Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/05/2008 G Issue 13005
الاربعاء 02 جمادى الأول 1429   العدد  13005
لما هو آت
بعض التفاصيل (2)
د. خيرية إبراهيم السقاف

أكثر المحكات شفافية للكشف عن دخيلة الإنسان هو مقعد المسؤولية وما يؤول إليه من سلطة القرار.

فحين يسقط في يد المرء أمرهما فإن العاقل يشفق عليه أما الجاهل فيفرح له...

ولعل أكثرها مسؤولية وأشدها أمانة بل أثقلها ميزاناً في حكم الإنسان هي مقاعد التعليم وخدمة الناس والعمل من أجل سيادة الفضيلة وسلام الحياة ...ولأن المرء ممن يقتعدها لا يرى سوى بريقها الخارجي فإن الفرحة بها يناقضها الخوف الشديد منها الذي يسود قلوب من يعون أن الخطأ فيها والتقصير عنها والتغافل في شأنها مآله إلى جحيم الضمير وخشية المصير...

وإن هؤلاء الأخيرين يهربون عنها ويتوارون عن أضوائها ولا يتهافتون على أطباقها المحلاة أو كؤوس مياهها الباردة...

قرأنا عن كثير من العلماء اعتذروا عن مقاعد لأنهم كانوا يخشون عجزهم عن الوفاء لها...

فالخلص لضمائرهم أشد إخلاصاً في صدورهم لخالقهم... وأكثر خوفاً منه تعالى...

وأرحم ببشريتهم في شخوص الآخرين منهم...

لا يعني هذا أن يتخلى ذوو الاقتدار والفهم والوعي عن مقاعد العمل بل هناك ثمة طمع يراود النفس وكثيراً من النفوس لأن يعلم الناس كلهم أن مقاعد المسؤولية تتفاوت سعتها وأحجام أدوارها ومقدرات صلاحياتها ومجالات فضاءاتها... ليس كما ترى العين الظاهرة بل كما تغوص للحقيقة العميقة...

هذه المقاعد تكبر وتصغر.. تتسع وتضيع.. تعلو وتهبط.. ولها ألوان عديدة وأصوات كثيرة...

تبدأ من الأم فالجار فالمربي فالمعلم فرئيس دائرة العمل... فكل فرد أي (كل راعٍ)...

حتى أولئك الذين علموك فغادروك... فقابلوك ذات يوم ترأسهم أو تسهر على مصالحهم... أي حتى تبادلها الأدوار وإعطائها الوجوه للظهور...

هي في حركتها كالدولاب...

وهنا أشير إلى أن الإنسان يحتاج إلى أن يثقف مفهوم الرئاسة في فريقه وحدود القرار في صلاحيته... وأن يبدأ بمعرفة المقعد الذي يجلس عليه لعله أن يتقي مزالقه ويواجه ثغراته...

ثقافة المسؤولية مدار لا تنطلق بعيداً عنه ملاحظاتي الأخيرة بعد أن توطدت لدي القناعة بأن الغالبية ممن يلهثون للمقاعد عند كل منعطف تطوير أو متغير تحديث من حولهم... لا يرون إلا جانبها الصقيل ولا يتنسمون إلا هواءها المنعش بينما يجهلون تماماً مخابئها العتيدة وموارد ريحها الهوجاء...

المقاعد أمانات...

وهي محكات...

وهي على حافتي طريق الهلاك أو النجاة...



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5852 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد