثناء وتقدير العالم الإسلامي كله بعد أن استوفى المسؤولون عنه والقائمون عليه الأدلة الشرعية والعلمية والتطبيقية والخبرات المحلية وتوثيقها توثيقاً شرعياً.

إن من المتقرر شرعاً التوسعة على المسلمين في مواضع الحاجة، وأن الأمر إذا ضاق اتسع، وأن المشقة تجلب التيسير, وأن الضرورات تبيح المحظورات.

فالشريعة الإسلامية شريعة اليسر والسماحة في كل شيء بما فيها أداء العبادات ولا سيما ما كان فيه التيسير على الأمة.

قال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.

وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}.

وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما خُيِّرَ بين أمرينِ إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإذا كان إثماً فيكون أبعد الناس عنه).

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

وإذا كان ثمة خلاف بين أهل العلم في مسألة ما، واختلفت وجهات النظر وتنوعت الآراء والاجتهادات، فتأصيلاً على القاعدة الفقهية الشرعية التي تنص على أن: (حكم الحاكم يرفع الخلاف)، بما لا يخالف نصاً صريحاً من كتاب الله أومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أوبما انعقد عليه إجماع الأمة، فللحاكم حينئذٍ أن يتخير في الأمور الاجتهادية والخلافية ما يراه محققاً ومناسباً للمصالح الشرعية والمقاصد المرعية وإلزام الكافة به ومنع الفتيا بخلافه.

فحال السياسة الشرعية كحال الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأشحاص والأحوال.

وقد ذكر أهل العلم تطبيقات على تلك القاعدة الفقهية الشرعية، من ذلك: أمر أبي بكر الصديق رضي الله عنه محاربة مانعي الزكاة، وكذا أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحبيس أراضي سواد الرافدين وتعشيرها رغم معارضة من خالفهما في ذلك.

وتأسيساً على ما سبق: في حسم موضوع توسعة المسعى بأمر ولي الأمر، فإني أرجوأن يحسم موضوع إثبات دخول الشهور القمرية، وبخاصة تلك الشهور المرتبطة بالعبادات بأمر ولي الأمر كذلك.

فإن الجدال يتجدد كل عام في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة حول إثبات رؤية هلال رمضان وهلال شوال وهلال ذي الحجة وهلال محرم.

هناك كوكبة من علماء المسلمين المعتبرين وعلى رأسهم عضوهيئة كبار العلماء سماحة الشيخ الدكتور عبد الله بن سليمان المنيع، ترى أن الأخذ بعلوم الفلك لترائي الهلال وتحديده أوجب وأدق، لأن الأخذ بالنتائج العلمية لتحديد ولادة الهلال هي نتائج قطعية ودقيقة يشترك في معرفته جميع علماء ذلك العلم المعتبرين.

وبالتالي فإن تحري رؤية الهلال يكون باستخدام كافة الوسائل المشروعة عن طريق المراصد الفلكية مع أخذ الاعتبار لرأي علماء الفلك، لأن اعتماد الرؤية البصرية المجردة من دون الاستعانة بالحساب الفلكي ربما لا يحقق المقصود الشرعي.

بينما يرى أصحاب الرأي الآخر دعوة المسلمين بالاحتساب لترائي الهلال والأخذ بشهادة العدول فقط.

وفي تقديري أن هذه مسألة مهمة تحتاج منا إلى إعادة النظر في تحري الرؤية الصحيحة للهلال، فنحن في عصر الاكتشافات العلمية المذهلة التي ترصد حركة الأفلاك والنجوم بدقة، وأصبحت علوم الفلك حقيقة إذ الخلاف فيها أمر غير مستساغ، لذا ينبغي لنا أن نقوم بكل الوسائل المتاحة والمباحة التي تمنحنا النتائج العلمية الدقيقة، ولا أدل على ذلك من اعتمادنا على قول علماء الفلك في صلاتي الخسوف والكسوف وتحديدها ابتداءً وانتهاءً، بل اعتمادنا عليهم في تحديد أوقات الصلوات الخمس، التي تحدد وقت شروق الشمس وغروبها والزوال وانتصاف الليل بدقة متناهية.

إن استنباط الوسائل المتقدمة لتحقيق رؤية شرعية للهلال ومعرفة مطالعه وحساباته وتحديد بدايات الشهور القمرية هو ما يتوافق مع حكمة الله في الأفلاك والنجوم، ومن هذه الوسائل الاستفادة من التقنيات الموجودة في الأقسام العلمية في جامعات المملكة وفي مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وفي مركز الملك فهد الثقافي والتنسيق بينهم مع أخذ الاعتبار لرأيهم لتحقيق مقاصد الشريعة ومصالح المسلمين.

د. سعد بن عبد القادر القويعي


drsasq@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد