Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/04/2008 G Issue 12992
الخميس 18 ربيع الثاني 1429   العدد  12992
لا للسرقة والانحرافات.. تحذير وإشفاق
مندل عبدالله القباع

هل برامج الإصلاح نفدت صلاحيتها؟ وهل برامج الإرشاد والتوجيه المقدمة للشباب لم تعد ذات جدوى في ظل ما تبثه الفضائيات؟ وهل مناهج التعليم والأنشطة التربوية ودعم مؤسسات الأمن الفكري والاجتماعي ومراكز الصحة النفسية لم يعد لها جدوى في ظل عصف تيارات ومؤثرات الفكر الوافد بدعوى الاتجاهات المعاصرة؟ لماذا نستشعر مجانبة الصواب لكل وسائل التربية المنيعة مع الشباب؟ وهل هي ظاهرة عامة في العديد من دول العالم أم هي قاصرة على مجتمعنا العربي؟

هذه التساؤلات سنحاول تناولها بالتأويل في مقالنا هذا قدر المساحة المسموح بها - إلا أنه ثمة مسلمة أن من جموع الشباب في - الهنا والهناك - فئة جانبها الصواب فحادت عن سواء السبيل، ومن أسف أن البعض منهم ممن حصلوا على مؤهلات علمية غير أنه لم يكن لها في مكون الشخصية السوية أدنى تأثير.. فلماذا لم يجد معهم التعليم مما جعلهم يغفلون واقعهم وحالهم وحال مجتمعهم مما جعلهم يسقطون في مهاوي الاضطراب الخلقي ودخلوا في منزلق الإدمان بدوائره المتباينة الأبعاد منها: إدمان التدخين، وإدمان السهر بعيداً عن البيت ومراقبة الأسرة، حتى لو ظل في البيت فقد يدمن على السهر مع برامج (النت) أو (الفيس بوك) فهي تمثل دائرة الإدمان الإلكتروني، وإدمان تعاطي الموسيقى والغناء والرقص المثير للغرائز وإدمان المحرمات حيث يلاحقون نزواتهم، وإدمان التسرب والهروب من المؤسسة التعليمية، وإدمان جلسات المزاج الشاذ مع رفاق السوء.

وأياً كانت دائرة الإدمان -هذه أو تلك- فبفعلها تفقد الوعي، كما فقد قوى الإدراك الأمر الذي أخرجه من التعامل الإنساني مع الآخر إلى التعامل الوحشي اللا إنساني.

هذه مسلكيات فئة ضالة من بعض الشباب تفتقت أذهانهم عن أفكار شيطانية تنضوي على سوء السلوك الأخلاقي بكافة المقاييس؛ فنلاحظ ظاهرة التسكع في الطرقات، وجماعات النهب والسلب وتخريب ممتلكات الغير، وارتكاب جرائم السرقة، وأحداث الخطف: خطف حقائب السيدات أو ما يحملنه من أغراض، وخطف الهواتف المحمولة، وقد يصل الأمر لخطف أنثى أو طفل بغية الاعتداء عليه، وعقب ذلك الفعل المشين يلوذون بالفرار ويستغلون في ذلك انشغال الناس في الأسواق أو تواجدهم في أماكن نائية غير آهلة بالسكان يغشاها الظلام والسكون مما يمكنهم من الهجوم على ما يظنونه فريسة لهم ومسرح جرائمهم النكراء هو ذلك المكان الذي يمكنهم من الفرار بما اغتصبوه ونهبوه كراهية وغصباً.

وغالب الظن لدينا أن مرتكبي هذه الأفعال - المستهجنة - هم بالقطع قلة من الشباب المارق يتملكها شعور الكراهية لنفسه وأهله ومجتمعه، فهو يشعر دوماً برغبة ملحة في الانتقام من الذات قبل التوجه للآخر فقد أعمت الضلالات الحمقاء بصيرته وأغواه شيطانه أن ينساق للجريمة ومما نأسف عليه أن معدلات الجريمة والانحراف في ازدياد ملحوظ، حتى لو ادعينا محدوديتها في الحجم، فهي كثر في النوع مما جعل الناس تستشعر الخطر لأنها مسلكيات تطيح بالأمان الاجتماعي، وتنسف حالة الاستقرار التي تنعم بها بلادنا، وتقضي على ما حققناه من نماء وازدهار في ربوع وطننا الغالي، وتهدد ثقافتنا ومعاييرنا وحضارتنا عالية القامة والاتساق وأن ما ينشر في أغلب صحفنا المحلية من وقائع السرقات والانحرافات الأخرى لدليل على هذه الزيادة.

وإزاء ذلك كله نتساءل: أين مراكزنا البحثية من هذه المسلكيات المبتذلة المستهجنة؟ وأين علماؤنا الأفاضل الذين نثق بهم وبكفاءتهم وخبراتهم التي نقدرها؟ ونعتد بها؟ هل هم في واد غير وادينا فيرون واقعاً غير ما نراه؟ هل هم ما زالوا يتأملون واقع الحتمية التاريخية التي تبرر لهم حالة الواقع المعاصر الذي نظنه من ضلالات الجاهلية وضبابية الرؤى؟ هل هم يرونه عرضاً زائلاً بينما نراه ظاهرة ممجوجة لها عواملها المسببة والمهيئة التي يتوجب الالتفات إليها؟ وتأويلها وتفسيرها وتشخيصها تشخيصاً جيداً لإمكانية وضع برامج العلاج المناسبة للحيلولة دون تفاقمها وامتدادها؟ هل هم يرون التهوين من الأمر وعدم التمادي في تهويلها بينما نراه تحدياً - عاصياً - للقواعد والنظم يتوجب تفهمه والعمل على التصدي له بمنهجية علمية وطرق علاج قديمة وحديثة؟

هل هم يرون أنها أحداث يتولاها قطاع الأمن بدلاً من ضياع وقت المؤسسات البحثية التي تضطلع بمهام التنمية والتطوير، بينما نراه نحن حدثاً يلزم التوجه العلمي إليه فالمبادرة فيه تعني كسباً للوقت خشية مخاطر أعظم قد تحيق بنا نتيجة التسويف فيلزم التعامل مع الحدث مبكراً وعدم الاستخفاف به وبخاصة وأن لدينا الآن قدرة وقوة وإرادة للسيطرة عليه خشية فجائية أحداث أخرى وهذه هي (اللحظة) المناسبة لا نريد لها أن تضيع أو تطول تحسباً لتوقعات قد تحيد وتضر بنا وحينئذ يا ترى ما هو رد الفعل، وما يمكن أن ينتج عن هذه الظاهرة من آثار؟ إضافة إلى على ما يلحق بها من آثار آنية تتمثل في ترويع الآمنين وإزعاج السلطات وإهدار المال العام والخاص، ومقاومة رجال الضبطية الجنائية ومناهضة المجتمع وإحداث الارتباك فيه، وإحداث المضايقات لمستخدمي الطريق العام حتى لرجال المرور أنفسهم عصياناً وتمرداً على النظام العام، وإصراراً وعناداً على سياسة الإصلاح والانقلاب عليها.

مرة أخرى نهيب بالبحث العلمي، مركز بحوث وزارة الداخلية، جامعة نايف للعلوم الأمنية، ومراكز البحوث والدراسات بالجامعات السعودية، والمركز الوطني للدراسات والتطوير الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية.. وغيرها التي تعني بعمليات الرصد والتحليل والتشخيص للمتغيرات والمشكلات والصعوبات الاجتماعية أن تضطلع بدورها بالتنسيق مع منظمات المجتمع الحكومية والمدنية والجهات المتخصصة أن تقوم بجهد أكبر للوقوف على الظواهر والمشكلات الاجتماعية التي تحيق بمجتمعنا الآن، وأن تقدم مساهمة أكبر في تطوير الخدمات والبرامج الاصطلاحية والعلاجية للقضاء على ظواهر السلبية واللا سواء الأخلاقي وتحويل جماعات (الانحرافات) إلى قوى (منتجة) لخدمة دينها ووطنها.










 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد