Al Jazirah NewsPaper Wednesday  04/06/2008 G Issue 13033
الاربعاء 30 جمادى الأول 1429   العدد  13033
مركاز
هوايات (1)
حسين علي حسين

في سني المراهقة كانت عندي هوايتان: الأولى جمع طوابع البريد، والثانية كانت مراسلة الجنسين، وسوف أترك الآن الهواية الأولى وأتجه إلى الهواية الثانية، فقد كان من يهوى المراسلة يبدأ بعد الرسالة الثانية أو الثالثة في البحث عن أحدث وأجمل صورة لديه ليضعها مع الرسالة هدية لمن تعرّف عليه؛ لتكون عربوناً للصداقة والمودة والإخلاص، وقد أرسلت انطلاقاً من هذه المبادئ الخضراء عشرات الرسائل إلى العديد من الدول العربية، وكانت الردود تأتي ومعها صورة مقابل صورة، وآه لو كانت الصورة من فتاة، إننا حينئذ نتجمل أكثر، حيث يجلس الواحد منا، أو أجلس أنا على وجه التحديد، أمام المصور الأشهر في أول باب قباء بالمدينة، الذي يعد للأمر عدته، فقد كانت هذه الهواية منتشرة في المدينة، فهذا المصور لديه كوت فضفاض، وكرافته ونظارة سوداء، ولديه الكِريم لمن يتوق إلى الشعر الأسود الناعم، وكانت هذه المميزات في عهدة كل من يطلب صورة بالبدلة، كنا نلبس الكوت والكرافته على الثوب مباشرة، فما دامت الصورة نصفية فلن يعلم أحد أننا لا نلبس بنطلوناً أو قميصاً، ولو كان التصوير الملون قد اكتشف ربما (بان ما انستر) من عيوبنا، لكن الأسود والأبيض فيه متسع لطمس كافة الفجوات من عيون معمصة وشعر أكرت، وربما لون مثل لون الفحم، يجهد بعضنا نفسه في أن يكون فاتحاً، ولدى المصور الهمام الكثير من الحيل؛ لتبدو في ملامح نجوم المسرح والسينما، ودائماً ما كانت الأمور تصل إلى مستقرها بسلام، فتأتي الصور بدل الصور من المغرب والمشرق.

لقد كان لي صديق في مثل سني، وله نفس الهواية: جمع الطوابع ومراسلة الجنسين، وهو يعمل مساعداً لوالده في بيع الخضار، فالتخصص لدى الباعة في المدينة كان صارماً، لكن الشيء الغريب في هذا الصديق هو أنه لا يقرأ ولا يكتب ولم يرزقه الله بوجه مقبول، كما أنه لفرط شقاوته لم يتمكن من الاستمرار في المدرسة، فطرد بعد أيام؛ ليكون مقره الدائم في دكان والده، وكان ينفق جزءاً لا يستهان به من دخل الدكان في شراء الطوابع أو المناظر الطبيعية وأدوات كتابة الرسائل، وكان لا يعدم من يكتب له الرد على كافة الرسائل حتى لو اضطر إلى الذهاب إلى شارع العينية حيث يكثر (العرضحالية) الذين يقرؤون الرسائل ويردون عليها، وعندهم كامل الاستعداد لكتابة كافة أنواع الرسائل!

حل صديقنا مشكلة الرسائل وقراءتها والرد عليها، ولم يبق أمامه سوى مشكلة الصور، وقد رسخ في قرارة نفسه أن كافة الصور التي أخذها لنفسه لا تليق؛ لذلك عزم على حيلة استمر عليها طويلاً؛ فقد كان يأخذ الصورة التي تصله من صديق في تونس ويرسلها لصديق في لبنان، أما الفتيات فقد كان يراسلهن دائماً باعتباره فتاة، فيأخذ صورة فتاة المغرب ويرسلها لفتاة العراق، وكان قانعاً هانئاً بكافة النتائج التي تحققها طريقته العجيبة في التعامل مع الرسائل والصور.. وكان يطبق نفس الطريقة في تبادل الطوابع، فيرسل الطوابع التي تأتي من العراق إلى صديق من الإمارات، ولم يحيرني شخص مثل هذا على طول المدة التي قضيتها أمارس هواية المراسلة، وكنت كلما فكرت فيه أزداد حيرة في أمره!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5137 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد