Al Jazirah NewsPaper Friday  16/05/2008 G Issue 13014
الجمعة 11 جمادى الأول 1429   العدد  13014
الموقف من كلينت ايستوود.. أو كيف تجاهل النقاد لعرب سينمائياً كبيراً إلى أن اعترف به الغرب؟

هوليود - محمد رضا

مرة أخرى يصل الممثل - المخرج كلينت ايستوود إلى مهرجان (كان) السينمائي الدولي مصطحباً فيلماً جديداً لإشراكه في مسابقة المهرجان الكبيرة.. إنها المرّة الخامسة، على وجه التحديد، التي يدخل فيها المخرج والممثل المعروف ايستوود صرح المهرجان الفرنسي العالمي من دون أن يقطف جائزة كبرى بحجم أهميّته التاريخية وبحجم قوّة فيلمه وجودته.

دائماً ما كانت لجان التحكيم تبدّي عليه مخرجاً آخر وفيلماً آخر ربما على أساس أنه هوليوودي والحاجة إلى تشجيع المواهب المستقلّة في أميركا والعالم... تلك التي يجب دعمها ولا تدعمها المؤسسات الكبيرة.. لكن ألا يشكّل الأساس الفني الحكم الأول؟ ألا يجب أن يسود التقييم القائم على جودة الفيلم وليس على ميزانيّته أو مدى ارتباط الفيلم بجهاته الإنتاجية.. أو وضع صاحبه بالنسبة لهوليوود من عدمه؟.. على الورق نعم.. في التطبيق لا يبدو أن هذا ممكن حسب خفي حنين الذي عاد به ايستوود في كل مرّة اشترك فيها في مسابقة هذا المهرجان.. المرة الأولى كانت سنة 1985 حين قدّم Pale Rider الثانية سنة 1988 حين عرض Bird الثالثة سنة 1997 مع تخصيصه فيلم (سُلطة مطلقة) للعرض الرسمي ثم جاءت المرّة الرابعة حين عرض تحفته الصغيرة Mystic River الذي لم يلق بالاً يذكر في كان، لكنه عاد إلى هوليوود واختطف عدّة جوائز أوسكار أحدها للممثل شون بن الذي يقود الآن لجنة تحكيم الدورة الحالية من المهرجان الفرنسي حيث يعرض ايستوود فيلمه الجديد Changeling.

تجاهل عربي

لكن إذا ما خرجت لجان التحكيم عادة بنتائج لا تثير رضا الغالبية فإن هذا شأنها وأحياناً ما يكون ذلك رغبة في إنصاف طرف آخر يستحق.. (وفي أحيان أخرى هي سياسة تمنح طرفاً آخر ما لا يستحقه).

الذي يُثير الغرابة بالفعل هو الموقف النقدي العربي من الممثل والمخرج الأميركي الذي كان حكم على ايستوود بأنه مجرد زوبعة في فنجان، ثم أراد تحسين علاقته به فوجده ممثلاً لأفلام الوسترن والبوليسي لا يصل إلى الدرجة التي على الناقد التعاطي مع المسائل الفنية.. ثم حين بدأ ايستوود إخراج الأفلام قبل أكثر من خمس وثلاثين سنة تجاهله مجدّداً على أنه مخرج غير مهم.

وبقي ايستوود مخرجاً غير مهم، وممثلاً من غير صنف لورنس أوليفييه وأورسن ولز ومارلون براندو لذا يجب أن لا نكترث له، حتى فوجئ هذا النقد العربي الذي يلهث معظم من فيه وراء وجهات النظر الغربية أن النقاد الغربيين باتوا يقدّرون أفلام ايستوود ويمنحونها تأييدهم? هنا، ومن باب أنه لا يمكن أن يكون النقاد الغربيون على خطأ، سارع النقد السائد لاستبدال نظرته إلى هذا العملاق وإصباغ كلمات مثل (المخرج الكبير) و(الفنان الرائع) و(الأيقونة السينمائية) عليه.

استقبال جيد

كلينت ايستوود هو واحد من أولئك السينمائيين الأمريكيين الذين لم يتم الاحتفاء بهم جيّداً في عالمنا العربي، وذلك تبعاً لمفاهيم سياسية محضة وجاهزة ودائمة.

النتيجة ليس أنه ضحية هذا الشأن من الاعتبار الخاطئ والتقدير غير العلمي للأمور، بل نحن ضحايا لإغفالنا وتجاهلنا? لكن هناك أسباباً خاصة أخرى تضاف إلى تلك التي حدّت يوماً من التقاء النقد العربي بإيستوود من قبل أن يصبح همّه تبنّي الرأي الغربي وهو أن كلينت ايستوود قبل أن يصبح مخرجاً كان ممثلاً ناجحاً.. وهذه بالنسبة لكثيرين سقطة او بداية لا تؤهل صاحبها إلى التقييم الجاد خصوصاً إذا ما كان ممثلاً في أفلام شعبية يحبّها الجمهور.. فالعادة التي درجت هي أن على الناقد أن يكون مناوئاً لرغبة الجمهور ومفاهيمه بالضرورة التلقائية، كما لو أن الناقد يريد أن يؤكد لمحيطه أنه مختص ومتخصص وبالغ القدرة على الانتقاء.. بينما ما يفعله في الواقع هو زج نفسه في هدم الغاية من كونه ناقداً وهو التوسّط بين الجمهور وبين الفيلم والتقييم من دون وصايا أو سرعة في الحكم تاركاً الرأي الأخير إلى المشاهد وحده? ايستوود لم ينتظر أن يشيخ أو يصبح عاطلاً عن العمل لكي ينتقل إلى الإخراج.

بعد نحو عقدين من العمل ممثلاً في مسلسلات تلفزيونية وأدوار صغيرة في أفلام منسية (أحدها دور طيّار حربي يظهر في ثلاث مشاهد قصيرة وهو يقصف عنكبوتاً ضخماً في فيلم رعب خمسيناتي).. ثم بعد مرحلة من النجاح الفوري إثر قيامه ببطولة ثلاثية أفلام وسترن أخرجها الإيطالي سيرجيو ليوني، وسلسلة بوليسية من إخراج دون سيغال بدءاً بفيلم (هاري القذر)، لم ينتظر طويلاً بل عمد إلى الإخراج سنة 1971 بفيلم عاطفي متوتر هو (اعزف لي ميستي).. استقبل الفيلم من قِبل النقاد الأمريكيين جيّداً ففي فيلمه ذلك علامات نبوغ لا يمكن التغاضي عنها ولمحات من مزايا سينماه التى واكبته إلى يومنا هذا في كل فيلم أخرجه.

وايستوود واصل عمله أمام الكاميرا وخلفها طويلاً حتى السنوات القليلة الماضية عندما ختم ظهوره بفيلم (مليون دولار بايبي)، على ما يبدو، بلعب دور مدرّب ملاكمة الذي يوافق على مضض تدريب فتاة تهوى الملاكمة قبل أن تتحوّل بالنسبة له إلى قضية وجوهر حياة.

رجل خاسر بعد ماضٍ لا بأس به يجد أمامه فرصة لتحقيق انتصارات جديدة عبر تلك المرأة الحالمة بالبطولة، لكنه يخبو وإياها بعد حين ليس بالبعيد.

مبدأ نخبوي

مسيرة كلينت ايستوود الإخراجية تواصلت بفيلميه الثاني والثالث في هذا الاتجاه وهما Breezy وHigh Plain Drifter وبعد فيلم رابع بعنوان: Eiger Sanction أُنجز سنة 1977 أحد أفضل أفلامه مخرجاً وأحد أفضل أفلام الوسترن في تلك الفترة وإلى اليوم وهو: The Out law Josey Wales دراما حول مزارع منصرف لحقله وعائلته حين تغير قوّات من الشماليين، خلال الحرب الأهلية الأمريكية، على منزله فتقتل عائلته.

بعد ذلك ينضم إلى الجنوبيين في تلك الحرب لكن عليهم الآن إلقاء السلاح بعدما انتهت الحرب رسمياً، جوزي لا يصدّق أن الجيش الشمالي سيفي بوعده فيفلت من مذبحة يتعرّض لها المستسلمون وينطلق منتقماً قدر استطاعته من الشماليين الذين باتوا يرصدون حركاته بغية قتله? طبعاً فيلم الوسترن بأصله هو دون مستوى اهتمام المعظم الكاسح لنقّاد السينما العرب وذلك بسبب المبدأ النخبوي الذي يعتقدون أنهم أهل له.

لذلك لم يلق أحد منهم بالاً إلى حسنات هذا الفيلم الفنية وانضم إلى أفلام سابقة وأخرى لاحقة أنجزها المخرج ومرّت تحت رادارهم الصدأ.. هذا في الوقت الذي كان فيه النقاد الغربيون يكتشفون في كلينت ايستوود استمراراً لسينمات رعيل من المخرجين الجيّدين أمثال جون هيوستون ودون سيغال وجون سترجز وروبرت ألدريتش، وهي أسماء بدورها لا تعني شيئاً للنقاد في هذا الموقع من العالم.

هل يفوز؟

المرّة الأولى التي انتبه فيها النقد العربي وعدد كبير من النقّاد الأوروبيين إلى صلابة سينما ايستوود كانت حين قدّم فيلم (بيرد) عن حياة عازف الجاز تشارلز بيرد وكيف قاد حياة من الدمار الذاتي.

لعب بطولة الدور الفنان فورست وتيكر فلهب أحاسيس ألم عينين حين تمَّ عرض الفيلم على شاشة كان وكان ايستوود أول من أسند إلى هذا الممثل، الذي لاحقاً ما صعد سلالم الشهرة إلى حيث تلقّف أوسكاره الأول مؤخراً، بطولة فيلمه واثقاً بقدراته مع (ميستيك ريفر)، الذي أتاح للممثل شون بن الفوز بأوسكار أفضل تمثيل رجالي و(مليون دولار بايبي) ثبّت ايستوود موقعه كفنان أميركي ولفت نظر نقادنا الذين اكتشفوا ولادته بعد أكثر من ثلاثة عقود على مولده مخرجاً وأربعة عقود على بطولاته ممثلاً.. ثم جاء (مليون دولار بايبي) فارتفع رصيده بين النقّاد عموماً لكن القليلين من النقاد العرب اهتمّوا بإلقاء الضوء على فيلميه اللاحقين (رسالة من إيوو جيما) و(رايات آبائنا)، وهما فيلمان من أفضل أعماله عموماً ومن أفضل ما خرجت به الشاشة الأميركية في السنوات الخمس الأخيرة.. هل سيفوز ايستوود بما يستحق هذه المرّة في (كان) فيلقف السعفة الذهبية عن فيلمه الجديد (استبدال) أو أن الاعتبار الجاهز من أنه مخرج هوليوود كبير لا يحتاج إلى جائزة كان هو الذي سيسود.. ايستوود يحتاج، لمسيرته الفنية، جائزة (كان) وإلا لما داوم على المجيء هنا عارضاً أفلامه?




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد