Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/04/2008 G Issue 12998
الاربعاء 24 ربيع الثاني 1429   العدد  12998
قراءة في كتاب: (خطوات فوق الصُّخور)

العنوان المختار لهذا الكتاب وصف موجز لخطوات الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل - رحمه الله.

وهذا الكتاب مشروع ثقافي من مشروعات الأمير المثقف مشاري بن عبد العزيز عن والده العظيم. ليس كتاب سير، وإنَّما إضاءة نحو خطى بطل أشرعت إنجازاته بوابات التعبير لكثير من الأفكار والرؤى والأقلام، وتحدَّثت أعماله بما يشبه الخيال فاستقطبت ذوي الكلمة والرأي والحكمة والفكر إلى تناول شخصيته عبر تجارب شعرية، وثقافية، وتاريخيّة، كان هذا الكتاب الذي بين أيدينا نسيجاً في نسيجها، افتتحه المؤلف الأمير مشاري ببيت الشاعر (أبو القاسم الشابي):

ومن يتهيّب صعودَ الجبال،

يعشْ أبد الدهر بين الحفر

ثم يهدي الأمير مشاري كتابه عن والده الملك عبد العزيز على طريقة الكتب القديمة في الإهداء، ولكن بأسلوب مختلف يقول فيه:

(يهدى هذا الكتاب إلى كل مسلم وكل عربي وإلى كل من يؤمن بدينه ووطنه وأمته.

هدية تضم بين صفحاتها صوراً من بطولة وإيمان..

هدية فيها معنى توحيد الله وتوحيد الأوطان..

هدية من قلب كل سعودي مؤمن بربه، حريص على كرامته،

غيور على رجولته.

يهدى، ومضات لرجل صنع تاريخه بنفسه..

وخلد أيامه بأعماله.. حيث لا خلود إلا خلود الأعمال..

يهدى، رجلاً لم يخلق لنفسه بل خلقه الله ليعيد بناء أمته جاعلاً أركانها تقوى الله، وجمع شمل أمة مزقتها تقلبات الزمان، وجهل بعض من كان لهم فيها سلطان.

الشعب السعودي بيمينه يقدم لك خطوات فوق الصخور). ص13

ويشرع المؤلف صفحة أخرى لتقديم كتابه هذا للقارئ معبِّراً عن مشاعره نحو خطوات والده العظيم وسيرته العطرة، وأعماله الفذَّة بصفته واحداً من الرجال الذين صنعوا التاريخ وحوَّل بلاده إلى منطقة تستقطب التاريخ والمؤرخين، فيقول عن هذا الإنسان الرائد:

(المغفور له الملك عبد العزيز غنيٌّ عن أن يعرف به، وحتى لو استعملت (التعريفات التقليدية) المألوفة في مثل هذه الحالات فإن شعوري أنه أكبر منها وأكثر، فإن قلنا إنه (الباني) فهو أكثر من ذلك أيضاً، وإن قلنا إنه (البطل) فهو أكثر أيضاً وأيضاً.. إنه البطولة نفسها، لأن معنى البطولة أن يضع البطل أحلامه موضع التنفيذ لا أن يكتفي بالأحلام.

والبطولة تؤمن - فلا بطولة بغير إيمان - ولقد كان عبد العزيز بطولة مؤمنة.. فعندما اشتد ساعد عبد العزيز وترعرع لم ينظر إلى الوراء ولم يقف مكتوف اليدين مكتفياً بانتظار ما تأتي به الأيام مفاخراً بحسبه مباهياً بنسبه متحدثاً بماضي أجداده المجيد، إنه لم يفعل ذلك بل نظر إلى الإمام ليبني بيديه مجداً جديداً شامخاً راسخاً على الأيام.

وإذا قيل عن غير عبد العزيز إنه قد (دخل التاريخ) فإن عبد العزيز لا يقال عنه ذلك لأنه هو الذي صنع التاريخ). ص 18

وعن أسلوبه في الكتاب وأهدافه يقول الأمير مشاري (وهذا الكتاب ليس (تقديماً) لعبد العزيز، لأن عبد العزيز هو الذي يقدم كل مواطن شريف حريص على دينه وأمته ووطنه.

فالتقديم يكون لمن يحتاج إلى تعريف، وعبد العزيز تقدمه أعماله التي كانت تبدو قبل تحقيقها ضرباً من المستحيل.

وفي الخطوات التي بدأتُ بها الكتاب لم أكتب عن عبد العزيز بصفته والدي وإنما كتبت عنه بصفتي مواطناً رأى أن من واجبه أن يقدم جوانب أخرى من شخصية عبد العزيز ربما لم تكن معروفة. ولقد كانت غايتي الرئيسة من وضع هذا الكتاب هي جمع غيض من فيض مما قيل في عبد العزيز من الشعر الذي توخيت أن يكون قائلوه من خارج المملكة العربية السعودية لأعكس صورة لعبد العزيز في امتداد جهاده عبر الآفاق العربية جمعاء. وبعد: فهذا الكتاب ليس رثاءً لعبد العزيز، لأن عبد العزيز لا يرثى، فالذين يقال فيهم الرثاء هم الموتى، وعبد العزيز لم يمت، فهو حي فينا ما دام شروق).

موضوعات الكتاب:

تنقسم موضوعات هذا الكتاب إلى قسمين:

القسم الأول: مقالات نثرية صيغت بأسلوب نثري أدبي تُعبِّر عنها لغة الأديب المفكر، أسلوب الابن المحب عن والده العظيم الملك عبد العزيز، يتناول فيها الأمير مشاري مواقف، وخطى، وذكريات وأحداثاً تضمُّ تسع وقفات أمام جوانب من شخصية الملك عبد العزيز تعبِّر عناوينها عن أبعادها وملامحها:

* خروج النور من الرياض.

* عبد العزيز يمشي.

* عبد العزيز القائد.

* البحث عن عبد العزيز.

* عبد العزيز المؤمن.

* اثنتا عشرة ساعة مهلة من الزمن لعبد العزيز.

* عبد العزيز في لاهاي.

* عبد العزيز لا يحلم.

* عبد العزيز في مجالسه.

ولن أذهب هنا إلى التفصيل في تناول هذه الفكر التسع، وما حملته لنا من ومضات عن شخصية الملك عبد العزيز - رحمه الله وغفر له - فأترك ذلك لمتعة القارئ وتقديره عندما يتناول هذا الكتاب القيِّم الذي ينتظم نسيج التفكير والرأي والتعبير والحكمة والتأمُّل في صياغة تجليات القدوة، والتخطيط، والطموح، والإقدام، وبُعد النظر، والحكمة، والتدبير، والوعي، والحضور، والشجاعة، والجود في شخصية رجل قائد رائد هو (عبد العزيز بن عبد الرحمن). وأترككم مع الدهشة والمتعة في إنسيابية التعبير لريشة مفكر يتابع خطوات مكتظة بالأحداث والإضاءات المشرقة.

القسم الثاني:

تُعدُّ وقفات تأملية أمام لوحات تعبيرية، آثر الأمير مشاري بن عبد العزيز أن يعيد قراءتها وهو ينظر إلى شخصية والده العظيم، ويرقب خطواته ويرصدها عبر شهادات نماذج من الشعراء وأربع عشرة قصيدة تبوح في حضرة عبد العزيز عن ما أوحت لهم هذه الشخصية الأثيرة من حضور فَذٍّ في زمن وموقع وأحداث كانت عطشى إلى الإبداع، ومعاشرة الحلم الذي تحوَّل إلى حقيقة، متمثلة في الأمن والتوحيد والإيلاف، وتحقيق الآمال والطموحات، والامتزاج بمبررات البقاء والانتماء والوفاء للدين والوطن.

ولم تقتصر وقفات المعبِّر المتأمل مشاري بن عبد العزيز على اختيار هذه القصائد، وإنَّما انتخب نماذج من الشعراء، فيهم الراوي المفكر، وفيهم الأديب الشاعر، ومنهم المؤرِّخ ، ومنهم المفتي، ومنهم الراصد المندهش من خطوات عبد العزيز التي تشبه الأساطير وطموحاته التي تسبق الأحلام. ومن أولئك الشعراء: الرواية محمد شوقي الأيوبي، والمؤرِّخ خير الدين الزركلي، والشاعر الملحمي: سليم أبي الإقبال اليعقوبي، (مفتي يافا) والأستاذ عبد العزيز الرشيد، وغيرهم. ولم يقتصر على اختيار القصائد والشعراء بل أضاف إليها وقفات تعبيرية نسجها قبل معظم القصائد معبِّرة عن اشتراكه في التمازج والإعجاب بالحضور في شخصية الملك المؤسس عبد العزيز، وانعكاس تجلياته على أفكار الشعراء المعبِّرين عن ذلك الحضور الأمثل في الحياة، في الحقيقة المكتظة بالتجدُّد في هذا الموقع الإستراتيجي الأثير من العالم، في أرض الجزيرة العربية.

نموذج من المقدمات للقصائد:

يقدم الأمير مشاري قصيدة (مطمح الآمال) للشاعر محمود شوقي الأيوبي بقوله:

(في هذه القصيدة المطولة، يحاول الشاعر أن يروي بلغة الشعر قصة عبد العزيز بأسلوب الملاحم، فيرافق مختلف مراحل نضاله، ويرسم من شخصية عبد العزيز كما رآه الإسلام ورأته العروبة لمحات خاطفة تتوثب بالحماسة والإعجاب. ولا غرابة في ذلك فعبد العزيز كان في نظر أبناء العروبة في ذلك الحين أسطورة فذة من أساطير البطولة التي افتقدها العرب منذ أن دالت دولة الأبطال الذين يفخر العرب بهم ويعتزون، فجاء عبد العزيز يعيد السيرة الأولى ويكتب للعروبة مجداً جديداً) ص 64.

قصة طباعة هذا الكتاب:

القصة التي رواها الكاتب المفكر الأستاذ عبد الله نور عن حكاية طباعة كتاب (خطوات فوق الصخور) عام 1388هـ تحمل شيئاً من الطرافة حين أسند الأمير مشاري بن عبد العزيز إلى الأستاذ عبد الله نور عملية البحث عن المطبعة المناسبة لطباعة هذا الكتاب، وسلَّمه مسودَّته المكتوبة باليد وتكاليف طباعته، ثم اختفى عبد الله نور عن أنظار الأمير مشاري، ولم يعد إليه بعد استلام مسودة الكتاب، ومرت أيام، وشهور لم تجد في البحث عنه أو العثور عليه مما اضطر الأمير إلى الطلب من الإمارة إحضاره لاسترداد الكتاب الذي لا توجد له نسخة أخرى، وتم العثور على الأستاذ عبد الله نور الذي التزم بإحضار هذا الكتاب الذي كان لإدخاله المطبعة وإصداره احتفاء أثيرٌ يليق بما بذل من جهد وعناية وإتقان فصدر في صفحات بلغت (146) من القطع الكبير.

اقتراح:

وبما أن هذا الكتاب القيِّم يتناول سيرة البطل المؤسس لهذا الكيان العظيم (المملكة العربية السعودية) ويعبِّر عن حضور الملك الإنسان عبد العزيز في وجدان وحياة ابنه الأمير مشاري بن عبد العزيز، وفي وجدان وذاكرة الشعب السعودي، فإنني اقترح أن تقوم (دارة الملك عبد العزيز) بإعادة طباعة هذا الكتاب ونشره ضمن سلسلة الكتب التوثيقية التي تقوم الدارة بنشرها عن سيرة الملك عبد العزيز، لاسيما أن نسخ هذا الكتاب قد نفدت من المكتبات. فليس أفضل في ذكرى المحاسن من الوفاء للنماذج الأوفياء الذين كان لهم حضورهم الرائع في الحياة، وما زال حضورهم مشرقاً في الذاكرة والوجدان.

عبد الله بن سالم الحميد
www.alhumied.com



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد