Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/06/2008 G Issue 13037
الأحد 04 جمادىالآخرة 1429   العدد  13037
رحلة البحث عن أرض الثولي المفقودة

الكتاب: The Ice Museum: In Search of the Lost Land of Thule

المؤلف: Joanna Kavenna

الناشر: Viking

أجيال عديدة حلمت بالعثور على تلك البلاد المفقودة في القارة القطبية الشمالية، والتي اكتشفها أحد الرحالة اليونانيين في القرن الرابع قبل الميلاد، وقال إن أرض الثولي هي آخر نقطة في العالم الشمالي، وتقع على حافة القارة المتجمدة. ويقول الكثيرون إنها ربما لم توجد على الإطلاق، ولكن ذلك لم يمنع الكثيرين من الاستمرار في البحث عن ذلك العالم المفقود.

فعلى مر القروة العديدة سافر المستكشفون الشجعان إلى القارة القطبية الشمالية المتجمدة بحثًا عن أرض ثولي، وجابوا تلك المناطق بدءًا من جرينلاند حتى أقصى الشمال الممتد إلى النرويج، كما قام الرحالة الأثرياء من أبناء الحقبة الفيكتورية بالعمل ذاته، وقاموا بإطلاق أعداد لا تحصى لها من الرحلات متجولين على متن مراكبهم البخارية حول جزر آيسلاند، كما أن النازيين أنفسهم اشتركوا في هذا البحث المحموم عن تلك البلاد المتجمدة، وزعموا أنهم عثروا على تراث أجدادهم الآريين في أرض الثولي.

ومن بعدهم جاء الكثير من الأدباء والكتاب والشعراء لتطأ أقدامهم تلك الأماكن بحثًا عن أرض الثولي، ومن بينهم الشاعر الأمريكي إدجار آلان بو والروائية البريطانية شارلوت برونتي، وسحروا ببعدها النائي وغرابتها، ذلك المشهد الشمالي المثلج الذي يتشكل من لا شيء سوى الغموض.

وقد تمكنت المؤلفة البريطانية جوانا كافينا في هذا الكتاب الساحر (متحف الثلج: البحث عن أرض الثولي المفقودة) من إعادة هذه الخرافة إلى الوجود ثانية، وخلطت في هذا الكتاب ما بين أدب الرحلات وما بين القصص البوليسية، وما بين الكتب التاريخية.

ولا تنزعج إذا كنت لم تسمع من قبل عن أرض الثولي، فهي أكثر شهرة في أصقاع أوروبا الشمالية، ولا يعرفها الكثيرون خارج القارة العجوز، فنادرًا ما يسمع أحد عن تلك الكلمة، ولكن بالرغم من ذلك فإنها أبعد ما تكون عن النسيان في القارة الأوروبية.

وتبدأ القصة في القرن الرابع قبل الميلاد عندما زار المستكشف اليوناني بيثيس هذه الأصقاع الشمالية للقارة الأوروبية، وزعم أنه قد اكتشف آخر نقطة في شمال العالم، وأطلق عليها اسم (الثولي)، والتي تقع شمال فرنسا وشمال بريطانيا وبالقرب من المحيط المتجمد، وهي منطقة تؤوي العديد من المخلوقات التي اعتادت على العيش في تلك المنطقة التي يظل فيها النهار لعدة أشهر، والليل كذلك.

وتقول كافينا في كتابها: (هذه الأرض لم يرها أحد سوى مرة واحدة فقط، ولكنها ملأت النثريات والأدبيات، ولكن لم يستطع أحد أن يصفها بدقة بعد هذا الرحالة، فقد أصبحت أرضًا غامضة، تقف وحيدة على شاطئ البحر المتجمد، إنها أرض تقع على حافة خرائط العالم المعروف).

ولكن أين أرض الثولي؟ للإجابة عن هذا السؤال قامت المؤلفة بالاستقالة من عملها وتصفه بأنه فعل أحمق من أجل الذهاب إلى الأصقاع الشمالية الأوروبية للاستكشاف والإبحار في السهول القارصة لشمال القارة، وزارت كافة المناطق التي أثير عنها أنها أرض الثولي، وكانت مهمتها تتحدد في التالي: إذا فشلت في العثور على موقع تلك الأرض فليس أقل من أن تعثر على معنى لها.

وتقول الكاتبة: (بدءًا من عصور الاستكشافات الحديثة إلى عصرنا الحالي الذي يتسم بالأسفار المتعددة لوجود وسائل المواصلات الحدثية لا تزال أرض الثولي محتفظة بمكانها كرمز لأرض الفراغ والصمت؛ فقد بدأت في التساؤل: ما الذي حدث لتلك الأرض ولفكرة البلاد النائية، وهذا الشعور بالطبيعة الساحرة المتجسدة في كلمة ثولي؟ ما الذي حدث لحلم العثور على مكان نقي، مكان بعيد عن غموض العالم من حولنا؟).

ثم سافرت كافينا إلى تلك الأصقاع متسلحة بفضولها العميق، وكافحت كثيرًا من أجل الدخول إلى قاعدة الثولي الجوية التي تديرها الولايات المتحدة في جرينلاند، وانضمت إلى السكان في جزر الشيتلاند الأسكتلندية، واحتست قهوتها مع الرئيس السابق لجمهورية أستونيا الذي يقول إنه عثر بدوره على صلات بين الثولي وبين الشخصية القومية لبلاده، وبين شهاب نيزك سقط منذ فترة طويلة في تلك المنطقة.

وربما يتوه القارئ في بعض الأحيان بين الكم الهائل من المراجع للمستكشفين والشخصيات التاريخية التي حاولت استكشاف تلك البلاد، وبين البحث الأبدي لكافينا عن معنى يمكن أن يكون بداية الخيط. وسوف يكون هذا الكتاب رائعًا بالنسبة للقراء الذين يهتمون بالأساطير ويؤمنون بوجودها، كما جاءت الشخصيات الحية في هذا الكتاب أكثر روعة من تلك الأماكن الباردة التي زارتها المؤلفة وكتبت عنها في كتابها، مثل ذلك المستكشف النرويجي الشهير الذي يحيا حياة غير عادية، ولكن عينيه تبدوان في الصور الفوتوغرافية تحملان الكثير من اليأس. ثم هناك تلك المرأة النرويجية التي تخبر كافينا عن الظلم الذي واجهته هي والذين ولدوا لآباء تعاونوا في السابق وعقدوا علاقات صداقة مع المحتلين النازيين، إضافة إلى زوج من الأستونيين في العقد الرابع من عمرهما، أحدهما يتحسر على الأجيال الصغيرة، في حين يزعم الآخر أنه تدرب على يد الروس على كيفية اختراق المجتمع الأمريكي عن طريق لهجته الأمريكية التي يمكن أن يخدع أي أحد بها.وهناك أشخاص آخرون مثل أولئك المستكشفين من العصر الفيكتوري الذين جالوا تلك البلاد وطافوا حول الدائرة القطبية بأسماء مثل مدام أليك تويدي وقائمة من الأسماء المستقاة من الملاحم الآيسلندية، مثل كليستون العابس، ومشعر الخدين، وأحد الشعراء اسمه أودون غير الملهم وإيفيند المنتحل.

أما الشخصيات الأكثر غموضًا فكانت شخصية المؤلفة الشابة ذاتها، فهي باحثة نشطة وغير مهتمة بشؤون الدنيا من حولها، والتي طالما حلمت منذ أن كانت طفلة صغيرة بالقطب الشمالي وحفظت أسماء المستكشفين، وتقول: (لقد كان هناك شيء يجذبني في سكون الثلج وأثار فضولي، سكون مفعم بالإثارة، مثل خشبة مسرح فارغة تستعد للحظة الدخول الكبير لمستكشف آخر، يكافح ضد الثلوج).

أما عشق المؤلفة كافينا للقارة القطبية، وهو مكان موحش لا يمكن أن يحبه أحد، فقد حول كتابها إلى مكان دافئ ينبض بالحياة، ولا يمكن تخيل مرشد سياحي أفضل من تلك المؤلفة، أو رحلة أكثر غرابة من تلك الرحلة.










 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد