Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/05/2008 G Issue 13005
الاربعاء 02 جمادى الأول 1429   العدد  13005
غياب الهوية
عبدالحكيم محمد النقيدان-بريدة

إن كل مجتمع في هذا الوجود يسعى لإبراز نفسه وإبداء مكانته للعالم، ويسعى كذلك للافتخار بمعطياته ومخرجاته سواء المادية أو الفكرية، وهذا بدوره جعل القوى الكبرى في العالم تحاول أن تقلب موازين الهوية للبلدان النامية وتسعى لجعلهم نسخة أخرى من مجتمعها بأفكاره وعاداته، والذي يعقبه الذوبان والانخراط في دوامتها، والإذعان والتبعية لقوانينها، وصيرورتها أداة فعالة لإنجاح مشروعاتها وخططها. وفي الحقيقة إن قضية الحفاظ على الهوية ليست من خصائصنا فقط، بل هي موجودة في أكثر المجتمعات ذوات الوفرة التأريخية والتراثية، فضلاً عن المسلمين أصحاب أنبل حضارة عرفها التاريخ البشري، فدول شرق آسيا مثلاً تعطي الهوية الأهمية الكبيرة وتحيي في شعوبها روح الفخر بعاداته وتقاليديه وأنماطه الفكرية والاجتماعية، حينما تزج بأبنائها في بلدان الغرب لتحسين مستواهم العلمي التقني، فالقضية ليست قضية عنصرية أو تمحور، بل هي من حقوق المجتمعات أن تنأى بشعوبها أن ينسلخوا من تراثهم ويصبحوا ظلاً لغيرهم.

إن تراجع الهوية وانحسارها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ليجعلنا في قلق متزايد، إذ إن انسلاخ الفرد من موروثاته وانفصاله عن سماته وخصائصه الدينية والاجتماعية يشكل خطراً على المجتمع بأسره وليس على ذلك الفرد نفسه، ويجعلنا أمام جيل قادم هجين، لا تاريخ له ولا حاضر.

وأحاول أن ألمح أسباب غياب الهوية لدى المجتمعات الإسلامية في النقاط الثلاث التالية:

1- ركود الدور الحضاري للمسلمين وخفوته ولو على مستوى التنظير، أدى بنا إلى حالة من التطلع لحضارات غيرنا ومحاولة مجاراتها والركض خلفها لما نرى فيها من رقي وتقدم على مستوى المعيشة والحريات ونهضة قوية في مجالات شتى من العلوم الحديثة. ولو أننا استلهمنا فكرنا الإسلامي المستمد من الوحيين والذي يتميز بالعالمية والشمولية التي تتعدى الزمان والمكان، ويمتاز بمراعاته للثنائيات كالروح والنفس، والعاطفة والعقل، جاعلاً الحياة قائمة على التكامل بينها. أضف إلى العدل والمساواة بين الناس ومدى كفالته للحقوق الشخصية والحريات لاستطعنا بذلك أن نفخر بهويتنا وانتمائنا، ونعتز بتاريخنا العظيم، ونستعد لبناء مشروعنا الحضاري الكبير، القائم على الرسالة الخاتمية لمحمد صلى الله عليه وسلم.

2- تراجع المسلمين وبخاصة في المستوى التكنولوجي جعل الفرد المسلم يشعر بالنقص ويشعر أنه متخلف عن ركب العالم وبعيد عن حلبة التنافس التقني والصناعي. وكيف أننا صرنا نستورد كل شيء وليس لنا أي يد في صناعة ما نملك، فأصبحنا بذلك شعباً مستهلكاً من الطراز الأول.

وعلينا حيال ذلك أن نحاول لملمة أنفسنا والنهوض بمستوانا المعرفي والعلمي كما كان أسلافنا من قبل الذين قامت الحضارة الغربية على أنقاض ما تركوه من علوم، كما شهد بذلك ثلة من مفكري الغرب.

ولو تأملنا بعض الدول الصناعية المتقدمة لوجدنا أنها قامت ونهضت وهي في أشد وأضعف حالاتها، فدولة مثل اليابان وألمانيا كيف أنها من أكثر الدول تضرراً بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها كونت نفسها من جديد وأصبحت الآن من أحسن الدول اقتصاداً، فالقضية هي قضية رغبة وعزيمة، من القيادة والشعب على حد سواء، وقضية إخلاص وصبر.

3- التأثير الإعلامي على الشباب خاصة أسهم إسهاماً فعالاً في زعزة الهوية وهدمها، بل ووصم من يحتفظ بهويته بالتخلف والرجعية، كيف أنه يُلبس لباس النجومية من شاء سواء كان فناناً أو لاعباً، ويجعله المثل الأسمى والقدوة بغض النظر عن تاريخه ومستواه الثقافي والعلمي بل وعن دينه وملته، ثم تكرار ذلك صباح مساء حتى يترسخ ذلك الشخص بأذهان الشباب نجماً لامعاً ومثلاً يحتذى به، في لباسه وشكله وقصة شعره، فالإعلام لديه قوة هائلة في الجذب والإبهار، وكذلك الإقناع والتأثير، أضف إلى نفوذه وتمتعه بالاتساع وقدرته على الانتشار والوصول السريعين. وهناك أسباب أخرى لا تقل أهمية في تدمير هويتنا كالفراغ والهامشية وكذلك العيش في الدول الغربية وغيرها.

وأود التنبيه إلى نقطة مهمة، وهي أن الانفتاح على الحضارات الأخرى سواء كانت غربية أو شرقية إذا كان بالضوابط المقررة لا يتنافى مع الشريعة الإسلامية، ومحاولة الاستفادة والاقتباس من معطيات تلك الحضارات وإنتاجها النافع وإقامة أرضية مشتركة من المصالح لا يتعارض مع كوننا نخالفهم المعتقد والديانة ونكره ما هم فيه من ضلال، بل لا يكون متلازماً مع تلاشي قيمنا وخصوصيتنا وذوبان هويتنا الفكرية والاجتماعية. ولكن ما نحذر منه هو الانفتاح المذموم الذي لا يفرق بين الحسن والقبيح، وبين ما يوافق قيمنا الإسلامية وما يعارضها، ويصل إلى أن اقتباس عاداتهم وتقاليدهم في المظاهر واللباس وامتثال نُظمهم وقيمهم وأطروحاتهم وتطبيقها على واقعنا حتى وإن كانت لا فائدة منها ولا جدوى، بل تضر أكثر مما تنفع.



ngedan@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد