Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/04/2008 G Issue 12992
الخميس 18 ربيع الثاني 1429   العدد  12992
الأيتام غراس نسقيها اليوم لتروينا غداً
مستورة بنت عبدالله الوقداني - رئيسة جمعية فتاة ثقيف الخيرية النسائية بالطائف - مديرة التعليم الأهلي والأجنبي

الأيتام شريحة كبيرة ومهمة جداً في كل مجتمع في العالم بأسره إلا إن العناية بهم وإعطائهم حقوقهم في المجتمع المسلم تحتل مكانة كبيرة لأنهم فئة حرمت حنان الأبوين أحدهما أو كلاهما أو هم نتاج ظروف خاصة مختلفة وقد تطرق الدين الإسلامي لأوضاع الأيتام وكيفية التعامل معهم وأوصى بهم خيراً ووعد خيراً المحسنين إليهم حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل كافلي الأيتام في منزلة عالية جداً حيث قال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى) وهذه بشرى عظيمة ومنزلة رفيعة يحلم بها كل مسلم ومسلمة، ومن هنا جاء تسابق الراغبين في هذه المنزلة على رعاية وكفالة واحتضان الأيتام، ومن هنا انطلقت المؤتمرات والملتقيات التي تناقش أوضاع الأيتام وسبل تطويرها وخلق الأجواء الآمنة لتربيتهم والبيئة الصالحة لبناء شخصياتهم ذلك البناء الذي يضمن للوطن بمشيئة الله رجالاً ونساء أسوياء أكفاء يفتخر بهم كل من ساهم في نشأتهم وحسن رعايتهم بدءاً برجالات الدولة المخلصين وعلى رأسهم الأب الحنون لكل يتيم ويتيمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، وولي عهده داعم الأيتام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظه الله مروراً بالمسؤولين والمسؤولات عن رعاية الأيتام في وزارة الشؤون الاجتماعية والدور الإيوائية بالمملكة وأهل الخير في كل شبر من مساحة مملكتنا الطيبة الذين أدركوا أن أيتام اليوم هم رجال الغد وما أعطي لهم اليوم من حب واحتواء ورعاية سيردونه غداً بمشيئة الله عملاً مخلصاً وحباً صادقاً وولاءً نادراً للمليك وللوطن وأهله ولن ينسوا الفضل بينهم وبين وطنهم وأهله، وقد تشرفت برئاسة جمعية خيرية تضم داراً للأيتام ذوي الظروف الخاصة وعايشت أحوال كثير من الأيتام من خلال اتصالاتي ولقاءاتي بالأخوات المسؤولات عن الأيتام في الدور وبنماذج من الأيتام في الدور الأخرى فوجدت اهتماماً كبيراً بهذه الفئة ومساعي حثيثة للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لهم ونحن في الجمعية على سبيل المثال لا الحصر أنشأنا داراً جديدة للأولاد فوق سن السابعة منفصلة عن البنات تبرعت بها للأعوام القادمة كوقف للأيتام الأخت الكريمة (هبة بنت سعد عبدالواحد) ابنة مدير تعليم البنين السابق في الطائف يرحمه وكانت لفتة إنسانية كريمة من ابنته أجدها مناسبة لأن نشكرها بعمق على الموقف الرائع، كما أجدها مناسبة نشكر الأخت المتطوعة والمحبة للأيتام (لطيفة المعمر) والأخ المتطوع (سليمان السواط) واللذين يعملان منذ أربعة أشره ليل نهار في تجهيز هذه الدار وتهيئتها فمنتهى السعادة والحبور أن نجد أفراداً بهذه الصفة أوصلهم حبهم للأيتام للتضحية براحتهم ووقتهم لئلا ينتقل الأولاد من الأجواء التي تعودوا عليها في مدينة الطائف إلى أجواء أخرى وهم يعد غضي العود مرهفي الحس، ولن يفوتني ذلك الدعم والتأييد الذي وجدناه من إدارة الإشراف بمنطقة مكة المكرمة وبالذات من الأخت نورة آل الشيخ كما وجدنا دعماً ومساندة من الوزارة ممثلة في القائمين على شؤون الأيتام وكان للأولاد دور كبير في وضعية هذه الدار وأخذنا آرائهم حول ماذا يريدون ويتمنون؟ فكان من أبرز وأهم طلباتهم ألا يشار لدارهم بدار الأيتام وهذا توجه تسعى له الوزارة ونوقش في مؤتمرات ولقاءات عديدة، كما وجدت خلال عملي التطوعي معهم أنهم يتوقون للحياة الأسرية والأجواء العائلية وهذا حقيقة مطلب ضروري جداً والإحساس به له أثر إيجابي عميق في نفسية وشخصية اليتيم وهذا أيضاً مما يهم وزارة الشؤون الاجتماعية حيث لمست ذلك خلال تحدثي مع المسؤولين عن الأيتام رجالاً ونساءً في الوزارة إذ تؤيد هذا الموضوع وتشجع على الاحتضان على أساس الاختيار السليم للأسرة الحاضنة.. وحقيقة من يتعايش مع الأيتام بإحساس الراغب في الأجر وبشعور المواطن الساعي لخير هذا الوطن وأهله يجد نفسه مندمجاً فيهم متلمساً لمشاعرهم وأحاسيسهم محباً لهم بصدق مفتقداً لهم لو فارقهم ساعات وليس أياماً.. وكنت أول ما عرفت الأخت نورة آل الشيخ أتعجب عندما تتحدث عن الأيتام قائلة (بناتي وأولادي) وحين عايشتهم زال عجبي فكم أسعد بهم وهم ينادوني ب(ماما) وانتظر بمشيئة الله اللحظة التي أرى فيها سلطان وأصيل ومازن وهشام ومروة ونجود وعدال ونوال وشروق وأفراح وإخوانهم وأخواتهم من أولادي وبناتي وأولاد وبنات نورة آل الشيخ ولطيفة المعمر وغيرنا كثر من الذين واللواتي شرفهم وأكرمهم الله برعاية الأيتام والإشراف عليهم كلنا ننتظر بشوق لحظة رؤيتنا لهم أطباء ومهندسين وطبيبات ومعلمات أجيال، أمهات وآباء، مواطنين ومواطنات صالحين ومحبين لوطنهم ومليكهم عاملين وعاملات من أجل رفعة دينهم ووطنهم وأمتهم، نسأل الله أن يحقق لنا ما نتمناه وأن يحفظ لنا مليكنا الحبيب وولي عهده الأمين وكل مسؤول يدعم أعمال الخير ويساند المخلصين والمخلصات ويدفعهم للأمام، وكل محسن ومحسنة في هذه البلاد الطيبة وجميع بلاد المسلمين، ولأن الأيتام بحاجة مستمرة لمتابعة وتواصل الاهتمام فقد انطلقت ملتقيات ومؤتمرات تعنى بشؤونهم وأحوالهم على المستوى العربي والخليجي فكان ملتقى الأيتام الأول الذي تبنته جمعية إنسان لرعاية الأيتام.. واختتمت الأربعاء الماضي في دولة البحرين فعاليات المؤتمر الثاني للأيتام والذي تنظمه المؤسسة الخيرية الملكية بمملكة البحرين تحت شعار (خير البيوت في الإسلام بيت فيه يتيم) والذي انعقد في الفترة من 14-4 إلى 16- 4-2008م بمركز البحرين الدولي للمعارض وبمشاركة 140 مؤسسة و300 مشارك ومشاركة من مختلف دول العالم العربي، وكان قد سبقه المؤتمر الأول المنعقد في إبريل 2006م في البحرين أيضاً وكان تحت شعار (من أجل بيئة تربوية منتجة للأيتام) وفي كلا المؤتمرين كان للمملكة العربية السعودية حضورها وتواجدها كما هي عادتها في المحافل الدولية الإسلامية والعربية ويحق لنا أن نفخر بذلك، ودعونا نتوقف عند المشاركة في مؤتمر الأيتام الأخير المشار إليه فمما يثلج الصدر أن تشارك بنات دار التربية الاجتماعية بجدة وليست هذه المشاركة الأولى لهن فقد سبقتها مشاركة في مؤتمر المغرب كما كانت لهن مشاركة في ملتقى الأيتام المنعقد في الرياض، وقد عرضت فتيات دار التربية الاجتماعية تجربة مميزة لهن كانت أحد بنود اللقاء، ومثل هؤلاء الفتيات اللواتي يشاركن بأوراق علم وتجارب مميزة يستحققن أن نصفق لهن بحرارة ونسعد بما قدمنه، فقد مثلن الأيتام في المملكة تمثيلاً حسنا وعكسن مدى ما تحظى به هذه الشريحة الحبيبة إلى قلوبنا في مملكة الإنسانية من حب ورعاية واهتمام فتحية فخر واعتزاز لكل من: ابنتنا الحبيبة (أماني بنت عبدالسلام عبدالمجيد) وابنتنا الحبيبة (بسمة بنت محمود حسن) وابنتنا الحبيبة (هند بنت عبدالهادي سعيد) وقد رافق بناتنا هؤلاء في المؤتمر المشرفات عليهن والداعمات لهن والمؤثرات فيهن وهنا سر النجاح وهن الأخوات (نورة بن عبدالعزيز آل الشيخ المديرة العامة للإشراف الاجتماعي بمنطقة مكة المكرمة، والأخت سوسن وهيب محمود مديرة دار التربية الاجتماعية للبنات بجدة، والأخت أماني بنت عبدالله الجحدلي الأخصائية الاجتماعية بدار التربية الاجتماعية بجدة) كما شاركت المملكة في هذا المؤتمر بأوراق عمل مميزة وهادفة جداً شارك بها كل من الدكتور سعد بن عبدالله المشوح من كلية الملك خالد ورقة بعنوان (استخدام السيكو دراما في العلاج النفسي للأيتام)، الأستاذة انشراح المشرفي أستاذ مساعد بكلية التربية بجامعة أم القرى ورقة بعنوان (فاعلية برنامج التربية على المواطنة وحقوق الإنسان)، الأستاذ صالح بن عبدالله اليوسف مدير عام الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام إنسان بمنطقة الرياض عرض تجربة الجمعية، الدكتور محمد بن عبالرزاق أسود من جامعة الملك فيصل ورقة بعنوان (صفات الإدارة التربوية في جمعيات كفالة الطفل اليتيم).. موضوعات رائعة ومشاركات مميزة تشارك بها المملكة تبين بوضوح المستوى الفكري والإنساني الذي تحمله عقول أهل بلادنا الحبيبة وتعكس مدى تواجد المملكة في كل مجال وقيادتها الرائدة ودورها البارز، ولست أبالغ إن قلت إن الأيتام في المملكة العربية السعودية يحظون برعاية قد يفتقر إليها كثير ممن يعيشون بين أبويهم، إنما تظل حاجتهم الشديدة للجو الأسري والانتماء العائلي وأخص الأيتام ذوي الظروف الخاصة فهم أكثر الأيتام حاجة للأمان النفسي وهو ما يبحث عنه المسؤولون وما يودون تحقيقه لهم وسيعون إليه وإنني هنا أوجه تحية محبة واعتزاز تحية إكبار وإجلال لمليك هذه البلاد وراعي أمورها وشؤونها وهو صاحب اليد الطولى فيما تحقق وسيتحقق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله، ولولي عهده الرجل المعطاء الكريم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظهما الله، كما أحيي وأثمن جهود القائمين على رعاية الدور الإيوائية المخلصين والباحثين عن الكفاءات التي تحسن رعاية هؤلاء الأيتام لينشؤوا نشأة صالحة آمنة، هادئة نفوسهم، مستقرة أحوالهم، فكلما استقرت وصلحت هذه الشريحة صلح معها المجتمع!! وهنا لا يمكننا أن ننسى الدور الرائع لأصحاب الأيادي البيضاء الممدودة لأعمال الخير ورعاية الأيتام من أصحاب السمو الأمراء ورجال الأعمال وسيدات المجتمع ورجال ونساء مجتمعنا السعودي من المحسنين والمحسنات هؤلاء هم أيضاً آباء وأمهات الأيتام وكل هؤلاء هم السند والعزوة بعد الله لكل يتيم ويتيمة.. وما أكثر ما يحدثنا التاريخ عن أيتام ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس عن أيتام يشار إليهم بالبنان عن أيتام صلحت الدنيا بهم وبعلمهم وبدورهم وأعظم هؤلاء جميعا سيد البشرية جمعاء محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الذي جاء للدنيا يتيماً وعاش يتيماً وبه أصلح الله الدنيا وطهرها وأخرجها من الظلمات إلى النور، ونحن حين نتحدث عن الأيتام ونركز على ذلك وحين نعقد المؤتمرات والملتقيات فما ذلك إلا لاستخراج الكنوز الثمينة والدفينة داخلهم وبلورتها وصقلها ليكونوا نماذج يحتذى بها خاصة وأن معظمهم يتمتع بنسبة ذكاء عالية وهذا الأمر لاحظته في كثير من الأيتام داخل الدور وخارجها وكأنه تعويض من رب العالمين سبحانه وتعالى.. ومن المهم جداً استثمار هذا الذكاء بحسن الرعاية وهذا ما سيحدث بفضل الله عز وجل ثم بفضل جهود ومتابعة واهتمام المسؤولين والمسؤولات عن رعايتهم وحسن اختيار القائمات والقائمين عليهم وحسن اختيار الأسر الحاضنة، ودعم ومساندة هذه الجهود المباركة من جميع أفراد المجتمع ودعونا نسعى لرفع منزلتنا في الآخرة وطيب ذكرنا في الدنيا فلن ينسى طفل اليوم اليتيم يداً امتدت له بالعون وقلباً احتواه بالحب حين يصبح رجل الغد الذي نفتخر به.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد