Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/04/2008 G Issue 12998
الاربعاء 24 ربيع الثاني 1429   العدد  12998
هل لنا أن نقلق من ظاهرة القلق المستتر بين الشباب؟
د. فوزية بنت عبدالله أبوخالد

لا بد أن الكثير منا يتساءل حين نقرأ في الصحف ما لم نعهد قراءته من حالات تشي بشيء كثير أو قليل من حالات القلق الاجتماعي (المقلقة) بين مختلف القوى الاجتماعية وبين الشباب خاصة، وإن أتت بصور أخبار فردية. ولا بد أن نطرح بعض الأسئلة مثل: هل هذه الحالات التي تتسرب بعض أخبارها إلى الصحف هي حالات طارئة ومستجدة على المجتمع أم أن لها جذور ثقافية

واقتصادية وربما سياسية أو سواها. فلا بد أنه أمر يستدعي القلق الاجتماعي أن نقرأ عن حالات هروب الفتيات أو حالة انكفاء الشباب في الاستراحات بما يكاد يحول بعضها إلى معازل اجتماعية مغلقة لا نعلم الكثير مما يدور داخلها، أو عن حالات تصل حد الانتحار أو محاولاته الجادة. إلا أنه كثيرا ما نطوي الصحف ونبتلع الأسئلة.

ففي الصمت الذي لا يسمع فيه إلا هسهسة الصمت كما يتفقده (داريدا) يثلم الوقت كملكات العث ويتحرك كمخلوقات لامرئية تزحزح الأثاث وتستخدمه بسرية أمام العيون (المفتوحة على مصرعيها) والمسام المقشعرة.

في الصمت الذي قد يروعك فيه صوت صديقك فلا تميزه من صوت أشباح مرتقبة في الخيال أو في الخبرة المخبوءة في اللاشعور أو الجراح الغائرة وندباتها النافرة تحت الجلد كما يفككه (داريدا) أيضا.

وفي الضجيج الذي يشبه صوت صفارات الإنذار والملاحقة في سيارات البوليس، في المسلسلات الأمريكية، وأفلام هوليود المرعبة التي صارت تبثها أمريكا حية على الهواء من أرض بابل، من مغاور أفغانستان، من جونتانامو ومن السجون السرية الأمريكية المتكاثرة التي حفرتها مخابراتها داخل أنقاض تلك البلدان التي كانت تلوح لها أمريكا بحلم الخبز والحرية فصارت الآن تحولها إلى معاقل لقتل الحلم والحرية معا حين دخلت في قبضة المعسكر الأمريكي.

في الضجيج الذي لا تسمع فيه إلا أنين أضلع عمال الموانئ تحت حمولة البضائع أو صوت الأحذية على أرضية المطار في استقبالات المبعوثين والخبراء والمقاولين والمستثمرين الجدد على وزن المحافظين الجدد, أو صوت المضغ وحركة الفك تتناغم مع همس الآنية على الموائد الطافحة أو فحيح الجوع في قارات كاملة.

في مثل هذا الصمت الغامض كشمس استوائية أو المثير كجمال أسود.

في مثل هذا الضجيج الواضح كظلم الوساطة أو كحالة كسوف سافر لا يكون هناك متسع في الوقت أو في النفس لتتحول الحالة الذهنية أو الحالة النفسية إلى موضوع ملاحظ يمكن رصده أو دراسته أو تعريته أو حتى التوقف عنده. بل تصبح الحالة طرفا في التكيف أو في الكفاح حسب ميزان الكفة الأرجح كما تتحول الأسئلة إلى أفاعٍ تلتف حول الأعناق وتشرب من الشرايين الدقيقة مباشرة.

ففي إحصاء قصير أمامي ما يؤكد أن حالة القلق والتوترات النفسية ترتفع في المجتمع العربي أو تتعادل مع درجة شيوعها في المجتمعات الصناعية وفي بلد عربي واحد من الوطن العربي تصل نسبة معاناة بعض فئات شبابية من الشعور بالعجز إلى نسبة تزيد على 52% كما تصل نسبة من يعانون من لوم الذات والمظاهر القلقية الأخرى مثل جلدها أو إيذائها إلى نسبة تزيد على 64% من الفئة نفسها بينما تلك النسبة لا تزيد على 30 إلى 35% في المجتمعات الصناعية التي يصنع بعضها القلق ويصدره للمستهلكين أمثال مجتمعاتنا مغلفا بالسم والسلفان مختوما بمهر الشركات الكبيرة مشكورة على صورة أسلحة وأقنعة وشعارات وغيرها من أدوات الزينة التي لا تسغني عنها الكثير من الأنظمة.

ومع هذا فإننا نجد أن نسبة القلق الأخيرة في بعض تلك المجتمعات تخلق حالة من القلق العام حولها وبها.. بينما لا تكاد تلحظ في مجتمعاتنا. بل الأعمق من ذلك أن القلق هناك استطاع أن يكون قلقا معبرا بمعنى أن حالات القلق في عدد من المجتمعات الصناعية كثيرا ما تتجه إلى التحول إلى حالة إنتاجية تنتج في الحقول الحياتية المختلفة من الفلسفة والأدب والفن، والفن التشكيلي، والسياسة والطب والتقنية. وبذلك فإن ظاهرة القلق تتحول من مجرد ظاهرة سلبية على الصحة النفسية للفرد والمجتمع إلى حالة اجتماعية يمكن شحنها إيجابيا عن طريق طرح الأسئلة والآراء والحوار والتعبير بمختلف أشكاله بما يحولها إلى حالة إيجابية بردها إلى جذرها الاجتماعي في الإطار الحضاري الذي يشكل القلق بسمته العصرية أحد إفرازاته.

أما القلق الآخر في أجزاء أخرى تشبهنا أو نشبهها من الكرة الأرضية وظواهره المجتمعية (المقلقة) فإما يتم التعامل معه بسرية وتخوف وتكتم كما كانوا يفعلون بمن يظن أن بهم مس في العصور المظلمة أو في الأحوال الأحسن يتم التعامل معه عن طريق العيادات النفسية التجارية التي تحرص على خنق الظاهرة (بالفاليوم) أو العيادات النفسية النرجسية كما في طوق طهارة محمد علوان/الرواية التي تداوي الجرح بالداء ليس أكثر دون أن يعرف الطبيب نفسه مبلغ ضررها أو نفعها الجسدي والنفسي والاجتماعي. أما في أحسن الأحوال وخاصة في خضم ازدهار خطابات الإصلاح إعلاميا أو بالأحرى إعلانيا فإنها تترك لتفرغ توتراتها في ساحات الكلام وكأن مجتمعات بقضها وقضيضها تتحول إلى غرف إلكترونية (للتشات) أو الثرثرة الشبكية على أن لا يتخطى الكلام والنقد وقلق الأسئلة حدود أضغاث الصحو أو أحلام المنام. وهذا ما تكاد تعبر عنه القنوات الفضائية العربية اليوم بامتياز حتى ليكاد المتابع أن يشعر أنه في حراج للمزايدات وليس في برامج يفترض أنها برامج حوارية. لذا يتحول القلق الإنساني على المصائر الوطنية والشخصية معا إلى حالة من الكمون العام كالخلايا النائمة أو إلى شكل من أشكال التكيف الاجتماعي الخمولي. فترى جموع التلاميذ والنساء والشباب والرجال والمسنين والفحول ومن هم في ريعان العنفوان هادئة, مبتسمة مستسلمة تنحني على الأرض لا لتشق مطرحا لبذرة جديدة أو تبحث عن كشف غير مسبوق بل لتتحسس برضا قبولها أو قبورها.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5148 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد