Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/04/2008 G Issue 12985
الخميس 11 ربيع الثاني 1429   العدد  12985
متى يأتي الصباح؟!..
أحمد عزو - الرياض

في الصباح يحين الموعد..

تأتي اللحظات التي أترقبها بشوق حجمه كحجم الجبال.. سأمشي كباقي الناس.. هكذا قال الأطباء.. عندها تزول قتامة الليل.. ويبدأ نهار مستمر..

ربما كنت قصيرة القامة.. لا يهم.. المهم أن أمشي ولو على عكازين.. أن أخرج إلى النور بهيئة جديدة.. بعدها لن أجلس أبداً.. أزور صديقاتي اللاتي يسكنَّ الأدوار المرتفعة.. أعمل بالمطبخ وأنا واقفة.. أصعد السلالم حتى مع وجود المصاعد.. أتعمد أن أمشي في الشوارع غير المسفلتة.. فهي كثيراً ما أعاقت عجلات الكرسي.. أكلم أمي، إخوتي، أخواتي وأنا واقفة.. ألتقط الأشياء من الرفوف العالية.. هذا العلو طالما كان عدوي..

في الصباح يتغير كل شيء..

أذهب مشياً إلى أي مكان.. أتخلص من نظرات المشفقين التي كانت سهاماً تصيبني بلا شفقة.. أتمنى لو أستطيع أن أصرخ في وجوههم.. أن أقول لهم إني أملك قدرات أكبر من أصحاب الأرجل السليمة.. أن أقول لهم إني تعلمت القراءة والكتابة دون مَدرَسة أو مدرِّسة.. تعلمت الخياطة.. حياكة الخيوط الصوفية.. أتقنت الحاسب.. أتقنت ما عجز عنه الآخرون.

لكن بعد أن تنتهي معاناتي سأرفض العمل بالخيوط الصوفية مهما كان الشتاء بارداً.. مع أنني ألِفتها وأنِست لها.. النساء يطلبن مني أن أعمل لهن أو لأولادهن ملابس صوفية مزخرفة جميلة.. تقيهن من برد الشتاء اللاذع.. أو تقي أولادهن.. بعضهن يطلبن أن أعلمهن.. لا أبخل عليهن وأقدم نصائحي دون مقابل.. لا حاجة لي بالمال بل حاجتي أن أقدم ما ينفع الناس.

في الصباح نور وضياء..

ستنتهي التعليقات السخيفة التي أسمعها.. أود لو كنت صماء أيضاً كي لا تدخل أذنيّ مثل تلك الكلمات.. أرادت جارتنا العزيزة أن تشكرنا على الثياب الصوفية التي عملتها لطفلها.. قالت إن ليلى ذكية جداً لولا أنها..... ثم انتبهت لوجودي فوقفت عند (أنها....).. ليتنا نسيطر على الكلمات قبل أن نخرجها من أفواهنا الجارحة.. كنت أريد ألا يشعر طفلها بالبرد اللاذع فسددت لي كلمة لاذعة.. ولاذعة جداً.. لكن كل هذا سأنساه في الصباح الآتي.

ليس لدي وقت لأضيعه.. يكفي ما ضاع.. سأثبت للجميع قدراتي في الدراسة.. سأحصل على الشهادات العالية.. حينها سأضحك من أقربائي الطلاب والطالبات الكسالى.. لا أعرف ماذا ينقصهم؟!.. إنهم يستطيعون عمل أي شيء سوى النجاح!.

في الصباح منعطف جميل..

أغادر فيه السرير الكئيب.. لا أدري لم أطلقوا عليه (السرير الأبيض)؟!!.. مع أن نزيله لا يشعر إلا بالألم!!.. سأسلِّم على الممرضات سلام المودع الذي لا يرجو لقاء.. من المهم أن أكون واقفة حينها.. أتباهى بالقدمين اللتين خذلتاني كثيراً.. واللتين تعذبتا كثيراً تحت سكاكين الجراحين.

ستنتهي معاناتي مع الكرسي ذي العجلات. مع السرير الذي لازمني طويلاً.. أتمنى أن أفارقكما بأسرع وقت.. أحس أنكما ثقيلان كثقل لياليّ الطويلة.

أما أنت يا أمي.. فقد جعلت أيامي باسمة على رغم مأساتي.. ستكونين أول من يراني.. تلتقي عيناي بعينيك الدافئتين.. أعانقك.. أشعر بغلاك أكثر.. دموعك ستجعلني أبكي رغماً عني..

الوقت متأخر الآن.. كنت أود أن أشكو لك حالي.. قلقي.. فرحي.. خوفي من الآتي..

استيقظي أمي.. قولي لي: متى يأتي الصباح؟..



Ahmadez69@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد