Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/06/2008 G Issue 13037
الأحد 04 جمادىالآخرة 1429   العدد  13037
البطالة والأمن.. نقيضان لا يجتمعان (2)
منصور بن عثمان أبا حسين

استكمالاً لما سبق الحديث عنه في مقالة سابقة عن البطالة في المملكة تطرقت فيها إلى أسباب هذه الظاهرة وآثارها على الفرد والمجتمع، فإنني فيما يأتي من الحديث سأحاول التركيز على الحلول وسبل العلاج التي من الممكن أن تسهم في مكافحة البطالة وتساعد على الحد من تداعياتها السلبية الخطيرة.

وكمدخل لهذا الموضوع.. لا بد من الإشارة إلى عدد من الأمور التي من المهم أخذها بعين الاعتبار عند حديثنا عن هذا الجانب:

أولاً: أن البحث عن حل جذري ونهائي لهذه الظاهرة يعتبر من قبيل المحاولات الطوباوية التي لا أمل في الوصول إلى نتيجة من خلالها.

ثانياً: التأكيد على أهمية التأني وإعطاء الوقت الكافي لأي حل يتم تبنيه أو استراتيجية يتم اعتمادها لمواجهة هذه الظاهرة، وعدم توقع نتائج فورية سريعة على المدى القصير، وذلك لضمان فعالية هذه الحلول والاستراتيجيات ونجاحها.

ثالثاً: يعتبر القطاع الخاص هو الميدان الذي ينبغي التعويل عليه في مسألة حل مشكلة البطالة، وذلك نظراً لتشبع القطاع العام ومحدودية قدرته في استيعاب الأعداد الكبيرة من طالبي العمل.

وبعد ذلك نعرج إلى السؤال المهم حول ماهية الاستراتيجية المثلى التي يجب اعتمادها لمكافحة البطالة والحد من آثارها.. فهل هي ما يدعو إليه البعض من ضرورة اعتماد استراتيجية تهدف إلى تكييف بيئة سوق العمل وتطويعها لتكون ملائمة ومتوافقة مع حاجات الشباب السعودي الباحث عن العمل وقدراته؟؟ والمطالبة باتخاذ العديد من الإجراءات والسياسات التي تصب في هذا الجانب كتلك التي تستهدف فرض القيود التي تحد من عمليات استقدام العمالة الأجنبية، والعمل على تقليص الأعداد الموجودة منها حالياً، وإجبار القطاع الخاص على توظيف السعوديين بنسب محددة، ورفع مستوى الأجور، وتقليل ساعات العمل، وزيادة الحوافز وغير ذلك من السياسات والإجراءات التي ينادي بها أنصار هذا الرأي.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن اعتبار هذه الاستراتيجية مقبولة ومتوافقة مع مصالح مؤسسات القطاع الخاص التي يهمها في المقام الأول الربح والكسب المادي إلى جانب حرصها الشديد على رفع وزيادة معدلات التنافسية فيما بينها؟؟

وما مدى وملائمة وواقعية هذه الاستراتيجية مع تلك التغيرات الكبيرة التي يشهدها سوق العمل السعودي والتي سيشهدها مستقبلاً خاصة مع قرب موعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، وما يتبع ذلك من انفتاح السوق السعودي على الخارج، وفتح أبوابه بشكل كبير لتدفق رؤوس الأموال الأجنبية ودخول الشركات العالمية إليه، وهي التي لا تهتم بجنسية، ولا يمكن أن تتقبل فرض قيود أو شروط عليها وخاصة فيما يتعلق بعمليات التوظيف لديها.

إذا، والحال كذلك... أليس من الأجدى اعتماد استراتيجية بديلة تقوم على أساس تكييف طالبي العمل السعوديين وتهيئتهم لمتطلبات سوق العمل بشكل يجعل اليد العاملة السعودية تنافسية على المستويين الوطني والدولي؟ ويكون ذلك من خلال الرفع من كفاءة ومستوى مخرجات التعليم الأكاديمي والفني والمهني للتواءم مع متطلبات سوق العمل وبشكل يمكن الشباب السعودي من اكتساب المهارات والخبرات اللازمة والمطلوبة في سوق العمل هذا من جهة، ومن جهة أخرى العمل على نشر ثقافة سوق العمل بين الشباب السعودي والتي قوامها الرئيس الالتزام والانضباط التام، والابتعاد عن تلك النظرة الدونية المتعالية لكثير من فرص العمل التي يوفرها القطاع الخاص وتنتهزها اليد العاملة الأجنبية، وبشكل يجعل الشاب السعودي على درجة عالية الوعي والإدراك بأن مؤهلاته وخبراته يجب أن تكون مناسبة للوظيفة المتوفرة لا أن تكون الوظيفة ملائمة لرغباته وتوقعاته، ومن الممكن دعم هذه الاستراتيجية بواسطة جهود الجهات المعنية ومنظمات الحقوق العمالية التي تهدف إلى تحسين أوضاع العمالة الأجنبية وظروف عملها من حيث الأجور وساعات العمل، والتأكيد على ضمان حقوقها بالشكل الذي سيؤدي إلى رفع كلفة العامل الأجنبي وتقليل الفوارق بينه وبين العامل السعودي بما يسهم في تقليص رغبة القطاع الخاص في توظيف الأجانب ويجعلهم أقل جاذبية لديه.

نعم.. إن اعتماد مثل هذه الاستراتيجية من شأنه إيجاد حلول ناجعة لمشكلة البطالة ولاسيما على المدى الطويل، ووفق خطط وسياسات تلتزم بها الجهات المعنية، وتتابع تنفيذها وتقيم نتائجها.. فهي من جهة تهيئ الشباب السعودي لسوق العمل وتمده بالخبرات والمهارات التي تساعده على تلبية متطلبات سوق العمل بصورة تجعل من اليد العاملة السعودية مطلوبة ومرغوبة لا مفروضة، كما أنها في الوقت نفسه تتفق مع مصالح وأهداف القطاع الخاص لذي يهمه بالدرجة الأولى كفاءة العاملين فيه وارتفاع مستوى التنافسية لديهم، وبذلك يجد القطاع الخاص نفسه مجبراً عن اقتناع على اختيار اليد العاملة السعودية وتفضيلها على غيرها.



abo_3thman@windowslive.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد