Al Jazirah NewsPaper Saturday  03/05/2008 G Issue 13001
السبت 27 ربيع الثاني 1429   العدد  13001
أهيب بقومي
الكتابة القبلية وتزايد الحساسية!
فائز موسى البدراني الحربي

لا يختلف اثنان على أن القبيلة تمثل عنصراً لا يمكن إنكاره في بنائنا الوطني والاجتماعي، ولا خلاف أيضاً على أن كل العقلاء متفقون على نبذ العصبية القبلية، ورفض كل ما يؤدي إلى إثارتها، إلاَّ أن الكتابة العلمية عن القبيلة فيما يتعلق بالجوانب التاريخية أو الاجتماعية أو تصحيح الأنساب، يظل موضوعاً لا غبار عليه إذا توافرت للكاتب متطلبات البحث في هذا الموضوع، وتسلح بالعلم والأمانة والموضوعية.. وقد كنت واحداً من الذين اهتموا بالكتابة القبلية بتشجيع من العديد من المهتمين بتاريخ القبائل وأنسابها، وعلى رأسهم علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله، وقدر لي أن أبحر في هذا البحر المتلاطم، في رحلة ناهزت العشرين عاماً، حاولت خلالها أن ألفت انتباه الباحثين والمهتمين إلى أهمية تاريخ القبيلة القائم على التوثيق بدلاً من الاستفاضات العامية غير الموثقة، التي قام عليها الكثير من الأمجاد الذاتية والبطولات الوهمية التي تشبع بها عقل ابن القبيلة الناشئ، وطرب لها كهلها العامي. فنبشت من أجل ذلك الأضابير، وزرت الأراشيف، وقلبت السجلات القديمة داخل المملكة وخارجها، ونشرت العديد من البحوث والدراسات القائمة على الوثائق، في تجربة لا أدعي أنها بلغت الكمال أو قاربته، بل هي جهد بشري لا يسلم من النقص مهما اجتهد صاحبه.. ومع أن تلك الاجتهادات قوبلت بالترحاب والثناء من قبل الأكاديميين والمهتمين بالتاريخ المحلي، وحظيت بالمساندة من قبل القائمين على إدارات المراكز البحثية العلمية، إلاَّ أن درجة قبولها لم تكن كذلك في أوساط العامة.. والسبب من واقع تجربتي المتواضعة يعود إلى ارتفاع نسبة الأمية في مجتمعنا عموماً والمجتمع القبلي خصوصاً؛ مما يجعل البحث في المسائل القبلية موضوعاً شائكاً مهما حاول الباحث أن يكون موضوعياً وأميناً، فابن القبيلة يريد أن يُكتب التاريخ كما استفاض لديه هو نقلاً عن ما تواتر في مجالس السمر من رواية الآباء عن الأجداد، أو يريد أن يكتب له التاريخ كما يلائم أمجاده التي يفاخر بها، أما تطبيق المعيار البحثي فلا يعنيه في شيء، ولا تهمه الموضوعية التي تنتقص من تلك الأمجاد التي تصب في تلميع الذات وتفخيم الأنا الأسرية أو القبلية، ومن هنا كان لابد أن تتعالى أصوات المعترضين، وينتشر صداها بسرعة تسد الأفق ليعيق الباحث والكاتب، في مجتمع يعاني من البيروقراطية الإدارية، وضعف الوسائل القانونية لحل مثل تلك الخلافات والحساسيات الاجتماعية.

ومن هنا تكتسب الكتابة في موضوع القبائل حساسيتها المفرطة، في مجتمع تدفعه القنوات الفضائية المشبوهة ومواقع الإنترنت الهابطة نحو الهاوية من خلال تأجيج العصبية القبلية المنتنة، وتشحن النفوس الناشئة وتلهب عقول البسطاء بتفاخرات القبيلة الجاهلية..

إن مجتمعاً ينحدر إلى هذا المستوى، وعقلاؤه لا يستطيعون فعل شيء لكبح هذه الظاهرة الخطيرة، ليس من الملائم للكاتب الصادق أن يبحث في أموره القبلية، ومن هنا أهيب بالباحثين الجادين في تاريخ القبائل وأنسابها أن يتنبهوا إلى هذه المعضلة، وأن يتعاملوا بحذر مع البحث في هذا المجال؛ لأن الكتابة فيه قد أصبحت مثل إشعال النار في حقل من الألغام!!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد