Al Jazirah NewsPaper Tuesday  15/04/2008 G Issue 12983
الثلاثاء 09 ربيع الثاني 1429   العدد  12983
السدو في الجوف.. تاريخ عريق وحضارة

الجوف - فيصل الحواس

من أهم الحِرف اليدوية التي اشتهر بها أهل البادية (حرفة السدو). وتعتمد هذه الحرفة على مواد وأدوات، منها وبر الإبل وصوف الماعز والأغنام، إضافة إلى المغزل والمخيط والأوتاد الخشبية. وعلى الرغم أن هذه الحرفة كان يمارسها الرجال والنساء على حد سواء إلا أن النساء أشد إتقاناً وبراعة في هذه الحرفة من الرجال، ويستطيع الحرفي صناعة بيوت الشعر وما تحتاجه من فلجان وذراء وسياج وكذلك صناعة المزاود والخروج والمفارش والمساند. ويدخل في هذه الحرفة حياكة الملابس ورفي البشوت التي هي أكثر ملابس الرجال شهرة وأهمية؛ فهو لباس عربي أصيل، ويمثل أرقى أنواع الأزياء؛ كونه يصنع من خيوط فاخرة وبطرق متقنة جداً. ويتميز زي الرجال من أهل البادية بالبساطة والوقار، وكان الرجال يحرصون على ارتداء أزيائهم الشعبية في المناسبات الاجتماعية كالأعياد والأفراح وغيرها. ويحظى أصحاب هذه الحرفة سنوياً بالاهتمام، وذلك من خلال المشاركة في فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي يقام في الجنادرية والذي له أكبر الفضل في إحياء التراث الشعبي في المملكة العربية السعودية والمحافظة على موروثاتها الشعبية لتبقى شاهدة على العلاقة الوثيقة بين الإنسان السعودي وبيئته.

حرفة السدو تظهر تكامل ابن البادية مع بيئته

مرت المجتمعات في الجزيرة العربية، ولا تزال تمر، بمراحل من التغير السريع، تحمل معها في كثير من الأحيان لهذه البلاد وتسبب في الوقت نفسه تبديلاً في كثير من الأساليب التقليدية، ومع هذا التطور والتغير والتبدل نجد أن كثيراً من معالم تراثنا الثمين مهددة بالزوال أو هي قد زالت فعلاً، ورغم أنه لا مناص لمجتمعنا من مواكبة متطلبات عصره والتكيف معها فإنه ربما لا عذر لمجتمعنا أيضا في إهمال تراثه القديم، خاصة عندما تتيسر الوسيلة للمحافظة على هذا التراث.

ومن معالم تراثنا التي تكاد تطحنها عجلة التطور السريعة حياكة الصوف وحرفة النسيج اليدوية؛ ففي وقت مضى كانت النساء تصنع بيوت الشعر للسكنى والسجاد للفراش والغطاء، والخروج والمزاهب للخيل والهجن. ومع قدوم النهضة الحديثة واستيطان البادية وارتفاع مستوى المعيشة بشكل عام في ربوع هذه البلاد المباركة تلاشت الحاجة لهذه الصناعة، وتضاءلت الضرورة لانتقال مهاراتها للجيل الجديد.

لقد كان لزاماً المحافظة على هذه الحرفة التقليدية التي مع بساطتها تنم عن ذكاء فطري أصيل، وتُظهر جمالاً وخصوصية لا يسعنا تجاهلهما. فحرفة النسيج وحياكة الصوف والوبر الذي تنتجه الأغنام والإبل التي ترعاها البادية في شبه الجزيرة العربية هي حرفة وصناعة أصيلة بكل ما للأصالة من معنى. فالمادة الأولية هي الصوف والوبر، والأصباغ المستعملة تأتي من أعشاب الصحراء. وأدوات التصنيع تنتجها نفس الأيدي الصانعة للنسيج. والأشكال والزخارف التي تزين هذه الصناعة تأتي وتتوافق من خلال تكوينها الفني بواقع البيئة الجغرافية التي تعيشها هذه البادية، ومن ناحية ثانية فإن هذه الصناعة التي كانت قديماً تمارس لسد الحاجة الشخصية يمكن أن تصبح اليوم مجالاً للعمل والكسب لقطاع واسع من هذا المجتمع.

بهذه التصورات والتطلعات انبثقت فكرة معرض السجاد بالجوف منذ ما يقارب ثلاثة عقود. فلقد لفت الانتباه شهرة منطقة الجوف قديماً بالصناعات اليدوية بما في ذلك صناعة السجاد والبسط والسياح والعبي..

ولهذا كان يقام العديد من المعارض لصناعة السجاد في الجوف لجلب الاهتمام بهذه الصناعة وتحفيز من يزاولونها وتشجيعهم معنوياً ومادياً من خلال المعارض. وقد أقيم أول معرض للسجاد بمنطقة الجوف في التاسع من شوال 1385هـ - 1965م.

حياكة الصوف والوبر

تمر عملية حياكة الصوف والوبر بالمراحل التالية:

جز أو قص الصوف وجمع الوبر:

يتم جز الصوف من الأغنام في فصل الربيع ويجمع الوبر من الإبل في فصل الصيف.

الغزل: تتم هذه العملية عادة على مدار السنة، ويستخدم في أدائها المغزل أو التغزالة.

التلوين: بعد إكمال غزل الصوف والوبر يجري تلوين الأبيض منه بمختلف الألوان. وقديماً كانت جميع هذه الألوان تأتي من النباتات الصحراوية.

السدو أو الحياكة

تتم هذه العملية الأخيرة عادة في فصل الصيف؛ لأن البدو في هذا الفصل يكونون أكثر استقراراً من الفصول الأخرى. ويتم السدو بواسطة خيوط ممتدة تربط بأربعة أوتار على شكل مستطيل.

استخدامات النسيج

تستخدم البادية نسيج الصوف والوبر وشعر الماعز في الصناعات التالية:

بيوت الشعر: وهي مسكن أهل البادية في الصحراء، ينقلونها حيث يرحلون.

القاطع: وهو فاصل يستخدم في تقسيم بيت الشعر إلى عدة أماكن.

الرواق: وهو الذاري لبيت الشعر يوضع بالجهة التي يأتي منها الريح.

العدول: وهي أكياس لحفظ الطعام.

المزاود: وهي أكياس أصغر حجماً من العدول تستخدم لحفظ الملابس.

السنايف: وهي خيوط محاكة بطريقة جميلة وبألوان زاهية لتزيين الخيل والهجن.

الزوالي: وهي السجاد ذات الصوف الكثيف.

البسط: وهي مفارش تصنع عادة بخيوط مبرومة.

العقل: وهي خيوط تستخدم لربط أيدي الإبل، وهي في مباركها لمنعها من المشي.

وكانت منطقة الجوف تصنع ما تحتاجه من ملابس كالثياب والعباءات الرجالية والنسائية، وللجوف شهرة واسعة في تصنيع العباءات الرجالية والمشالح، ومنها ما كانت تسمى (الجوفية) التي كانت تصدر إلى العراق وسوريا وفلسطين حيث كانت تتمتع بجودة عالية تنافس ما كان يصنع في المدن العربية الأخرى في بلاد الشام.

الزخارف الجميلة

تعتبر صناعة السدو من الصناعات التقليدية القديمة والسدو عبارة عن نسيج من الصوف له استخدامات متعددة عند البدو وبخاصة وهو العنصر الأساسي في تكوين بيوت الشعر التي تعتبر مساكن متنقلة لهم، وتعبر هذه البيوت عن اختيار نابع من ظروف البيئة والحياة التي يعيشها الناس قديماً فهم في حالة تنقل دائم مع حيواناتهم طلباً للكلأ والماء، وتقوم المرأة بعمل السدو وتعبر من خلاله عن تقاليد فنية عريقة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ وتتفنن في زخرفة ونقش السدو بنقوش كثيفة عبارة عن رموز ومعان مختلفة يدركها البدو ويعرفون ما تحمله من قيم فبعضها يعبر عن وسم القبيلة وبعضها عن المواسم. ويتميز السدو بألوانه الزاهية المتنوعة وزخارفه الجميلة التي لها أيضا دلالات اجتماعية مختلفة مستوحاة من طبيعة أبناء البادية.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد